كانت السيدة العجوز تعبر الشارع الضيق في منطقة الناصرية بالقاهرة، فجأة تسمرت قدماها وانتابها خوف شديد عندما رأت كلبا ضخما يشده شاب مفتول العضلات يسير مترجلا مستعرضا بالكلب المدرب باهظ الثمن، وفيما يبدو أن علامات الذعر التي بدت علي السيدة أثارت الكلب فانفلت من يد الفتي ليطارد السيدة التي سقطت علي الأرض عندما حاولت الهروب ركضا علي قدميها. وتقدم الفتي وبمنتهي الصعوبة أبعد الكلب الذي كان قد قفز علي السيدة ومرت اللحظات ثقيلة، حتي ابتعد الفتي والكلب وسلك به أحد الشوارع الجانبية بينما أجلسوا السيدة علي كرسي بمقهي علي الشارع حتي هدأ روعها ومضت متثاقلة الخطوات. في شارع الهرم وأمام مدرسة ابتدائية رأي مجموعة من الأطفال كلبا بوليسيا، فأرادوا اللعب معه ولكنه طاردهم فأصيب الأطفال بالهلع وسقط منهم طفل علي الأرض ولولا تدخل أصحاب الكلب لافترس الطفل. المستشار جمال القيسونى هذه المشاهد وغيرها تتكرر بشكل شبه يومي في أماكن كثيرة وقد أصبح سير شخص ممسكا بكلب ذي مظهر شرس أو كلب بوليسي ضخم، ظاهرة تئن منها شوارع القاهرة. وفي الواقعة الأخيرة التي شهدتها منطقة مصر الجديدة والخاصة بواقعة هجوم كلب بوليسي علي طفل أمام مدرسة نبيل الوقاد الابتدائية في أثناء خروجه من المدرسة، كاد الطفل يدفع حياته بعد هجوم الكلب الشرس عليه وعضه في أماكن متفرقة من جسده ورغم انتهاء البلاغ بالتصالح بين والد الطفل ووالدة تلميذة بالمدرسة وصاحبة الكلب، إلا أن الواقعة تعيد دق أجراس الخطر بقوة لاستفحال هذه الظاهرة المخالفة للقانون. الجريمة مازالت مستمرة إن تكرار ظهور الكلاب الشرسة في الشوارع بصحبة مالكيها يتحدى القانون، خاصة أن الأمور صارت لا تقتصر على تربية الكلب المدرب على مهاجمة الآدميين والفتك بهم وبالتالى فهى ليست مقصورة على تحديد مكانه وربطه أو وضعه داخل قفص أو وراء سور منيع في منزل لحمايته من اللصوص!. بل صار اصطحاب كلب شرس في الشارع يتعامل معه البعض على أنه نوع من الوجاهة الاجتماعية أو الظهور بمظهر القوة جهارا نهارا وما لبثت الظاهرة أن انتقلت من شوارع المناطق الراقية التى بدأت فيها بكثافة، إلى المناطق الشعبية والعشوائية لتهدد الكلاب المدربة سواء المرخصة وغير المرخصة المارة في كل الشوارع. وكما تم التصالح في واقعة مدرسة الشهيد نبيل الوقاد بتنازل والد الطفل الذي هاجمه الكلب وكاد يقتله، يتم التصالح في كثير من الحوادث، هذا إذا كان قد تم الإبلاغ عن الجريمة من البداية. ويذكر أن استعراض القوة بواسطة حيوان مفترس أو التهديد به كانت عقوبته مغلظة لمجرد الظهور به في القانون الذي كان معروفا بقانون البلطجة الذي تم إلغاؤه لأسباب إجرائية، لتعود الجريمة لسيرتها الأولى بالعقوبات المعتادة في قانون العقوبات الذي يشدد العقوبة إذا استخدمت الكلاب الشرسة في السرقة بالإكراه أو فرض السيطرة. من الحبس إلى الإعدام ويذكر المستشار جمال القيسوني عضو محكمة القيم أن القانون يجرم هذه الظاهرة حيث إن قانون العقوبات يعاقب في المادتين 375 مكرر من قانون العقوبات المضافة بمرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2011، تنص على : مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد واردة في نص آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير، باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجني عليه؛ بقصد ترويعه أو التخويف بإلحاق أي أذى مادي أو معنوي، أو الإضرار بممتلكاته أو سلب مال أو الحصول على منفعة منه، أو التأثير في إرادته لفرض السطوة عليه وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين، إذا وقع الفعل باصطحاب حيوان يثير الذعر، وهو من شأنه إلقاء الرعب في نفس المجني عليه، أو تكدير أمنه أو سكينته أو طمأنينته أو تعريض حياته أو سلامته للخطر أو إلحاق الضرر بشيء من ممتلكاته، أو مصالحه أو المساس بحريته الشخصية أو شرفه أو اعتباره. ويستدرك القيسوني قائلا : لكن إذا ما نتج عن هجوم الحيوان الشرس - الكلب- إصابات ترقى خطورتها إلى الجنايات، كأن يتسبب الحيوان المفترس في حدوث عاهة مستديمة في الضحية أو إصابات بالغة ، تحيل توصيف الاعتداء الواقع من كونه مجرد جنحة إلى جناية. أما في حالة موت الضحية نتيجة هجوم الحيوان، فيعاقب مصاحب الكلب الشرس بأحكام المادة (234) من قانون العقوبات والتى تصل العقوبة فيه إلى السجن المشدد أو المؤبد ، ففي هذه الحالة توجه له عقوبة القتل العمد ولكن بدون سبق إصرار ولا ترصد، أما إذا كان مصاحب الكلب قاصدا قتل المجني عليه مع سبق الإصرار أو الترصد فيعاقب بالإعدام وهو العقوبة المنصوص عليها في المادة (230) من القانون، وكذلك لو كان اعتداء الكلب المتسبب في الوفاة مقترنا بجنحة أو جناية أخرى كجنحة السرقة أو جناية السرقة بالإكراه ، كما يجب أن نشير إلى أن المشاركين في الجريمة يعاقبون بعقوبات الفاعل الأصلي نفسها، حسب المادة (235) من القانون.