الرئيس السيسي يوجه بمُواصلة العمل على تطوير أداء شركات قطاع الأعمال    «تنظيم الاتصالات» يعلن موعد بدء التشغيل الفعلي لخدمات الجيل الخامس    استشهاد 23 فلسطينيا وإصابة آخرين فى قصف إسرائيلى على مناطق متفرقة بغزة    الأرض تنهار تحت أقدام الانقلاب.. 3 هزات أرضية تضرب الغردقة والجيزة ومطروح    دونجا: الخوف من الإصابة قبل نهائي أفريقيا سبب الخسارة أمام فاركو والبنك    مصرع شاب غرقا فى ترعة بعد محاولته تفادى قطار بالعياط    محمد مصيلحي يستقيل من رئاسة الاتحاد السكندري.. وأعضاء المجلس يتضامنون معه    وزارة النقل: مركز تحكم للرقابة على الأتوبيسات الترددية    الهيئة العامة للأوقاف بالسعودية تطلق حملتها التوعوية لموسم حج 1446    شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالمنيا تستعد لاستقبال عيد الأضحى.. تفاصيل    مهرجان روتردام للفيلم العربي يختتم دورته ال 25 بتكريم ليلي علوي    كشف أسرار جديدة بواقعة التنقيب عن الآثار أسفل قصر ثقافة الطفل بالأقصر.. فيديو    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    افتتاح معرض إعادة التدوير لمؤسسة لمسات للفن التشكيلي بحضور وزيرة البيئة    ريوس يبرر خسارة وايتكابس الثقيلة أمام كروز أزول    التفاصيل المالية لصفقة انتقال جارسيا إلى برشلونة    بوستيكوجلو يطالب توتنهام بعدم الاكتفاء بلقب الدوري الأوروبي    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    وزير التعليم يكشف تعديلات المناهج في العام الدراسي الجديد    مصر بين واشنطن وبكين.. توازن استراتيجي يحفظ السيادة ويصنع الفرص    وزير الخارجية: مصر أكثر طرف إقليمي ودولي تضرر من التصعيد العسكري في البحر الأحمر    عاجل| "أزمة غزة" تصعيد متزايد وموقف بريطاني صارم.. ستارمر يحذر من كارثة إنسانية ولندن تعلّق اتفاقية التجارة مع إسرائيل    دنيا سامي: مصطفى غريب بيقول عليا إني أوحش بنت شافها في حياته    «واكلين الجو».. 3 أبراج هي الأكثر هيمنة وقوة    دعاء يوم عرفة 2025 مستجاب كما ورد عن النبي.. اغتنم وقت الغفران والعتق من النار    وزير الصحة يشهد احتفال إعلان مصر أول دولة في شرق المتوسط تحقق هدف السيطرة على التهاب الكبد B    زيلينسكي يعرب عن تطلعه إلى "تعاون مثمر" مع الرئيس البولندي المنتخب    لو معاك 200 ألف جنيه.. طريقة حساب العائد من شهادة ادخار البنك الأهلي 2025    مصمم بوستر "في عز الضهر" يكشف كواليس تصميمه    برواتب تصل ل350 دينارا أردنيا.. فرص عمل جديدة بالأردن للشباب    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    وزير الصحة يتسلم شهادة الصحة العالمية بالسيطرة على فيروس B    الشيوخ يبدأ جلسته لمناقشة بعض الملفات المتعلقة بقطاع البيئة    إيران تدرس الرد على المقترح الأمريكي بشأن برنامجها النووي    مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة وضبط 333 كيلو مخدرات| صور    مدير المساحة: افتتاح مشروع حدائق تلال الفسطاط قريبا    "الأونروا": لا أحد أمنا أو بمنأى عن الخطر في قطاع غزة    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    بى بى سى توقف بث مقابلة مع محمد صلاح خوفا من دعم غزة    التضامن الاجتماعي تطلق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    عيد الأضحى 2025.. ما موقف المضحي إذا لم يعقد النية للتضحية منذ أول ذي الحجة؟    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    لطيفة توجه رسالة مؤثرة لعلي معلول بعد رحيله عن الأهلي    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الأفيون والعودة لعقاب الصين
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 10 - 2018

لا تتوقف الولايات المتحدة وغرب أوروبا عن إسداء الوعظ للعالم عن قداسة حرية الأسواق وحركة الأفراد والديمقراطية وحرية التعبير للأقليات العرقية والدينية والجنسية كأساسيات للرأسمالية والحكم الرشيد. ولهذا فإن القرار الأمريكى بفرض التعريفة الجمركية على الصين يأتى فى تناقض مع قلب فلسفة الرأسمالية. فلقد فرضت الولايات المتحدة ضرائب جمركية على الصين مقدارها 10% على مجمل صادرات تصل إلى 200 مليار دولار؛ فردت الصين بفرض ضرائب على بضائع أمريكية يصل حجمها إلى 60 مليار دولار. فلقد تحولت الصين إلى هاجس أمريكي، وستكون بؤرة العزم فيما هو قادم من صراعات، وستكون حجر الزاوية فيما ستتبناه الولايات المتحدة من تحالفات جديدة وما ستهمله مما (عدى وفات) وصار بلا قيمة. وأصل المسألة ان الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة تجاوزت كل التوقعات فى العقود الماضية، فصارت الصين الدائن الأعظم للولايات المتحدة.
وليس هنا محل استعراض جوانب اختلال الميزان التجارى بين الصين وأمريكا فهو حقيقة مؤكدة. ولكن المهم أن تلك ليست المرة الأولى فى التاريخ التى يختل فيها الميزان التجارى بين الصين والغرب. ففى القرن التاسع العشر كانت الصين فى أطراف العالم ضخمة واسعة مترامية الاطراف مهولة السكان، لا تتوقع أن هناك من يجرؤ على اقتحام أراضيها الشاسعة وشعبها الموحد الفريد.
كان بحر الصين الجنوبى قد شهد التسلل الأوروبي؛ فظهرت ( شركة الهند الشرقية ) الانجليزية فى الهند، وشهد وجود شبيهاتها الهولنديه والإسبانية والفرنسية فى جنوب الهند الصينية تتوسع من فيتنام شمالا. اقتربت شركات التجارة وآليات النهب للصين ولكن نتيجة غير متوقعة فاجأت الجميع. فلقد اختل الميزان التجارى لصالح الصين بسبب إنتاجها (الشاي) الذى كان نباتاً ومشروباً صينياً اكتسح العالم وانجلترا على وجه الخصوص. وعليه فلقد تدفقت الأموال من الخزانة البريطانية إلى الصين. وهكذا فلقد مثل اختلال الميزان التجارى معضلة جاء الرد عليها بتشجيع تجارة الأفيون للصين. شجعت بريطانيا زراعة الأفيون فى منطقة البنجال شمال شرق الهند، وتركت تفاصيل الأمر لشركة الهند الشرقية ترتب مناقصات البيع للتجار والمهربين. ارتفعت مبيعات الأفيون للصين بشكل ضخم وبسرعة كبيرة صحبتها نتيجة اجتماعية مأساوية هى ملايين المدمنين للأفيون مما دفع الامبراطور الصينى إلى إرسال رسالة رقيقة إلى الملكة فيكتوريا يعرض عليها الأمر ومشكلاته، ويبرر اتخاذ الحكومة الصينية قرارا بمصادرة وحرق الأفيون الموجود على الأراضى الصينية.
اعتبرت انجلترا ذاك القرار عدواناً على حرية التجارة، وتقليصاً للأسواق. ونشأ على إثر هذا ما عٌرِفَ باسم (حروب الأفيون) التى تقدمت فيها الأساطيل البريطانية المسلحة، فسحقت سفن الجونج الصينية الضعيفة. انتهت الحرب الاولى بإجبار الصين على تعويض بريطانيا عن تكاليف الحرب وعن خسائر تجار الأفيون، وكان من ضمن هذه التنازلات تقديم موطئ قدم لبريطانيا تمارس من خلاله التجارة وكان من تلك جزيرة (هونج كونج ) ثم أُجبِرَت الصين على تقنين تجارة الأفيون داخل الصين ذاتها. وكانت النتائج مأساوية؛ فلقد تقطعت أوصالها ودخلت على أثرها فى دوامة مفرغة من الانهيارات الاجتماعية والتدخلات الاجنبية.
الرئيس الصينى (شي) يحمل معه إرثاً طويلاً لبلاد شهدت أحداثاً ثوريةً جساما كان منها (الزحف الطويل) للجيش الأحمر الصينى المكون بالأساس من الفلاحين، وظهور ( ماو تسى تونج ) كقائد شيوعى ووطنى عظيم لأمة كبيرة بعد عمل خارق هو زحف استمر 10000كم من جنوب البلاد لشمالها. حوصرت الدولة الجديدة ولم تعترف بها الولايات المتحدة لثلاثين عاما، واعترفت كبديل بحكومة تايوان، الجزيرة الصغيرة التى كانت عضواً دائماً فى مجلس الامن. اتخذ الحزب الشيوعى الصينى قراراتٍ عملاقةً أثّرت فى حياة مليار إنسان، وهى التجربة الأعظم فى الخروج من دائرة التخلف والتبعية فى التاريخ الحديث. ويخطئ من يظن أن النهوض الصينى العملاق هو مجرد ناتج لانفتاح البلاد على الغرب وكأنما كان ممكناً للصين أن تقتحم العالم بصناعاتها، بينما شعبها أسير للإدمان وللقيم الإقطاعية والتعصب الدينى والأمية. فالصين فى ظل (ماو) أرست الأساس لكل ما يدور اليوم. فلقد اختارت تبنى سياسات التوسع فى الصناعة الثقيلة وصناعات المواد الأولية والصناعات التحويلية والعسكرية فى إجراءات اشتراكية ثورية واقتصاد مخطط وخطط خمسية صارمة فى التصنيع والزراعة والثقافة.
لم تتغير طبيعة المجتمع الصينى مصادفة أو بالتواكل أو بالدهاء، فلقد تغير المجتمع الصينى وعادات أفراده ومفاهيمهم وعلاقتهم الأسرية إبّان الثورة الثقافية التى كانت حدثاً زلزل الصين من أقصاها إلى أقصاها تحت شعار رفض السمات القديمة للماضى (التفكير القديم العادات القديمة السلوك القديم) ورغم ما اعترى تلك الأحداث من عنف والتى استمرت لعشر سنوات من 1966، إلا أن أمر الثورة الثقافية سيظل مثيراً للجدل لعقود. فهل كان من الممكن أن يظهر الإنسان الصينى الجديد المتعلم القادر على تفهم العصر ومكوناته دون هذا المخاض؟ سؤال لا نملك الإجابة عليه. ولكن مشروع تبسيط رموز الكتابة الصينية قد يكون إشارة إلى الفكر الفريد للقيادة الصينية وثوريتها الحقيقية. فلقد تبنى الثوار الجدد رموزاً جديدةً للكتابة الصينية القديمة، حتى تمحو أمية الشعب بعيداً عن الرموز المعقدة للكتابة الصينية الكلاسيكية. تبنت الصين التى عرفت العلم والإحصاء والحساب السكانى مشروع الطفل الواحد فى عهد (دينح هسياو بنج) الذى سيطر على الانفجار السكاني، وهو ذات القائد الذى صفى بحسم وبلا هوادة أحداث (الميدان السماوي) فى بكين. هذه الأحداث العملاقة لم تتم بتبنى الدولة فقط مشاريع الحوكمة أو بالإصلاحات الديمقراطية، إنما من خلال ثورة عميقة أداتها هى الحزب العقائدى القائد فى الصين يتتبع مشروعه وشعاراته منذ مؤتمره الأول عام 1921، وهى السعى للخروج من دائرة التخلف والتبعية، وهو ما تتبناه الصين وتعض عليه بالنواجذ بمزيج مذهل من الإصرار والمرونة.
لمزيد من مقالات ◀ د. حازم الرفاعى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.