عهدنا أن تكون للحروب أسباب كثيرة، بعضها معلنة وأخرى سرية، وتعددت أسباب هذه الحروب، فمنها الاستعمارية أو لمطامع اقتصادية أو تجارية، أو لعرض القوة العسكرية وتفوق الأسلحة التي تمتلكها، ولكن لم يسمع الكثير عن حرب تسمى ب"الأفيون". كان السوق الصيني يمثل أهمية جادة لبريطانيا كدولة عظمى تحتاج لتصريف منتجاتها، ولذلك أقامت شركة الهندالشرقية البريطانية علاقات تجارية مع الصين، وكان لإنجلترا نصيب الأسد في التجارة الصينية، حيث كانت تبيع للصين بعض المنتجات البريطانية في مقابل المنتجات الصينية. وفي القرن الثامن عشر الميلادي، فتحت بريطانيا أبواب الصين أمام تجارتها العالمية، ووقتها طلب الملك جورج الثالث من الإمبراطور الصيني شيان لونج توسيع العلاقات التجارية التي تربط البلدين، فأجاب الأخير "إمبراطورية الصين السماوية لديها ما تحتاج من السلع الأساسية، وليست في حاجة لاستيراد سلع إضافية من بلاد البرابرة". واشترى البريطانيون سلعهم وقتها من الشاي والحرير والفضة بعد دفع الثمن، ودفع العجز الاقتصادي في بريطانيا لزرع الأفيون في المناطق الوسطى والشمالية من الهند، ثم صدرته عن طريق شركة الهندالشرقية إلى الصين مرة أخرى. ولكي يحدث توازن في الميزان التجاري، وجدت بريطانيا أن الأفيون هو خير سلعة يمكن ترويجها في الصين، وذلك لزيادة إقبال الناس عليه، كما أنه أدى لتحسين الميزان التجاري، وهنا بدأت معركة حامية بين الإمبراطور الذي أصدر مرسوما من جانبه بتحريم تعاطي الأفيون، وبين بريطانيا التي كانت تعمل بكل الوسائل على إدخال هذا العقار السام لأهالي الصين. تسلمت الصين أول شحنة من الأفيون عام 1781، ولاقت تجارة الأفيون رواجًا في الصين فزاد حجم التجارة بين البلدين، وبدأ الشعب الصيني يدمن الأفيون بالفعل، وتمكّن الإدمان منه، فأصدر الإمبراطور الصيني يونج تشينج عام 1829 مرسومًا بتحريم استيراد المخدرات من الخارج، ومن هنا بدأت عملية التهريب. لجأت بريطانيا إلى زرع كمية من الأفيون وتهريبه إلى الصين، ووصل حجم التهريب إلى 272 طنا في العام الواحد، وفي ذلك الوقت، لجأ الصينيون إلى أي حيلة مقابل الحصول على الأفيون، حتى لو اضطرهم الأمر لرهن البيوت والحقل. وفي بداية عام 1829، تم تهريب 200 صندوق تحوي 608 جرامات من الأفيون، وقدرت التكلفة الكلية لها وقتها 15 مليون دولار، وبقدوم عام 1892 وصلت الشحنة المهربة إلى 4000 صندوق حوت 272 طنًا، وخلال تلك الفترة قامت الثورة الصناعية في بريطانيا، وأعلنت بريطانيا مبدأ حرية التجارة والتداول، وخرجت منتصرة من حروبها على الدول البحرية بالإضافة إلى حروب نابليون. كانت بريطانيا تبحث عن منافذ بشكل دوري حتى تتمكن من توزيع موادها البدائية، وفي الثالث من مارس عام 1840 أرسلت بريطانيا سفنها المسلحة وقواتها إلى الأراضي الصينية حتى تفتح أبواب التجارة بالقوة، واستمرت الحرب في الفترة من 1840 إلى 1842، بعدها احتلت بريطانيا مقاطعة دينج هاي من الصين في مقاطعة شين جيانج، واقترب الأسطول البريطاني من أبواب بكين، ونتيجة لهذه الحرب، تم توقيع اتفاقية "نان جنج" 1842. لم تنته مطامع بريطانيا بتوقيع تلك الاتفاقية، بل سال لعابها لتحقيق مطامع أكبر من السوق الصينية، ففتح ممثلون لبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة باب المفاوضات لتنقيح المعاهدة، وكان مقررًا أن توجه تلك المفاوضات إلى الوصول لأهداف رئيسية أربعة، هي حرية الدخول لجميع أجزاء الإمبراطورية وحرية الملاحة في نهر "اليانجستي" أطوَل أنهار الصين، وإباحة قانونية لتجارتي الأفيون و"الخنازير"، وهو اسم كانوا يطلقونه على العمال الصينيين، وإنشاء علاقات دبلوماسية مع بكين، لكن حكومة الصين لم تكن لترضى بحرية الملاحة في اليانجتسي، أو إباحة تجارة الأفيون والخنازير "العمال" قانونًا، إلا بعد الدخول في الحرب وإصابتها بهزيمة ساحقة، عرفت وقتها بحرب الأفيون الأولى.