لم نتوصل بعد إلى ما حسمته منذ زمن طويل الديمقراطيات الغربية الحديثة، حيث لا يرتبك دعاة الحريات لديهم أمام التدليس بأن كل كلام يستحق أن يندرج تحت حماية مظلة حرية التعبير، حتى صارت لديهم قواعد واضحة تدين وتفرض عقوبات على مَن يسىء استغلال هذه الحرية الثمينة، التى ناضل من أجلها أبطال من مجتمعات شتى عبر التاريخ، لكى يؤسسوا حقاً إنسانياً ينبغى ان يحظى به البشر المتحضرون، حتى إذا كان القائل به فئة محدودة أو فرد واحد. ولكن مع ضمانة أساسية هى ألا تتسبب هذه الممارسة فى أضرار لأحد أو للمجتمع، بل يُفتَرَض أنها تعود على الجميع بالفائدة، إن لم يكن حالاً ففى المستقبل. وهذا ما جعلهم يدينون بعض الممارسات، مثل السب والقذف، وخطاب الكراهية، والتحريض على العنف، والترويج لدعارة الأطفال..إلخ، بل إن هناك أحكاماً صدرت فى السنوات القليلة الماضية فى أعتى الديمقراطيات، مثل فرنسا وأمريكا، قضت بإدانة وسجن من أساءوا إلى جيش بلادهم أو شرطتهم، وأكدّ بعض القضاة فى حيثياتهم أنهم لا يقبلون التطاول على حماة الوطن، ولا يقبلون أى مبررات، حتى إذا اعترف البعض بأخطائهم، أو حاول آخرون التخفيف مما فعلوا بزعم أنهم كان يتفكهون، أو أنهم كانوا يجهلون أن القانون يُجَرِّم فعلهم. والغريب لدينا أن تشريعاتنا تدين من يقوم بختان الفتيات القصر، ولكنها تدع المروِّج له حراً طليقاً! كما أن بعض المتمسكين بقشور حرية التعبير ينتظرون سوابق فى الغرب لتعاملهم مع جريمة الختان ليتجاوزوا ترددهم! ولكن هذه الجريمة فى الغرب غير طافية لأنها ليست ظاهرة ملحة لديهم. فكيف يمكن فى مصر أن تُجاز المناداة بختان الفتيات القُصَّر بزعم أنها ممارسة لحرية التعبير؟ كيف يفلت من العقاب من يُحرِّض على اقتراف إيذاء بدنى على طفلة لا تدرك ما يحدث لها ولا آثاره على حياتها وعلى شريكها فى المستقبل؟ وكيف لا تتزايد عقوبة من يشعوذ باستخدام الدين فى الترويج لدعوته وسط البسطاء الذين لا يعرفون الدين ويجهلون أبعاد الجريمة على الطفلة؟ [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب