تقول النكتة القديمة إن كثيراً من المحللين السياسيين يؤكدون بثقة مُفرِطة أن مسار الأحداث الجارية سوف يُسفِر عن كذا، ثم عندما لا يتحقق توقعهم يمكنهم بنفس الجسارة، وبثبات مثير للإعجاب، أن يُقدِّموا تفسيرات تفصيلية عن أسباب عدم التحقق! وأما مع دخولنا عالم الفيس بوك، فقد بدأت مرحلة جديدة أعفى فيها الجيل الصاعد من المحللين أنفسهم من تقديم أى تفسيرات لأخطائهم، وزادوا على ذلك، بسبب غياب المساءلة، استخدامهم للغة عدوانية هابطة جارحة تُسفِّه الرأى الآخر وتنال من الكرامة بالسب والقذف والتخوين..إلخ. ولم تُوضَع فى مصر حتى الآن آليات تحمى الضحايا من هذا التطاول، كما أنه ليس هناك بعد أى ضمانات تضبط الموضوع وتصون الرأى العام من دسّ الأكاذيب والشائعات، التى يقع بعضها بالسهو والخطأ، أو لمجرد إبداء التعالم والخبرة والحكمة، ولكن هناك أيضاً، وفى حالات كثيرة، تخطيط وسوء نية!. يقول الواقع أيضاً إن البعض وجدوا فى منابر التواصل الاجتماعى أداة إنقاذ لهم من التهميش ومن التجاهل، فراحوا يعيشون العالم الافتراضى على طريقتهم المتجاوزة متحصنين بالاختفاء، يتداخلون فى كل أمر ويقطعون بأحكام نهائية ويطعنون فى اجتهاد الآخرين، ويُشكِّكون فى نواياهم ومقاصدهم..إلخ. ليس المخرج من هذه الظاهرة المَرَضيَّة بالمزيد من التقييد على الحريات الأساسية فى العقيدة والفكر والتعبير، ولا بالحبس فى قضايا النشر إلا وفق القواعد التى تتفق مع مواثيق حرية الصحافة عندما يُستخدَم النشر كأداة لاقتراف جرائم أخري، وعندما لا يدرك البعض أن التمتع بالحرية مقترن بالمسئولية. ويمكن الاستفادة من الضوابط التى تُطبَّق فى العالم الديمقراطى على وسائل الإعلام وعلى مواقع الإنترنت، حيث يُساءَل من ينتهكها بعقوبات مختلفة، مع وجوب الانتباه إلى أن القضاء المستقل فى أعتى الديمقراطيات يُخرِج بعض القضايا من حدود النقد المباح. وقد حدث فى الأعوام القليلة الماضية أن صدرت أحكام هناك بالحبس لمن رأت المحكمة أنهم تعمدوا الإساءة بما يُضرّ الصالح العام. وتكفى الإشارة إلى حبس مراهق أمريكى لأنه أشاد فى صفحته على الفيس بوك بداعش، مما رأته المحكمة دعماً لمنظمة إرهابية بما يُوجِب العقاب. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب;