من النتائج الجديدة على التجربة المصرية منذ ثورة يناير، أن برنامج المرشح للرئاسة صار مفيداً له فى حالة فوزه بأكثر مما يفيد الشعب، لأن الشعب يريد ويحتاج ويحلم بالكثير بأكثر مما يستطيع أى رئيس أن يحقق فى أربع سنوات، وهذا يوجب أن يكون برنامج كل مرشح للرئاسة واضحاً فيما يعد الناس بإنجازه، وأيضاً بالجدول الزمنى الذى يحدده لتحقيق الإنجازات التى يعد بها، ويترتب على هذا أن يكون هذا البرنامج، من ناحية، هو العقد الذى يلتزم به الرئيس أمام الجماعة الناخبة ويصبح من حقها مساءلته إذا لم يلتزم أو عجز عن الوفاء، كما يضمن هذا العقد فى ذات الوقت الحماية للمرشح بألا يُساءَل بعد فوزه عما لم يعد به الناخبين فى برنامجه، ما دام أنه يلتزم بالدستور والقانون فى ممارسة واجباته الرئاسية. وهذا يتوافق مع أهم ثمار الثورة التى أرست القاعدة الديمقراطية التى لم يسبق لها أن تجلت فى مصر، وهى أن الشعب هو صاحب الحق الأصيل فى مساءلة الرئيس، وزاد الشعب تفسيراً لهذا الحق بإصراره على ممارسته بشكل مباشر فى حالة ما إذا تقاعست المجالس البرلمانية، أو النيابة العامة، عن القيام بدورها الأساسى فى التعبير عن إرادة الشعب وفى إعمال القانون والعمل على تحقيق كل هذا فى الواقع، وأكد الشعب فى هبّة 30 يونيو وما بعدها قدرته على فرض حقه فى طلب الرئيس أن يتنحى، وإذا عاند فسوف يعزله الشعب قسراً، جزاء على اعفائه لنفسه من الالتزام بما وعد الشعب به فى برنامجه، بل، وأيضاً، لمنحه نفسه صلاحيات غير دستورية وغير قانونية مما لم يصارح الشعب بنيته فى عمله! لهذا يتوقع الكثيرون من الفريق السيسى، الذى هو أقوى مرشح للرئاسة، والذى عبّرت جموع شعبية ونخب سياسية وثقافية كثيرة عن رغبتها فى أن يُرشِّح نفسه، أن يكون برنامجه الانتخابى نموذجاً فى الوضوح والإحاطة وفى التناول العلمى الذى يراعى أهم الضروريات، وأن يعد بالعاجل الممكن المضمون أن يتحقق على الأرض وفق خرائط تلتزم بجداول زمنية، مع الوضع فى الاعتبار الجماهير العريضة التى عانت عبر التاريخ، والتى دفعت الضريبة قبل غيرها، والتى لولا تضحياتها، خاصة الغالى منها فى أرواح ودماء أبنائها، لما كان لهذه الثورة أن تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، بل لكانت صارت مجرد محاولة مجهَضة، مثلها مثل كل الاحتجاجات التى وقعت عبر السنوات الماضية، وكل هذا يوجب أن تجد هذه الجماهير نفسها فى قلب برنامج السيسى: احيتاجاتها اليومية، فى الطعام والشراب والمواصلات والتعليم والصحة والترفيه وغير ذلك، كما تحلم هذه الجماهير أن تتحقق لها الكرامة الإنسانية فى وطنها الذى عانت عبر التاريخ فى الاحساس بالاغتراب على أرضه! لم تجد هذه الجماهير نفسها فى السابق فى برامج المرشحين، وإذا كان لها ذِكر ما، فقد اكتشفت بحسها الفطرى عدم الجدية، وإذا رأت الإخلاص كان يفجعها استحالة التحقيق! لذلك كانت هذه الجماهير ترى الخديعة أو الاستهتار أو الخيال المُحِّلق صعب المنال، فى كل الكلام الخاص بعودة الديمقراطية وباستعادة الحريات والكرامة وبرجوع الأسعار إلى ما سبق، لأن هذه الجماهير لم تر أنه كان هنالك فى السابق ديمقراطية لتعود الآن، وكذلك لم تكن هنالك حرية ولا كرامة، كما أن الأسعار لم تكن قط فى مقدورهم! لم تكن هذه الجماهير فى رغد، من الديمقراطية والحرية والكرامة ورفاهة العيش، حتى يأتى من يداعب أحلامهم بأنه سيسعى لأن يعيدهم إلى ما كانوا عليه. لهذا كانت الثورة، ولهذا ينتظر الناس على شوق أن يروا أنفسهم وفى يدهم ما تنعم به شعوب أخرى ليس لها أفضلية على المصريين. ولهذا يجب أن نرى برامج انتخابية للمرشحين للرئاسة فيها الوعد المخلص الذى يخاطب عقول الناس وأخيلتهم، وفيها التعهد الواضح بما يستطيع المرشح أن يفى به فى أربع سنوات من عمر الوطن يجب أن يتحقق فيها بعض مستهدفات الشعب، ليسير خطوة إلى الأمام بعد طول زمن عمه الركود، ثم أعقبته سنوات نكص فيها للوراء! لقد انتهى زمن كان رئيس مصر ينعم فيه بالهناءة والطمأنينة: استبد فيه من مال إلى السطوة والتسلط وكانت له اليد الطولى دون رادع فى كل ما يعن له، وتدلل فيه من سعى إلى الرفاهية ورخاوة العيش بكل فخامة وأبهة، وحتى مَن كان نهمه فى الكباب والبط كان يجد منه الكثير حتى التخمة! لقد باتت رئاسة مصر عبئاً لا يقدر عليه إلا المتبصرون بحال البلاد وعلى بينة بكل الأحوال، الذين هم أقوياء قادرون على تحمل المسئوليات الجسام، مخلصون تؤرقهم هموم هذا الشعب ويهمهم مستقبل هذا البلد، وقبل كل هذا العارفون أن مصر تغيرت وأن شعبها قرر أن يواجه حكامه إذا فشلوا أو إذا أخلوا بوعودهم! [email protected]