يهب الله سبحانه وتعالى «الأم» قوة وتحملا وصبرا، ليس لذاتها؛ ولكن لأنها مسئولة عمن حولها من أبناء، وكأن التعب كتب على جبينها، ويتضاعف إذا رزقت بابن ذى إعاقة، ويصبح عشرة أضعاف عندما يكون الطفل مصابا بمتلازمة داون، فمن الأمهات من تلجأ إلى الطريق السهل فى التربية، وتقوم بإخفاء ابنها أو ابنتها عن العيون، وتستسلم للصورة النمطية التى تحصر أصحاب متلازمة داون في العجز وقلة الحيلة، غير مدركة عواقب ذلك.. في حين تقبل أم أخرى التحدى الصعب بكل ما أوتيت من جهد وقوة، وتتفانى من أجل أن ترى ابنها لا ينقصه شيء، وتحاول اكتشاف مواهبه واستغلال طاقته، لا ليثبت فقط أنه أفضل من أسوياء كثيرين، ولكن ليعيش كإنسان.. من بين تلك الأمهات، نهلة عبد العزيز، والدة الطفلة إيمان مسعد(14 عاما) التى نجحت وأصبحت بطلة رياضية لترسخ مقولة «وراء كل بطل من ذوى الإعاقة أم عظيمة». فى شتاء عام 2004 اكتشفت إصابة إبنتها بمتلازمة داون، دارت بها الدنيا دورة كاملة، لم تشعر بشىء حولها، فكانت صدمتها كبيرة، واستمرت فى صدمتها عدة أشهر كاملة. تقول الأم: «إيمان أصغر ابنائي، فلدى ثلاثة أبناء أكبر منها، وفى البداية لم نكن نعلم شيئا عن هذه المتلازمة، وهل هى مرض أم عرض؟ ولكننا رضينا بقضاء الله قبل كل شىء، ثم أخذت عهدا علي نفسي أن ابذل قصاري جهدى مهما يكلفني الأمر، وسأقوم بمساعدتها ودعمها بدلا من إخفائها خلف الجدران وإبعادها عن العيون، مثلما تفعل الكثير من الأسر، فرغم أنني كنت أعمل كمخططة برامج للحاسب الآلي بأحد البنوك فإنني قررت الاستقالة كي أتفرغ لها». وأضافت: «بدأت البحث عبر الإنترنت حول كيفية التعامل مع أصحاب متلازمة داون، فمنذ أن كان عمرها 6 أشهر ذهبت بها للعديد من مراكز التأهيل، إلي جانب جلب مدرسات مؤهلات للتعامل معها حتى بلغت 3 سنوات، وعلمت أن هناك إحدي المدارس الشهيرة بها قسم خاص لذوي الإعاقات الذهنية، وتنقسم الدراسة بها لجزءين: الأول، العمل علي تعديل السلوك، والثاني الدراسة الأكاديمية بالحصول علي مناهج خاصة بأطفال التربية الفكرية، وهي الآن في الصف الخامس الابتدائي، لم يقف هدفي عند تعليمها بل كنت أسعي جاهدة لجعلها شخصية اجتماعية ومثقفة حتى أجعل من يتحدث معها يشعر بأنها طبيعية وتتحدث بطلاقة وذلك إلي جانب خفة ظلها، والتي جعلتها تكون العديد من الصداقات مع زملائها إلي جانب اشتراكها في فرقة التمثيل الخاصة بمدرستها ومشاركتها في العروض الفنية التي تقام كل عام». وعن بداية دخولها مجال الرياضة وتحقيق النجاحات المتتالية تقول والدة إيمان، بابتسامة عريضة ونظرات الفخر بابنتها تملأ عينيها، «من البداية كنت أدرك أن ذوي الإعاقة يمتلكون قدرات كبيرة وفريدة، ولكنها تحتاج فقط لمن يجيد توظيفها، فتكون النتائج مذهلة، وهذا ما حدث مع إيمان، حيث بدأت ممارسة الرياضة وهي في عمر السادسة، بأحد الأندية الشهيرة، وكان لديها استعداد كبير، وبالرغم من أنه من المعروف عن أصحاب متلازمة داون العند الشديد إلا أن إيمان كانت سعيدة بالتدريبات، بل كانت تحصل علي أكثر من تدريب في اليوم الواحد والتي تستمر لساعات طويلة، ولكننا توقفنا لفترة نحو 3 سنوات منذ 2011 بسبب أحداث الثورة. ولكنها عادت مرة أخري لممارسة السباحة وكرة السلة لتحقق بهما العديد من النجاحات، حيث حصلت علي الميدالية البرونزية في السباحة في بطولة الجمهورية عام 2016، كما حصلت علي ميداليتين الفضية والبرونزية في السباحة في الأوليمبياد الخاصة عام 2017، وقد شهد العام الحالى قمة تألقها حيث حصلت علي الميدالية الذهبية والفضية والبرونزية فى السباحات المتعددة في الأوليمبياد الخاصة، كما حصلت علي الميدالية الذهبية في السباحة وكرة السلة في بطولة الجمهورية، كما حصلت علي الميدالية الفضية في لعبة «البوتشي» التى تعشقها بالأوليمبياد الخاصة»، ورياضة كرة «البوتشي» هى من أحدث الرياضات التي تم إدخالها في الأوليمبياد الخاص على مستوى الألعاب العالمية، تم ذلك عام 1995، وكرة البوتشي هي رياضة تتطلب المهارة والتفكير والتخطيط، والهدف بالنسبة إلى كل فريق هو أن يتمكن من تحريك أقصى عدد من كراته (بوتشي) إلى نقطة أقرب من كرات الفريق المنافس للكرة الصغرى (بالينا). وتختتم والدة إيمان حوارها قائلة: «أحلامي وطموحاتي مع ابنتي لا حدود لها، فأنا أحلم باليوم الذي تشارك فيه في بطولات دولية وتمثل مصر عالميا وتحقق المزيد من النجاحات، كما أنني أبحث عن مهارات ومواهب جديدة بها، فهم طاقات لا حدود لها».