يقولون فى الأمثال العامية « اللى ايده فى الميه مش زى اللى ايده فى النار»، لن يفهم معنى هذا المثل كل من يقرأ سطور هذا التحقيق، إلا القلة القلية من الأسر التى داخل جدران بيتهم طفل مصاب بمتلازمة داون، أو طفل مصاب بأى نوع من أنواع الإعاقة، فكلمات هؤلاء الأمهات، هى فى حقيقتها «نار» حامية فى قلوبهن وصدورهن، أمهات رزقهن الله بطفل ليس كبقية الأطفال، خاضن معهم رحلة من المعاناة من أجل التعليم والتدريب - وبمناسبة اليوم العالمى لمتلازمة دوان الذى احتفل به العالم أمس- تروين قصصا وتقترحن حلولا حتى لا تعانى أى أم ترزق بطفل مصاب فى المستقبل مثلهن. فى البداية تقول حنان محمد مصطفى والدة الطفلة « هناء « المصابة بمتلازمة داون، كان هناك شىء من الصدمة بعد أن علمت إنها طفلة « داون «، بعد أن انسحب الطبيب بهدوء، ولم يقابلنى ولم يخبرنى بالحالة، وكان لابد من التماسك وأن اتجاوز فترة الصدمة وبالفعل توجهت إلى المركز القومى للبحوث وحدة التدخل المبكر وهناك بدأت معها الجلسات وكان عمرها حوالى 40 يوما، وكان الجميع يتوقعون أن هناء ستكون بحالة جيدة بسبب التدريب فى فترة مبكرة، وبالفعل التزمت بمواعيد الجلسات وكان ضروريا أن أكمل تدريبها فى البيت، وبعدها بدأت فى جلسات تخاطب فى «معهد السمع والكلام» وعندما بلغت سن الرابعة نصحتنى إحدى العاملات فى المعهد –بالتوجه إلى مركز سيتى للتدريب والدراسات المتخصص فى الإعاقة، وبالفعل ذهبت إليه، وحصلت هناك على تدريب واهتمام كبير، والتدريب لم يقتصر على ابنتى فقط، بل كان لى أنا أيضا تدريب خاص فى كيفية التعامل معها، وكانت فترة فارقة مع الأسرة كلها، وأدخلت هناء مدرسة، ولأننى تعلمت وتدربت كثيراً كنت اساعدها فى المنزل بالرغم من صعوبة توصيل المعلومة لها فى المدرسة استطعت تعليمها فى المنزل، وكان ضروريا أن ابحث لها عن شىء آخر بجانب الدراسة، فكانت الرياضة، ولكن صدمت بأن التدريب فى الأندية لأعضائها فقط، وبعد بحث وتعب وافقت إدارة إحدى الأندية على تدريبها، وبدأنا مشوار التدريب فى النادى وحققت هناء العديد والعديد من البطولات فى رياضة السباحة، فهى بطلة للجمهورية فى أكثر من عام وحاصلة على المركز الأول فى السباحة 100 متر كرول و100 متر باك، كما شاركت ضمن منتخب مصر فى البطولة العربية التى أقيمت فى مصر وحققت المركز الثانى، وحصلت على الميدالية الفضية وشاركت هناء أيضا فى فريق السلة بأحد الأندية وحصلت على المركز الأول فى بطولة الجمهورية. وتنصح حنان كل أم لديها طفل مصاب بالداون الاهتمام به وبذل كل جهد فى تعليمه أنشطة رياضية مبكراً لأنه أمر مهم بجانب الأنشطة الموسيقية والفنية التى تسهم فى صقل مواهبهم ومهاراتهم، ولا يتكفى بالجانب فقط بل تهتم بالاثنين معاً. وتتساءل حنان، لماذا لا تقوم الدولة بزيادة إنشاء المراكز المتخصصة للتعامل مع الأطفال المصابين بمتلازمة داون؟ ولماذا لا توفر الدولة أماكن تدريب رياضية وفنية - حتى فى مراكز الشباب- لأبنائنا المصابين؟ فئة مهمشة إيمان طلعت تقول: ابنى مينا شاب عمره 16 عاما (مصاب بمتلازمة داون) جاء للحياة بعد 9 سنوات من ولادة شقيقته الكبرى، وصدمت عندما أخبرونى أنه به اعاقة «متلازمة داون»، ولكنى أخذت قرارا بتحدى إعاقة ابنى وأن أعامله متل شقيقته، وعنما اصبح عمره 3سنوات خرجت من قوقعتى فقد كنت خجولة، ولكن مينا ساعدنى أن أدخل عالما جديدا وبدأت رحلة البحث عن الاماكن التى يمكن أن تساعدني، فنصحنى من لهم تجارب سابقة مثل حالة ابنى بالذهاب إلى مركز سيتي، وبالفعل اشتركت فى دورة تدريبية وتعلمت كيف انمى مهاراته وابسط المعلومات له واصنع أدوات منخفضة التكاليف تساعده فى التعرف على الأشياء، وشعرت بنجاحى كأم، فكلما علمته شيئا جديدا اشعر بنجاحى أكثر، وبجانب التدريب والدراسة بدأت مسيرتنا الرياضية واشتركت فى أحد مراكز الشباب، ولكنهم رفضوا تدريب ابني، وبحثنا كثيرا حتى وجدنا ناديا يدرب ذوى الإعاقة، وبدأت فى تدريبه السباحة وألعاب القوى وقد اشترك فى كثير من البطولات مثل بطولة الجمهورية وحصل على الكثير من الميداليات الذهبية والفضية. وتضيف: حزينة لان الدولة تتعامل مع أبنائنا على أنهم فئة مهمشة، وأتمنى زيادة الاهتمام بالأطفال المصابين بمتلازمة داون، حتى لا تكون صدمة الأسرة التى لديها طفل مصاب كبيرة. شاب مستقل بذاته وتقول علياء محمد محمود - أم لطفل مصاب بالداون - ابنى «غفران» يبلغ من العمر حاليا 16 عاماً، بدأت معه ثلاثة شهور من خلال وحدة التدخل المبكر بمركز «كاريتاس مصر» وبعد ذلك الحقته بوحدة التمكين الأسرى وهو عمره 3 سنوات ثم حضانة دمج لمدة عام ثم مدرسة لذوى الإعاقة، وتعلمت كيف أتعامل معه بشكل طبيعى مثل باقى الأبناء، إذا فعل شيئا خطأ يعاقب عليه، والصواب يكافأ عليه، كل ذلك تعلمته من خلال محاضرات للتوعية وحضور معسكرات ورحلات للأسرة بأكملها مما ساهم فى تقبل باقى أبنائى لشقيقهم، وأصبحوا مجموعة مساندة له، ولذلك أصبح «غفران» اليوم شابا مستقل بذاته يحصل على بطولات وميداليات فى السباحة، يحبه الجميع، ويحب أن يكون متواجدا فى المجتمع ولا يشعر أن لديه إعاقة لأنه أصبح يشعر بالنجاح مثل الآخرين . وأنصح كل أم لديها طفل من ذوى الإعاقة، الاهتمام به منذ البداية والتعامل معه على أنه طفل غير معاق وأن تهتم به من الناحية الدراسية ثم الرياضية، لأن الرياضة مهمة وخاصة بالنسبة للمصابين بمتلازمة داون. وفى نهاية حديثها تقول: ما زال هناك قصور فى دور للدولة تجاه الأطفال المصابين بمتلازمة داون وأسرهم، وهذا يتضح من قلة المراكز التى تهتم بالطفل والأسرة الناحية التعليمية والنفسية. قلة المؤسسات الحكومية يقول الدكتور عبد الحليم محمد – خبير فى مجال الإعاقة - فى عام 1862 وصف الطبيب البريطانى جون لانجدون داون «John Langdon Down» مجموعة من الأطفال لديهم خلل فى الكرموزمات المصحوب بإعاقة ذهنية وأطلق عليهم إسم متلازمة داون ، وأطفال هذه المتلازمة يتميزون ببعض المظاهر الجسدية كالأذن الصغيرة واللسان البارز وقصر القامة وصغر اليدين والأصابع وليونة المفاصل والعضلات وضيق العينين. ويضيف: أطفال متلازمة داون لديهم قصور عقلى يتراوح من متوسط حتى بسيط لذلك قد يتأخر النمو الحركى لديهم فيتأخر الحبو والمشى لديهم، كما يتأخر أيضا نمو اللغة لديهم فتجدهم يتكلمون فى سن متأخرة عن أقرانهم كما تجد لديهم عدم وضوح أحياناً فى الكلام ، ويتأخر لديهم النمو المعرفى فيكتسبون المعلومات والمعارف فى سن متأخرة مقارنةً بأقرانهم ، ورغم كل ذلك فهم يستطيعون التعلم، رغم هذا القصور فهم يتمتعون بسرعة الاستجابة وعاطفيون ويحبون الناس ويُقبلون عليهم وعلى الحياة ويحبون مساعدة الآخرين ويتمسكون بفرص التعليم وينجحون فيها شريطة أن تتوافق مع قدراتهم وبأسلوب وأدوات تناسب قدراتهم . وبالرغم من أن أطفال تلك الفئة يتمتعون بفرص جيدة للعلاج والتعليم والحياة بشكل عام فى أغلب دول العالم إلا أن بعض الدراسات والأبحاث أشارت إلى وجود عوامل معوقة لهؤلاء الأطفال وأسرهم فى مصر، فبالرغم من اعتراف الدولة المصرية وإقرارها بأحقية هؤلاء الأطفال فى العلاج والتعليم إلا أنها لم توفر لهم الأماكن التى يمكنها أن تحقق لهم ذلك، فعلى سبيل المثال لا يوجد إلا عدد قليل من المؤسسات الرسمية أو الحكومية التى تقوم بعلاج أو تدريب أو تعليم هؤلاء الأطفال حيث تتلخص هذه الأماكن فيما يُسمى بمدارس التربية الفكرية وجمعيات التنمية الفكرية (التى تتعامل مع العديد من حالات الإعاقة وليس حالات الداون فقط) ورغم وجود الكثير من علامات الاستفهام حول جدوى ما تقدمه تلك المدارس والجمعيات من خدمات حقيقية لهؤلاء الأطفال وأسرهم إلا أنهما لا يستوعبان إلا نسبة ضئيلة من أطفال متلازمة داون فى مصر. ويوضح: يقع العبء الأكبر على الجمعيات الأهلية والمراكز الخاصة فى تدريب وتعليم هؤلاء الأطفال وهذان النوعان من مراكز الخدمة يقدمان خدماتهما لأطفال متلازمة داون وأسرهم مقابل رسوم شهرية أو سنوية قد لا يستطيع أغلب أسر هؤلاء الأطفال تحملها حيث تصل الرسوم المقررة على الطفل فى بعض المراكز الخاصة من 4 آلاف جنيه إلى 7 آلاف جنيه شهرياً فى حين تصل رسوم بعض الجمعيات الأهلية من 500 جنيه حتى 2600 جنيه شهرياً وهى مبالغ فى الغالب لا يستطيع الكثير من أسر أطفال متلازمة داون تحملها، خاصة إذا علمنا أن أغلب هؤلاء الأطفال يولدون ولديهم العديد من المشكلات الصحية المرتبطة بالقلب والجهاز التنفسى والجهاز الهضمى الأمر الذى يتطلب إنفاق الكثير من الأموال لعلاج هذه المشكلات الصحية. كيف نساعد أطفال متلازمة داون وأسرهم؟ يلخص الدكتور عبدالحليم الإجابة عن هذا السؤال فى عدة بنود يمكن من خلالها مساعدة أطفال متلازمة داون وأسرهم، البند الأول: تغيير نظرة أفراد المجتمع تجاه أطفال متلازمة داون والنظر إليهم والتعامل معهم بموضوعية وليس النظر إليهم باعتبار أنهم بركة أو أنهم خطر وتقع هذه النقطة على كاهل الإعلام من خلال بس معلومات علمية صحيحة حول هؤلاء الأطفال وإظهارهم بصورة موضوعية فى الأفلام أوالبرامج التى تتناول قضاياهم، والثانى: توفير فرص الرعاية الطبية المحترمة لهؤلاء الأطفال منذ الميلاد على نفقة الدولة وعدم تحميل الأسر أعباء علاجية كثيرة لأطفالهم، والثالث: ضرورة اهتمام الدولة بإنشاء مراكز للكشف والتدخل المبكر فى كافة محافظات مصر للحد من الآثار النفسية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية المترتبة على هذه الإعاقة، والبند الرابع: توفير مراكز تعليمية ومدارس لتعليم هؤلاء الأطفال وفق مناهج خاصة بهم تُراعى احتياجاتهم وقدراتهم وتأهيل مدرسين قادرين على التعامل مع هؤلاء الأطفال وفق معايير إنسانية وعلمية سليمة، والخامس: دمج أطفال متلازمة داون فى التعليم وفى المجتمع بشكل عام دمجاً حقيقياً وليس دمجاً اسميا أو شكلياً فقط كما هو حادث الآن، والسادس: توفير فرص عمل مناسبة للشباب والبالغين من ذوى متلازمة داون الذين يستطيعون العمل والتكسب إما فى ورش ومصانع محمية أو ورش ومصانع ومؤسسات عادية، والبند السابع والأخير: سن القوانين والتشريعات التى تضمن لهؤلاء الأطفال وذويهم حقوقهم وتحميهم من الاستغلال المؤسسى أو الفردي، الرسمى أو الخاص، والإشراف على تنفيذ هذه القوانين والتشريعات فعلياً.