التحديات التى يواجهها العالم العربى متعددة من أهمها الصراع القائم والمتوقع أن تتزايد حول المياه ومصادرها نشير إلى بعضها بإيجاز. أولاً: نهر الأردن: نهر صغير يشكل الحدود بين فلسطينوالأردن، ويمتد على طول 360 كلم ينبع من الحاصبانى فى لبنان واللدان وبانياس فى سوريا. يخترق سهل الحولة ليصب فى بحيرة طبرية ثم يجتاز الغور، وتنضم إليه روافد اليرموك والزرقاء وجالود ويصب فى البحر الميت. يبلغ إيراده السنوى 1.3 مليار م3 سنويا وهو أكثر أنهار المنطقة إثارة للجدل والنزاع تحتاج لمياهه الدول المشاركة فيه كالأردنوسورياوفلسطينولبنان وإسرائيل. وكلها تعانى من نقص المياه. بلغ العجز المائى فى الأردن 20% من اجمالى احتياجاته المائية. سوريا تعانى عجزا مائيا بنحو مليار م3 يزداد بسبب المأساة الإنسانية التى تعيشها سوريا اليوم. يعود اهتمام الصهيونية بمياه هذه المنطقة إلى ما قبل إنشاء الدولة العبرية. أقاموا مجموعة من المشاريع المائية منها تجفيف بحيرة الحولة عام 1934، ومشروع روتنبرغ لاستخدام مياه نهرى الأردن واليرموك عام 1927، ومشروع يونيديدس عام 1938 لدراسة المياه فى فلسطين، ومشروع لادور ميلك عام 1944 لدراسة الموارد المائية فى فلسطين وإمكانية استخدامها، ومشروع هيزر عام 1946 وبعد عام 1948 أعدت دراسات ومشاريع لاقتسام وتنظيم استخدام نهر الأردن وحوضه، أهمها مشروع جونسون عام 1955 وقامت إسرائيل بنقل جزء كبير من مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب. مسألة المياه بين هذه الدول أمرأمنى ووطنى وأى نقص للمياه بينها سيجعل النزاع دوليا معقدا وخطيرا. ثانيا:ً النيل وسد النهضة: المخططات المعادية للأمن المصرى بدأت منذ سنوات متعددة. هناك مخطط قديم يقضى بمحاولة تحويل مجرى النيل فى إثيوبيا، قام المكتب الأمريكى لاستصلاح الأراضى بالدراسات الخاصة به لم ينفذ، ولكنه يبقى أداة للضغط على مصر. وهناك مشروع بتحويل مصادر المياه فى تلك المنطقة لتصب فى منطقة البحيرات العظمي. إثيوبيا التى يأتى منها 85% من مياه النيل المستخدمة فى مصر ليست فى حاجة لمياه النيل أصلا، لأن مواردها المائية أعلى كثيرا من احتياجاتها، ولكن هناك قوى عالمية وإقليمية تسعى لحرمان مصر من حصة كبيرة من المياه بنسبة 20% سنويا أى 7 مليارات م3. بينما تسعى مصر لزيادة حصتها. سد النهضة ظهر منذ عشر سنوات وبدأ التفاوض على أوضاعه وارتفاعه وكمية المياه المخزونة، ثم سنة 2011 استغلت اثيوبيا الظروف المضطربة التى تمر بها مصر وقررت الارتفاع بالسد إلى 145مترا وتخزين مياه أكثر وليس على 7 سنوات إنما على 3 4 سنوات فقط. حسما للموقف تشكلت سنة 2013 لجنة فنية من خبراء دوليين من مصر وإثيوبيا والسودان وعقد اتفاق سنة 2015 لإعلان مبادئ سد النهضة بارتفاع أقل، واتساع أقل للتخزين. الغريب فى ذلك الأمر ما تثبته الدراسات عن خطورة هذا السد وتعرضه للانهيار الذى قد يؤدى إلى غرق السودان. تعاقبت الأحداث وظهر بوضوح تدخل دول محور الشر فى هذه القضية وتبين أيضا فساد المكتب القائم على التنفيذ مما جعل رئيس وزراء إثيوبيا يعلن وقف تنفيذ السد، والملف مازال مفتوحاً يمثل واحدة من أسوأ المحاولات انتهاكا للأعراف الدولية المستقرة منذ 300 عام والتى تنظم العلاقات بين من يشاركون فى الأنهار ويمنع قيام مشروع يضر بالآخرين. سنة 1997 قدمت الأممالمتحدة مشروعا لتنظيم المشاركة فى مياه الأنهار صدر وأصبح ملزماً. طبقا لهذا المشروع المياه ملك من هى على أرضه يستفيد منها بشرط عدم الإضرار بدولة أخري، وضرورة إخطار مسبق لكل مشروع وموافقة هذه الدول الأخري. أسلوب مصر وقيادتها فى مواجهة هذه القضية محترم لا يفرط فى حقوق مصر وشعبها، وفى نفس الوقت يحمى حقوق الشعوب الإفريقية وهذا دور مصر الوطنى والإفريقي. ثالثاً: المياه من أهم العوامل التى نشأت بسببها الحروب بين العرب وإسرائيل، فالعمليات العسكرية الإسرائيلية على الحدود السورية - اللبنانية عامى 1964 و1965 كانت بسبب الأطماع الإسرائيلية فى مياه نهر الأردن ونهر بانياس ونهر اليرموك ونهر الحاصباني، كما كان تحويل مجرى نهر الأردن أحد أسباب حرب 1967، وعام 1982 شنت إسرائيل حملة عسكرية على لبنان من أهدافها أطماع إسرائيل فى نهر الليطاني، وكذلك الحصول على حصة من مياه نهر النيل عن طريق قناة الإسماعيلية باتجاه النقب وساحل إسرائيل. وهى تسعى لاختراق دول افريقيا للسيطرة على نهر النيل. عام 1921 صرح بلسان هوارس بأن مستقبل فلسطين بأكمله هو بين أيدى الدولة التى تبسط سيطرتها على الليطانى واليرموك ومنابع الأردن.وتسعى إسرائيل للحصول على 8 مليارات م3 من المياه سنويا من النيل. رابعاً: موقف تركيا لا يقل سوءا عن موقف إسرائيل, حيث ترفض تركيا اعتبار نهرى دجلة والفرات نهرين دوليين وتعتبرهما نهرين تركيين. وتقيم تركيا مشروعات كبيرة فى جنوب شرق الأناضول سوف تقلص حصة العراقوسوريا من نهر الفرات من 30 مليار م3، سنويا إلى 11 مليار م3 مما سيلحق ضررا كبيرا بهما وقد يودى إلى توترات سياسية وأمنية. وهناك مشروع المياه التركى الإسرائيلى الذى أشار اليه تورجوت أوزال سنة 1991 بقوله المشهور:« مثلما حقق العرب الثراء من بيع البترول للعالم تركيا سوف تحققه من بيع المياه» وهناك دراسة وافية عن هذا المشروع بقلم سعد عبد المجيد. وهناك رأى بأن الصهيونيين أصحاب الاقتراح مثلما قام هرتزل بعرض فكرة إقامة وطن قومى ليهود العالم فى فلسطين. هذه الحقائق الصارخة تتكلم وتدعو العرب إلى التجاوز عن الخلافات والصغائر والتنافس والخصام والاهتمام بالأمور الجوهرية مثل قضية المياه، وعقد قمة عربية حول الأوضاع المائية لمواجهة هذه المخاطر والتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات والحكم الرشيد. لمزيد من مقالات د. ليلى تكلا