نعم الفن متعة وترفيه.. لكن ليس معني المتعة والترفيه أبدا أن يكون الفن مرادفا للابتذال والسطحية وقلة الأدب بلالانحطاط الأخلاقي بدعوي التعبير عن الواقع وأن الفن هو مرآة المجتمع. تلك تبريرات ساذجة ومسمومة لأناس يهبطون بالمجتمع إلي الهاوية عامدين متعمدين أو كما يقولون مع سبق الإصرار والترصد. بئس هذه الواقعية الجديدة التي ما عرفناها أبدا بمثل ما عرفناها من دراما أو مسلسلات رمضان هذا العام.. لعنة الله علي الواقعية اذا كانت بهذا الشكل. الفن متعة وترفيه.. لكن قبل ذلك اعلاما وتثقيفا ودعوة للسمو بأخلاق الناس والمجتمع وإرشادهم إلي الخير والتقدم والأخلاق الرفيعة والتسامح والصدق والأمانة والعمل والعلم ونصر المظلومين والدفاع عن الشرفاء لا نصرة الظالمين والكذابين والأفاقين والنصابين. الفن هو كل هذه القيم الرفيعة وغيرها وما غير ذلك هو اسفاف وابتذال ودعوة إلي تخلف المجتمع والسير في الباطل والضلال. يا لطيف يارب.. ما هذا الانحلال الأخلاقي الذي رأيناه في دراما رمضان هذا العام. ما هذه الالفاظ التي ينطق بها نجوم كبار ملء السمع والبصر يتخذهم الشباب قدوة.. الشتيمة بالأب والأم عيني عينك وبأقذر الالفاظ التي يعف قلمي عن كتابتها علي صفحات الاهرام.. كيف طاوعت الاقلام مؤلفي هذه الدراما ليكتبوها.. وكيف طاوعت قلوب وضمائرهم الفنانين ألسنتهم لينطقوا بها ولتدخل كل البيوت المصرية والعربية. معظم المسلسلات أو محددا لا بأس به منها انزلق إلي هذا المنزلق الخطير.. لقد صرنا أضحوكة أو أعجوبة بين كثير من أبناء الدول العربية أو كل الناطقين بالعربية. صحيح أن هناك نجوما كبار وأعمالا تستحق الاحترام.. لكن الغث يطغي علي السمين.. وصوت الباطل أعلي من صوت الحق في أغلب الأحيان أو إلي أن يقضي الله أمرا. أتعجب كثيرا وأخجل من نفسي ومن كل قناة تذيع مثل هذا الانحطاط الأخلاقي. أجلس وسط أسرتي والخجل يعلو وجهي وأنا أتابع مثل هذه المسلسلات.. أريد أن أطمئن علي ما يشاهده بناتي. للأسف أكاد أتواري منهم خجلا.. وأنا الذي أحدثهم كل دقيقة عن الاخلاق وعن ضرورة البعد عن مثل هذه الالفاظ التي تحاصرهم ليل نهار. في نفس اللحظة يتبادر إلي ذهني صورة مثل هؤلاء الفنانين وهم ينطقون بمثل هذه الالفاظ اذا شاءت ظروفهم وكانوا جالسين مع أطفالهم وأبنائهم.. ألا يتوارون خجلا منهم.. أم أن حمرة الخجل اختفت من علي وجوههم ولم تعرف لهم طريق؟ أين الضمير.. أين المسئولية الاخلاقية تجاه المجتمع وبناء الأجيال الجديدة. ما هذا التمادي في أحد المسلسلات التي قامت ببطولتها نجمة شهيرة في توضيح طريقة إدمان الشباب وضرب الحقن والمخدرات.. هل المقصود تعليم الشباب.. أم ابعادهم؟ الأمر المؤكد أن التفكير السطحي هو تحذير الشباب.. لكن.. لا وألف لا ان هذا دعوة لتعلم الادمان وليس الخلاص من الادمان.. هناك الف واقعة للتعبير الفني ذلك.. إن ذلك فقر مخرجين.. أو فقر في الاخراج وفي الرؤية الفنية.. لعنة الله علي الواقعية اذا كانت بهذا الشكل.. تذكروا معي رائد الواقعية الفنية والسينمائية في مصر المخرج الكبير صلاح أبوسيف وغيره تذكروا.. الواقعية كما يجب أن تكون اداة لرقي المجتمع وعلاج عيوبه.. أما واقعية هذه الأيام بدعوي أن هذه نماذج في المجتمع والفن أو الاعلام يعرضها كمرأة للمجتمع.. فهذا هراء.. ولا يجب أن يحدث في مجتمع نصفه من الأميين والجاهلين والشباب العاطلين.. وإذا كان ذلك جائزا في السينما أحيانا رغم انني لا أفضله.. فلا أظن أنه يصلح للدراما الرمضانية أبدا. أكثر من ذلك أظهرت الدراما الرمضانية كل نماذج المجتمع أؤ أصحاب المراكز الرفيعة والمهن الرفيعة أنهم إما نصابون أو مجرمون.. لا مكان أبدا للنماذج الجيدة صاحبة الأخلاق إلا فيما ندر.. الكل نصاب حتي الحاصلين علي أعلي الدرجات العلمية.. حتي المثقفين الذين من المفروض أن يفوزوا المجتمع إلي الفضيلة.. كله لا خلاق له. حتي المرأة ظهرت في عدد من المسلسلات أنها الشيطان الأكبر.. تقتل وتنصب وتحبك المؤامرات.. ضاعت المرأة التي تربي.. المرأة الفاضلة.. ضاعت المرأة بين أقدام الرجال في مشاهد العري والكباريهات والرقص والقتل والسرقة والنصب.. المرأة التي تدافع عنها لتأخذ حقها وتتساوي بالرجل.. وأسوأ علي أخلاقها بالاقدام في دراما رمضان.. قدموا كل النماذج السيفة في أوقات الذروة من المشاهدة. تذكرت كل ذلك وأنا أتابع بعض مسلسلات رمضان.. لكن في الوقت نفسه تذكرت مقالا كتبته علي هذه الصفحة في12 أبريل الماضي؟ عن الدراما التركية وكيف أحدثت هذه الدراما اعجابا في العالم كله خاصة العالم العربي ومصر تحديدا. هذه الدراما التركية ذات القصص الرومانسية مثل نور والعشق الممنوع وفاطمة وحريم السلطان أحدثت زلزالا في البيوت المصرية.. الكل يتابعها الكل معجب برقي اللغة والحوار والالفاظ والديكور والاضاءة.. والإخراج والتصوير المبهم في الأماكن السياحية. قلت في المقال الذي أشرت اليه إن هذه الدراما التركية نجحت في وضع تركيا علي خريطة السياحة العالمية والطوابير مجندة أمام شركات السياحة والطيران ترغب في مشاهيره تركيا وأسطنبول تحديدا التي نجحت الدراما في تصويرها بهذا الجمال. أكثر من ذلك وما أريده اليوم هذا الرقي كما قلت فن اللغة والحوار.. فإذا كنت قد قلت إن الدراما التركية قد نجحت في وضع تركيا علي الخريطة السياحية فإنني أزيد اليوم وأقول إنها أيضا اضافة كبيرة في دفع تركيا للتقدم وإلي الرقي في التعامل بين الناس حتي لو كانت هناك نماذج سيئة وظهرت في بعض هذه المسلسلات.. لكن الأغلب أو الأهم هو أن المحصلة ايجابية تسهم في السمو بالأخلاق وفي تقدم المجتمع. أما الدراما الرمضانية المصرية التي شاهدناها هذا العام فهي للأسف تهوي بأخلاق المصريين ومعظمها يدور في الفرز وفي الغرف المغلقة وعلي أسرة النوم وفي الكباريهات حتي في شهر رمضان الكريم.. ونسي المؤلفون والمخرجين والفنانون أن في مصر أماكن أجمل وأماكن سياحية كان يمكن أن يكون التصوير فيها مفيدا للوطن كله.. يسهم في تسويقه سياحيا ودفع اقتصاده للأمام كما فعلت الدراما التركية.. لكن للأسف تركت الدراما المصرية ذلك كله وانشغلت بقضايا وألفاظ الاسفاف والابتذال وقلة الادب والانحطاط الاخلاقي وكأنها كانت مباراة في قلة الادب بين نجوم المسلسلات.. من يشتم أكثر؟ من يستخدم الالفاظ الاكثر قبحا؟. من يمتلك الجرأة ليستخدم الالفاظ والاشارات والأيحاءات الجنسية أكثر من غيره ولا عزاء للأخلاق أو للاسرة المصرية مرة أخيرة أين حمرة الخجل علي وجوه الفنانين المصريين مما قدموه في دراما رمضان هذا العام؟! رغم اعتراض بأن هناك نجوما كبار لم ينزلقوا إلي هذا المستوي المتدني.. فلهم كل الاحترام.. أما الآخرين فلا نملك إلا أن تقول لهم.. لعنة الله علي الواقعية التي تتشدقون بها.. فاحتفظوا بها لأنفسكم وفي بيوتكم!! ولله الامر من قبل ومن بعد.. [email protected]