أنا سيدة فى الخامسة والعشرين من عمرى، أنتمى إلى أسرة بسيطة بإحدى محافظات الصعيد، ويعمل أبى فى هيئة حكومية، وأمى ربة بيت، وتزوجت شقيقاتى، ويعشن حياة مستقرة مع أزواجهن، كما تزوج شقيقى فى منزل العائلة، وأنا حاصلة على دبلوم متوسط، وقبل أن أبلغ سن الثامنة عشرة تقدم لخطبتى شباب كثيرون، ومنهم ابن عمى، وابن عمتى، ولم يكن لى رأى فيمن سأتزوجه، وفقا لعاداتنا وتقاليدنا، لكنى كنت متخوفة من فارق السن بينى وابن عمتى، حيث أنه يكبرنى بثلاثة عشر عاما، ويعمل بشركة معروفة فى محافظة بعيدة عن محافظتنا، بواقع أسبوع عمل، وآخر إجازة،، وقد فشل فى خطبتين سابقتين، بعد أن اكتشف أن إحداهما تحب أحد أشقائه، والأخرى لم يكن على وفاق معها، وأخذت منه الشبكة لأنه هو الذى فسخ الخطبة، ولم تكن كل هذه العوامل فى مصلحته خوفا من أكون مجرد تجربة جديدة له، وكانت كفة ابن عمى هى الأرجح بالمعايير التى يتبعونها عندنا فى اختيار شريك الحياة، لكن ابن عمتى «راهن» الجميع على أنه سيتزوجنى، وأننى لن أكون لأحد غيره، وتحقق له ما أراد إذ وافق عليه أبى، وتزوجته، وأنجبت منه بنتين، ثم اكتشفت أنه بلا شخصية، بل ويصفه الآخرون ب «الأهبل»، ولا يدور بيننا أى حوار، وكلما سألته عن راتبه، يردّ علىّ: «وما شأنك به، لك أن تأكلى وتشربى فقط». وتحمّلت هذا الوضع لأن أمه، وهى عمتى، كانت تقف فى صفى، وتؤيدنى، ولا تعجبها أحواله وتصرفاته، وما إن رحلت عن الحياة حتى كشف عن وجهه الحقيقى، وسببّ لى متاعب كبيرة، ثم مرض شقيقه الأكبر، واشتدّ عليه المرض، وخضع لجلسات علاج مكثفة، وتكفلّ هو بعلاجه، لكن المصاريف كانت كثيرة، فأخذ ذهب زوجة أخيه، وباعه ليسدد ثمن العلاج، وكتب على نفسه «إيصال أمانة» لكى يرده إليها عندما تتحسن أحواله المادية، ولا أدرى كيف فعل ذلك، إذ على الزوجة أن تساند زوجها فى محنته بكل ما تملك، لكنّ هذا ما حدث، وأنا أضرب كفا بكف من صنيعه الذى احتار الكثيرون فى تفسيره، وظل مرافقا شقيقه إلى أن رحل عن الحياة، وتصورت وقتها أن زوجى سيراعى الوضع الجديد، فإذا به يزداد ارتباطا بأرملة أخيه، ويقضى معظم الوقت معها هى وأولادها، وزاد الوضع سوءا ما ترامى إلى مسامعى بأنه يحبها هو وشقيقه الأصغر، فهى من محافظة ساحلية، ولديها أسلوب ناعم فى الكلام، وتستطيع أن تجذب من يتحدث معها بعباراتها المعسولة، ولمّا فاتحته فى أمرها، قال لى إنه سوف يتزوجها، فسألته: وماذا يعجبك فيها، قال: «روحها الحلوة»!، ولم أتوقف عند ما قاله إذ أننى متأكدة من أنها لن توافق عليه، لا هو ولا شقيقه الأصغر، ولكن ما يحز فى نفسى أنه لا يلقى بالا لمشاعرى كزوجة، وإذا كان يفعل ذلك معى، وهو الذى خاض مشوارا طويلا لكى يتزوجنى، ويكسب «رهانه» مع ابن عمى، فما الذى جعله يأخذ هذا الموقف العجيب منى؟..ألست زوجته، ومن حقى عليه أن أعرف كل كبيرة وصغيرة فى حياته؟.. ألسنا نعيش معا منذ سبع سنوات على «الحلوة» و»المرة» كما يقولون؟! ولم تتوقف ممارساته عند هذا الحد، فلقد حدث ما لم يكن فى الحسبان، إذ سجل نصيبه فى البيت باسم أرملة أخيه، وأعطته إيصالات الأمانة التى كانت قد أخذتها عليه بثمن ذهبها الذى صرفه على علاج شقيقه الراحل، أى أنه خرج من الميراث خالى الوفاض، وصنع هذا الصنيع دون أن يكون لنا مكان نلجأ إليه، فكل ما يملكه بعيدا عن الميراث، بيت صغير لم يكتمل بناؤه، ويحتاج إلى «تشطيبات» مكلفة، ومازلنا نعيش فى بيت العائلة، ولكن سوف نتركه إن آجلا أو عاجلا، بمعنى أننا نقطن به تحت رحمة أرملة أخيه التى قطعت صلتى بها تماما، ولا يكتفى زوجى بكل ذلك، بل إنه يأخذ منى ما أدخره من مال، حيث أننى تعلمت «الحياكة»، واشتريت ماكينة خياطة، وأؤدى عملى داخل المنزل، وإذا ناقشته فى أى أمر يخصنا ينهال علىّ ضربا وركلا، فأهرب إلى بيت أبى، وهناك أسمع ما لا يرضينى، ويقول لى أبى: إذا أردت أن تظلى هنا، فالتزمى الصمت، وإذا اخترت البقاء مع زوجك، فلا بديل أمامك سوى الصمت أيضا.. إننى الآن فى بيت أبى، ولا حل أمامى، فكيف أتصرف؟، إن مبتغاى هو أن أحيا مع ابنتىّ فى هدوء، ولا حب ولا غيره، لكن هذا الهدوء أمل بعيد المنال مع زوج أنانى معدوم الشخصية، وأب لا يبالى بآلام ابنته، وها أنا أعيش بين شقى رحى، فماذا أفعل؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: لكل إنسان طباعه وطريقته فى الحياة، فلقد عشت فى بيت أسرتك، ونشأت فى أوضاع تختلف عن وضع زوجك برغم درجة القرابة بينكما، وبالطبع لك أفكارك، وله أفكاره وتصرفاته وطريقته فى الحياة، ثم اجتمعتما تحت سقف واحد، ومن الطبيعى أن تكون هناك بعض الخلافات أيا كان نوعها، ولذلك لابد من وجود قدر من التنازلات حتى تواصل سفينة الحياة رحلتها بكما فى أمان، فلقد دخل «أبو الدرداء» على عروسه، وكان أول ما واجهها به بعد السلام والكلام والملاطفة أنه قال لها: «إن أغضبتك رضَّيتك، وإن أغضبتنى رضَّيتنى، وإلا فلن نتعايش»، وهذه حكمة عظيمة، لأن الحياة الزوجية، عطاء وتضحية، وتحتاج إلى صبر وتحمل، وتتطلب أن يطاوع كل من الزوجين الآخر، ويصبر عليه ويعامله باللين والإحسان والرفق والكلمة الطيبة، ومن ثمّ يصلان معا إلى ما يبغيان من الخير، فاجعلا هذه الحكمة قاعدة تسيران عليها فى حياتكما، بأن تراعيا بعضكما، وأن يسعى كل منكما إلى تلطيف الأوضاع، فالكلام اللطيف يؤدى إلى ما هو أعمق من مجرد الوفاق.. إنه عمق الحب وشدة المودة، وحينئذ سوف تشعران بأن كليكما ينصف الآخر، ويحرص عليه، ويتنازل له التنازل الذى يزيده مودة ومحبة، وإذا فعلتما ذلك فسوف يقودكما إلى قاعدة أخرى عظيمة، هى طاعة الله عز وجل، فتعلمين أنه زوجك الذى لابد له من الاحترام، والتقدير، والطاعة بالمعروف، والذى أوجب الله طاعته بالمعروف فى قوله تعالى: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» [النساء:34]. فهذا من عظيم الحق الذى ينبغى أن تعرفه الزوجة لزوجها، وفى المقابل لابد للزوج أن يعرف أن إكرامه زوجته وإحسانه إليها من أعظم القربات عند الله، بل إن هذا مما أمر به سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز، فقال «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء19)، وقال: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»[البقرة:228]، وقال رسول الله: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم»، فمن مقتضى الإيمان أن يحسن الزوج إلى زوجته، وبهذا المنهج القويم تتحقق الألفة بينكما، وتندر أسباب الخلاف لأنكما حينئذ تقيمان طاعة الله، وتجعلان الحكم فى كل مشكلة بينكما، هو حكمه عز وجل. من هذا المنطلق أرجو أن تتعاملا برفق، فإن أخطأ أحدكما فى حق الآخر، أخذه الآخر باللين، وانتظر حتى تهدأ نفساكما، وتزول أسباب تعكر المزاج، وبذلك تصلان إلى الود والمحبة، وتأتى بعد ذلك خطوة مهمة بعدم بث مشاكلكما إلى خارج بيتكما، والحرص على كتم أموركما وعدم إشاعتها. أما من ناحية مساعدة زوجك أرملة شقيقه وأولادها، فليس عيبا أن يفعل ذلك، بل إنه واجب عليه بشرط أن يكون حسن النية، وأن يفعل ذلك ابتغاء وجه الله، وليس طلبا لعلاقة خاطئة، وأما الإسراف فلا تعتبرى صرفه على أسرة شقيقه الراحل إسرافا، ولكن إذا كان إنفاقه فى غير مواضعه الصحيحة، أو فوق المطلوب، فليعلم أن عواقبه غير طيبة.. إن التدبير نصف المعيشة، ومن حقك أن يترك لك مالك من عائد عملك على ماكينة الخياطة، وإذا اضطرته الظروف إلى طلب مساعدتك، فلتساعديه بما تسمح به نفسك، ولا سبيل إلى «منهج متوازن» فى التعامل إلا بالحوار المباشر والهادئ، ولا تنفرى منه، وتذكرى أنه سعى للزواج منك، حتى لو نطق لفظ «الرهان» متأكدا من أن أباك سوف يوافق عليه، فلولا حبه لك ما قال ذلك، فهو يضعك فى مرتبة عالية. أما عن الإسراف غير المبرر، فهو تبذير لقوله تعالى: «وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» [الأعراف: 31 ]، ومهما تكن الأموال التى يتم توفيرها بسيطة، فإنها تساعد وقت الأزمات، فادخرى ما استطعت، فادخار المرأة يرتبط بشعورها بالأمان والاستقرار.. وأما عن التردد الدائم لزوجك على أرملة شقيقه، فعليه أن يلتزم بآداب الاستئذان قبل زيارتها، إذ لا يجوز له أن يختلى بها مطلقا، ولا أن يطّلع عليها إلا وهى فى كامل لباسها الشرعي، وقد جاء تحذير الرسول من أقارب الزوج على وجه الخصوص، فى قوله: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله: أرأيت الحمو؟ قال الحمو «أخو الزوج» الموت)، فعليه أن يتقى الله وأن ينأى بنفسه عن مواطن الشبهات والتهم، ولا يعرّض نفسه للقيل والقال، وإساءة الظنون به، فإن هذا لا يجوز وهو من ظلم النفس. فى ضوء كل ذلك أرجو أن تراجعوا مواقفكم.. زوجك بتحديد شكل علاقته بأرملة أخيه، وأنت بمراجعة موقفك منها، والأفضل رأب الصدع الذى أصاب علاقتكما، وبالتالى يمكن أن ترافقى زوجك فى زياراته إليها لمتابعة أمور أولاد أخيه.. وأبوك بموقفه المتشدد منك، فاللين والرفق والمودة هى مفاتيح الحياة الهادئة والمستقرة، والله المستعان.