الحقيقة التي قد يجهلها الكثيرون هي أن الشاعر الباكستاني محمد إقبال لم يكتب قصيدة بعنوان حديث الروح كما يتردد في وسائل الإعلام المصرية والعربية. لكننا لا ننكر أن أم كلثوم قد غنت قصيدة بهذا العنوان, لها أصول في شعر إقبال وهي ترجمة من نظم فضيلة الشيخ الصاوي علي شعلان (المتوفي سنة 1982, والذي لم يرد ذكره مرة واحدة حسب علمي- في سياق أي حديث إعلامي عن أم كلثوم منذ عام 1967 وهو العام الذي غنت فيه تلك القصيدة). وبالطبع هناك بعض الإشارات إلي الصاوي شعلان, في بعض المؤلفات, ومنها مؤلفاته الخاصة, إلي جانب مقالات عنه علي مواقع الإنترنت, ومن بينها مقال للدكتور إبراهيم محمد (من جامعة الأزهر) عن دور الوسيط في ترجمة الشعر الأردي إلي العربية نظما. وحقيقة الأمر إنني كنت أجهل تماما أن قصيدة حديث الروح تختلف في كثير من الجوانب عما كتبه إقبال بالفعل, إلي أن انتفعت أيما انتفاع بما رواه لي شخصيا الدكتور حسين مجيب المصري رحمه الله عن الفروق الجوهرية بين القصيدتين الأصليتين لإقبال وبين القصيدة المترجمة أو المستلهمة إن أردنا الدقة- التي جمعت بين الاثنتين تحت مسمي مختلف تماما عن الأصل,وهو أمر يراه البعض مشروعا تماما,بل و ضروريا,خاصة في حالة قصيدة معدة للغناء, كما هو الأمر هنا. وقد استعنت ببعض الأصدقاء الباكستانيين في قراءة وفهم قصائد إقبال, كلمة بكلمة. وقبل ذلك كنت قد قرأت النصوص الإنجليزية المترجمة, ووجدت فيها الحرفية المفتقدة في القصيدة المعربة. وشتان ما وجدت من فرق بين الأصل وبين التقليد! ولا أقصد هنا بأي حال من الأحوال التقليل من قدر المترجم, او ترجمته, لكنني أود الإشارة فقط بصفتي الأكاديمية, وكمدرس للشعر والترجمة إلي ما ضاع في ترجمة أو نقل هذه القصيدة علي وجه التحديد, كنموذج لما يضيع في الترجمة الأدبية بوجه عام, وهي قضية غير محسومة في ترجمة الشعر: هل نضحي بالدقة في سبيل الشعر, أم نضحي بالشعر في سبيل الدقة؟ في مطلع القرن العشرين, وفي إبان الاحتلال الإنجليزي للهند كتب محمد إقبال قصيدتين من أشهر ما كتب, وهما بالأردية شكوه (أي الشكوي) وجواب شكوه( أي جواب الشكوي). وكانت قصيدة الشكوي واحدة من القصائد الأكثر إثارة في ذلك العصر, وقد أنشدها في شهر إبريل عام 1911 في الكلية الإسلامية بلاهور. وتتألف هذه القصيدة من واحد وثلاثين مقطعا شعريا يشتمل كل مقطع علي ستة أبيات. وقد سلط إقبال من خلال هذه القصيدة الضوء علي التقاليد الحية للإسلام والمسلمين. وتمثل القصيدة نموذجا فريدا من الشكوي إلي الله- فأغلبها يتعلق بتردي أحوال المسلمين وغضب الله الذي حل بهم, لأسباب يقر إقبال بالبعض منها وأخري لا يعلمها إلا سبحانه عز وجل- وهي الأسباب التي يسأل الله أن يعينه علي فهمها. أما الأسباب التي يعلمها إقبال, فيذكر منها: إن لم يكن هذا وفاء صادقافالخلق في الدنيا بغير شعور ملأ الشعوب جناتها وعصاتها من ملحد عات ومن مغرور (قصيدة: الشكوي مقطع 12) وعلي الرغم من إقراره بهذه الذنوب, فإن إقبال يفرد الكثير من الأبيات لسرد ما فعله المسلمون من أجل إعلاء اسم الله, ومن بينها (دونما ترتيب): من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منورا من غيرنا هدم التماثيل التي كانت تقدسها جهالات الوري؟ ومن الذي بذل الحياة رخيصة ورأي رضاك أعز شئ فاشتري رحماك ربي هل بغير جباهنا عرف السجود ببيتك المعمور ( الشكوي مقطع 1396) ومن خلال السياق الذي وردت فيه تلك الأسئلة وغيرها, لا يجد القارئ سوي نبرة العتاب من عبد إلي خالقه. أما السياق الذي وضعت فيه الكلمات في قصيدة حديث الروح فلا يوحي بتلك النبرة, بل يوحي فقط بعلو شأن المسلمين عمن سبقوهم: من كان يهتف باسم ذاتك قبلنا من كان يدعو الواحد القهارا عبدوا الكواكب والنجوم جهالة لم يبلغوا من هديها أنوارا أما قصيدة جواب الشكوي, التي نظمها إقبال في عام 1913, وتتألف من ستة وثلاثين مقطعا شعريا يشتمل كل مقطع منها علي ستة أبيات, فتحمل بين طياتها هجوما مكثفا علي أحوال المسلمين; وكأن الشاعر قد فوضه الله فيما سينطق به من كلمات مبينات لسر الغضب الإلهي: ولو صدقوا وما في الأرض نهر لأجرينا السماء لهم عيونا أباهم كان إبراهيم لكن أري أمثال آزر في البنينا تراث محمد قد أهملوه فعاشوا في الخلائق مهملينا إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحيي دينا ( جواب الشكوي مقطع 965) تلك كانت مجرد نماذج عابرة لما ضاع في ترجمة إقبال. وما فعلته أم كلثوم أو شاعرنا رامي- مع إقبال فعلت مثله مع ناجي حين غنت له الأطلال, فالمقطع الذي يبدأ ب هل رأي الحب سكاري وينتهي بفسبقنا ظلنا لا ينتمي للأطلال بل لقصيدة أخري لناجي بعنوان الليالي, وأكثر منه فعلته مع أبي فراس الحمداني في أراك عصي الدمع وهي سنة عندها وليست حراما, فهي تنتقي من كل شاعر ما يناسب اللحن وحنجرتها الماسية, لكننا اردنا, لوجه الحقيقة,ان نذكر بعض الذي قد لا يعرفه القارئ عن إقبال وقصيدته.. او بالأصح, قصيدتيه.