إذا كانت مصر دولة عريقة، ذات حضارة عظيمة، تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، فإنه الأمر الذى انعكس على غناها وثرائها بعدد كبير من رواد الثقافة والفكر، ومن بين هؤلاء الرواد فى تاريخ مصر الحديثة، يبرز اسم المفكر الكبير والمصلح الاجتماعى سلامة موسى (1887-1958م) الذى خدم فى الصحافة والتأليف نحو خمسين عامًا، وفى 4 أغسطس من عامنا الحالى يمر ستون عامًا على رحيله، ما يُعد فرصة طيبة للاحتفاء به وتقديم أفكاره التنويرية للجيل الجديد من الشباب، إذ يُعتبر سلامة موسى أحد أبرز الكُتّاب الصحفيين، المُجددين والرائدين، بما قدمه من رؤى وأفكار شملت الكثير من مجالات الثقافة والمعرفة الإنسانية، حيث كان كاتبًا عميقًا ومفكرًا شاملًا ومثقفًا موسوعيًا، اتخذ مواقف تقدمية وتناول فى مقالاته ومؤلفاته الكثير من الموضوعات وناقش العديد من القضايا، ليسهم - مع غيره - فى إثراء الفكر المصري، فقد آمن بضرورة الوصول إلى الرأى العام، ومخاطبته وتنويره. كان لسلامة موسى نشاط فكرى وثقافى واسع، خاصة أنه تأثر بعدد من أدباء ومفكرى وعلماء الغرب منهم: هنريك إبسن وفرويد ودستوفسكى وكارل ماركس وفولتير وداروين وبرنارد شو، ومن المفكرين المصريين تأثر سلامة برفاعة الطهطاوى ومحمد عبده، كما تأثر فى تكوين شخصيته الثقافية بثلاثة مفكرين؛ يعقوب صروف الذى وجهه إلى طريق العلم، وفرح أنطون الذى بسط له الآفاق الأوروبية للأدب، وأحمد لطفى السيد الذى جعل من المستطاع أمامه- بوصفه غير مسلم- أن يكون وطنيًا فى مصر يعتز بوطنيته المصرية. تعمق سلامة فى الثقافة المصرية، واقترب كثيرًا من الثقافة الأوروبية، واهتم بمجالات الفلسفة وعلم النفس والتاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع، وقد كافح فى أكثر من مجال، ففى السياسة كان كثيرًا ما يدافع عن الحرية والديمقراطية ومقاومة الطغيان والاستبداد، وكانت كتاباته السياسية تُسبّب له مشكلات كثيرة، ومن ذلك أنه تم اعتقاله سنة 1946م فى عهد وزارة إسماعيل صدقى بتهمة الدعوة إلى الجمهورية والشيوعية، والحض على الثورة ضد النظام الملكي. ولما قامت ثورة 23 يوليو 1952م، فإنه رحب بها، مُعبرًا عن سعادته بخلع الملك فاروق عن العرش وإعلان الجمهورية، مُعتبرًا ذلك انتصارًا للقومية المصرية والعربية، كما رحب بتأميم قناة السويس سنة 1956م، وهى الفكرة التى سبق أن دعا إليها فى سنة 1950م، واتفق سلامة مع اتجاه الدولة المصرية بعد 1952م نحو الصداقة مع الدولة السوفيتية الاشتراكية، إذ رأى أن الاتحاد السوفيتى هو الضمان الوحيد للسلم فى عصره، مقابل الدول الغربية التى تصف نفسها بأنها حرة وديمقراطية ولكنها فى الواقع تتصف بالنذالة والدناءة والاستعمارية. وفى المجال الاقتصادى ناضل سلامة موسى من أجل الاستقلال الاقتصادي، فألف جمعية (المصرى للمصري) لإيجاد وعى اقتصادى وطنى بين الناس وتشجيع المنتج المصري، كما دعا إلى تعميم الصناعة وعدم الاكتفاء بالزراعة مثلما كان المحتل الإنجليزى يريد لمصر أن تكون دولة زراعية لا صناعية أيضًا. وفى الشأن الاجتماعى فإنه طالب بضبط النسل ومكافحة الغيبيات والتوسع فى التعليم وحرية التفكير، والنهوض بالمرأة المصرية والرقى بها، ومكافحة التخلف الذى يسبب الفقر والجهل والمرض، كما عُرف عنه حبه للقرية ودفاعه عن الفلاحين. تعرف سلامة موسى على كثيرين من أدباء عصره وعلمائه، وفتح صفحات جرائده ومجلاته للكُتَّاب الشباب آنذاك، مثل نجيب محفوظ ويوسف السباعى ويحيى حقى وحسين مؤنس وآخرين، وقد تعاون مع فؤاد صروف فى تأليف (المجمع المصرى للثقافة العلمية)، سنة 1930م، حتى يضم المهتمين بالثقافة العلمية ونشرها بين الجمهور، وكان عضوًا بجمعية الشبان المسيحية منذ تأسيسها بالقاهرة سنة 1922م، وأصبح مستشارًا للمكتبة، وكان ينظم الندوات الثقافية والعلمية للشباب. أفكار تنويرية ورؤى عصرية كثيرة تبناها سلامة موسى، وأقترح هنا أن تستعين وزارة التربية والتعليم ببعض مؤلفاته ومقالاته فى مقررات اللغة العربية والمواطنة والتربية الوطنية، وغيرها، ومن مؤلفاته المناسبة هنا: مصر أصل الحضارة، الشخصية الناجحة، التثقيف الذاتي، المرأة ليست لعبة الرجل، افتحوا لها الباب، طريق المجد للشباب، أحاديث إلى الشباب، مشاعل الطريق للشباب، هؤلاء علموني، تربية سلامة موسى، كما أتمنى أن يواصل مشروع القراءة للجميع تقديم طبعات شعبية من مؤلفاته التى أثرت المكتبتين المصرية والعربية، ومثلت فى مجملها إضافة حقيقية للفكر الإنساني. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق