تنقلب حرب الشائعات ضد أمريكا هذه الأيام، بعد أن كانت أجهزة استخباراتها العتيدة هى المتسيِّدة فى شن حملات شائعات هائلة تقلق من لا ترضى عنه من نظم الحكم فى العالم. بل إن وثائق عهد مكارثى فى خمسينيات القرن الماضى تتضمَّن تفاصيل مرعبة عن مؤامرات التشويه المتعمد بالشائعات ضد بعض المواطنين الأمريكيين المصنفين فى خانة أصحاب الأيديولوجيات أو الأفكار أو المواقف المعادية للقيم الأمريكية! فكيف بعد كل هذه الخبرات نرى الآن هذا الارتباك على المسرح السياسى والإعلامى فى أمريكا؟! انظر إلى المعركة المحتدمة التى يُنسَب فيها إلى الروس أنهم تدخلوا فى سير الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويُقال إن هذا عَزَّز من فرص فوز ترامب على حساب كلينتون. ودعْ عنك أن يغيب عن الخبراء الأمريكيين أن مجرد ترديد هذا الكلام يعود بفوائد جمة على الروس بترسيخ صورتهم كقادرين على العبث فى الشئون الأمريكية إلى حد أن يفرضوا رئيساً لم يختره الأمريكيون! وحاول أن تحسب كم الأخطاء التى وقع فيها هؤلاء الخبراء فى هذه القضية، التى قد يكون أساسها قائماً على خبر صحيح، ولكن مر عامان من الغموض الذى جعل الخبر كابوساً من الألغاز، ولم يهتم الإعلاميون، ولا أجهزة الاستخبارات الموجودة دائماً حتى إذا توارت عن الأنظار، أن يعالجوا أهم النقاط التى تنقذ الرأى العام من البلبلة، التى هى من أكبر مستهدفات مروِّجى الشائعات! أخطر ما أهمله هؤلاء، الذى هو أيضاً من مبادئ مواجهة الشائعات، أن يتيحوا المعلومات الأساسية. ولكن وحتى الآن لا يعرف أحد كيف حدث التدخل الروسى وبأى وسيلة وبأى آلية، وما هو بالضبط التغيير الذى أحدثه. ثم إن الكلام غريب عن التأثير على التصويت الشعبي، لأن كلينتون فازت فيه بأكثر من مليونى صوت، ولم يُذكَر أن الروس تدخلوا فى المجمع الانتخابى الذى فاز به ترامب! وأما الأسوأ لأمريكا فهو أن كلاً من معسكرى ترامب وخصومه يسعى إلى أن يحقق مكاسب صغيرة على حساب الآخر! وهذه أفضل بيئة لانتعاش الشائعات!