عظيمة هى السينما المصرية. تراث طويل وتاريخ عريق محفور بالدموع والآلام. ومحفور كذلك بالأعمال الفارقة التى أثرت العقل وطورت الروح. وعظيم هو الانسان المصري، استطاع فهم لعبة الفن منذ بدايتها. وبرع وأبدع فيها وأصبح من روادها وصاحب الكثير من علاماتها المميزة. من الفنان المصرى القديم الذى رسم على الجدران وصنع أجمل التماثيل فى الحضارة الفرعونية. وحتى مبدعى الفن الراقى اليوم فى جميع المجالات. وهم كثر وليسوا استثناءً كما يحب أن يروج غير المطلعين أو كارهى الفن. هناك عظماء فى كل الفنون فى مصر الآن وليس فقط الأمس القريب او البعيد. واليوم حديثى عن مدير التصوير العلامة سعيد شيمى والمخرج المصرى العظيم الراحل محمد خان، الذى يتواكب مع ذكرى ميلاده وكذلك مع موعد صدور كتاب عنه بقلم شيمى نفسه. بالإضافة الى افتتاح معرض صور من حياته بمعرض الهناجر للفنون 2 أغسطس المقبل. وفوق ذلك كله حضورى العرض العالمى الاول لفيلم تسجيلى اخراج أحمد رشوان بعنوان «خان المعلم» ضمن مهرجان السينما العربية بباريس مطلع هذا الشهر. سعيد شيمى ليس مجرد مدير تصوير عادى بالسينما المصرية، لكن رجل من كبار علاماتها وأساتذتها المخلصين. قام بتصوير 108 أفلام روائية و75 فيلما قصيرا وتسجيليا و6 مسلسلات. ومن أشهر أعماله الشيطان يعظ، البريء، العار، ضد الحكومة، سلام يا صاحبي، الحب فوق هضبة الهرم وغيرها. بالإضافة لابتكاراته فى مجال التصوير مثل التصوير السينمائى تحت الماء واستخدام تقنيات مستحدثة فى الإضاءة وحركة الكاميرا. ومنذ أكثر من 20 عاما، وشيمى يثرى المكتبة السينمائية بعشرات الكتب المتخصصة فى مجال التصوير خاصة ومجال السينما عامة. ومن أشهر كتبه الصورة السينمائية من السينما الصامتة الى الرقمية وسحر الألوان من اللوحة إلى الشاشة، وكتاب اتجاهات الإبداع فى الصورة السينمائية مسيرة 3 مصورين عبد الحليم نصر، وعبدالعزيز فهمى ووحيد فريد. ومنهج سعيد شيمى فى التصوير مر بمراحل مختلفة يجب أن يشار لها بالبنان فى مسيرة السينما المصرية. فقد كان رفيق ابداع محمد خان وعاطف الطيب فى أهم أفلامهما التى أسست مدرسة الواقعية الجديدة، ونجح فى التصوير فى الشوارع وفى أماكن الحياة الطبيعية بروح تحد مذهلة جعلته يبتكر حلولا لوضع الكاميرا ومعدات الإضاءة التى كانت ذات حجم ووزن كبيرين فى ثمانينيات القرن الماضي. ومن أشهر لمساته التى يضرب بها المثال استخدامه إضاءة السيارات لتصوير المشهد الرئيسى بفيلم الحب فوق هضبة الهرم وكذلك استخدامه خشبة بدائية بعجل لتصوير لقطات الكرة الشراب بفيلم الحريف. ثم رافق شيمى بعدها مسيرة اثنين آخرين من كبار المخرجين هما على عبد الخالق ونادر جلال. مع الأول طور فى استخدام العدسات واللقطة المشهدية، ومع الآخر أسس لأسلوب أكشن مناسب للروح المصرية موظفا الامكانات البسيطة لصناع المخاطر مصرا على تنفيذ معارك ومطاردات مبهرة. وشيمى هو من أنبل رجال السينما فى مصر وأجملهم خلقا. مثال للمحبة ومساعدة الشباب والقول الحسن والإيثار مما لاتجده عادة فى اى مكان. وهو يعلم الشباب بالمجان فى كل محافظات مصر. وفى كتابه الاخير بحكايات محمد خان الى سعيد شيمى كنز حقيقى يكشف فيه شيمى عن الشخصية الفريدة والاستثنائية للمخرج الكبير الذى صادقه منذ الطفولة حتى نهاية الرحلة. عانى خان من أن يصبح مخرجا وتلطم فى البلاد وعمل بائعا للملابس بانجلترا لكى يصرف على دراسته للسينما وأصدر كتابا عنها هناك ثم عاد لينتج بنفسه فيلمه الأول «بضربة شمس» الذى أسس لأسلوبه الخاص فى التعبير الخاص عن شخصية المكان والانتصار للمهمشين فى المجتمع والانتصار للمرأة والتعبير عن قضاياها الملحة. من منا لا يتذكر لمحمد خان افلام أحلام هند وكاميليا وبنات وسط البلد وشقة مصر الجديدة وفتاة المصنع وكلها كانت مرآة لروح المرأة التى تحاول أن تتعايش وسط مشكلاتها وتنتصر لحب الحياة. أيقونات محمد خان الخالدة الاخرى تتكلم عن الانسان التى تضغط عليه الحياة المعاصرة ويناورها لكى لاتسحقه فى أفلام مثل عودة مواطن وخرج ولم يعد وسوبرماركت. شخصية اللامنتمى نجدها ظاهرة بقوة فى افلام فارس المدينة. وكان خان أيضا مغرما بتقديم النصابين ووجد فيهم شخصيات جديرة بالاهتمام السينمائى فى أفلام مثل مشوار عمر وكليفتي. كانت العلاقة المركبة بين الرجل والمرأة كذلك من اهم ما عبر عنه محمد خان فى أفلام مثل الرغبة والثأر وموعد مع العشاء. تحية لفيلم رشوان الحميم الذى نجح فى نقل روح خان بجمال، وتحية كبيرة لكتاب شيمى ولمعرضه عن خان وكذلك لابداع شيمى المتواصل لمصر والإنسانية. لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف