تعتبر العملية الانتخابية, هي العمود الفقري في أي نظام ديمقراطي حقيقي, وهو ما يطلق عليه في النظم السياسية المختلفة ب شرعية صندوق الانتخابات. وحتي يتم إضفاء الشرعية لابد من أن تتسم الجهة أو الهيئة المنوط بها إدارة العملية الانتخابية التي تشرف علي هذه العملية بالنزاهة والمصداقية والشفافية والاستقلالية, ليس فقط في أدوات وأساليب عملها ولكن أيضا في تكوينها الإداري والفني. خلال عام ونصف عقد في مصر ثلاثة انتخابات, في مرحلة ما بعد الثورة, أشرفت عليها لجنتان قضائيتان مختلفتان عن بعضهما البعض, وهو الأمر الذي فتح الباب لجدل كبير, حول ضرورة إيجاد هيئة إدارية مستقلة تشرف علي جميع الانتخابات في مصر, وتكون تابعة للدولة, ولها ميزانية مستقلة, وموظفون متخصصون يتم تدريبهم ليس فقط علي عملية الإشراف علي الانتخابات, ولكن أيضا علي تنقية وتنقيح قاعدة بيانات سجلات الناخبين طوال العام. ومن الضروري أن تكون هناك لجنة مستقلة, ينص عليها الدستور الجديد, تشرف علي العملية الانتخابية من الألف إلي الياء, وفي هذا الشأن يشار إلي عدة اعتبارات, كما يلي: أولا: اعتبارات الاستقلالية, يعد الاستقلال السمة الرئيسية لنظام إدارة الانتخابات, بحيث أصبحت جزءا من عنوانها, والاستقلال يقصد به الاستقلال عن السلطة التنفيذية علي وجه التحديد, وعن الأحزاب والفواعل السياسية المتنافسة في العملية الانتخابية, ويضاف إلي ذلك الاستقلال المالي والإداري والمهني لأعضاء الجهة القائمة علي إدارة الانتخابات. ثانيا, اعتبارات الثقة: كانت ومازالت الفرصة مؤاتية بعد الثورة بأن تقوم مفوضية مستقلة بالإشراف علي العملية الانتخابية, بعدما تأكد للجميع بأن مشاركة الناخبين هي الضمانة الحقيقية لعدم التلاعب في نتيجة الانتخابات وليس الإشراف القضائي عليها. فقد كانت الجهات الإدارية, في العهد السابق, تقوم بالتلاعب في إرادة الناخبين إما بالتزوير أو بتوجيه التصويت أما الآن فالوضع اختلف تماما ولابد أن يدرك الجميع ضرورة إنشاء مؤسسات جديدة تحظي بالثقة من الكافة في ظل الحالة الثورية التي تعيشها مصر حاليا. ثالثا: اعتبارات الكفاءة والخبرة: من المؤكد أن العملية الانتخابية التي جرت بعد الثورة لم تسلم من بعض الأخطاء, التي كادت أن تفسد العملية الانتخابية برمتها, والتي كان يمكن تداركها علي عجل إذا كان هناك نوع من التنظيم والخبرة المؤسسية لدي القائمين عليها. وكذلك وحدة الوظيفة, فالمؤسسة أو الهيئة المزمع عقدها أن تشرف علي جميع العمليات الانتخابية التي تجري في بر مصر من برلمانية ورئاسية أو محلية, ويمكنها أن تساعد في الإشراف علي الانتخابات النقابية والأندية الرياضية إذا طلب منها ذلك. ومن ثم سنكون في النهاية أمام خبرات تراكمية لأعضائها تسهل وتذلل الكثير من المشاكل والعقبات والتي من بينها تنقيح وتنقية قاعدة بيانات الناخبين من أسماء المتوفيين ومن ليس لهم حق التصويت..الخ. فضلا عن المؤسسية, فوجود لجنة مستقلة تشرف علي العمليات الانتخابية ضرورة قصوي لأهداف ومبادئ ثورة25 يناير, والتي من بينهما ضمان تداول سلمي للسلطة, وإيجاد مؤسسات تعمل بشكل احترافي لخدمة هذا الوطن. رابعا: الشفافية, لتمكين المواطنين وأطراف العملية الانتخابية من متابعة القرارات والإجراءات الصادرة عن الجهة القائمة علي إدارة العملية الانتخابية والوقوف علي أسبابها ومدي اتفاقها ونصوص القانون, ومن ثم فإنه كلما غابت هذه الشفافية عن عمل تلك الجهة فقدت المصداقية والثقة الواجب توافرهما فيها. ولا تتعلق الشفافية بالقرارات الفنية المتعلقة بالعملية الانتخابية فحسب, وإنما تمتد وبشكل أساسي إلي النواحي المالية الخاصة بعمل اللجنة من تمويل وإنفاق بما يعزز الثقة في عمل اللجنة, ويدعم مصداقيتها لدي أطراف العملية الانتخابية. خامسا: الحياد, تعد الإدارة الانتخابية المحايدة تلك التي تتعامل مع كافة الأحزاب السياسية والمرشحين وتعاملهم بالتساوي ودون محاباة أو تمييز, وفيما عدا ذلك, فلو نظر للإدارة الانتخابية علي أنها منحازة, فإن ذلك من شأنه نسف ثقة الجمهور في العملية الانتخابية والنظام الانتخابي برمته. واللافت أنه يحظر في بعض النظم علي القائمين علي إدارة الانتخابات الانخراط في السياسة, ففي كندا مثلا لا يسمح لمفوض الانتخابات ونائبه التصويت في أية انتخابات فيدرالية. كما وقد يطلب من مديري الانتخابات الاستقالة من مناصبهم السياسية أو الحزبية أثناء فترة عملهم في المؤسسة الانتخابية. سادسا: المحاسبة, تعمل اللجنة المستقلة ذاتها علي تحقيق مبدأ المحاسبة, من خلال وضع آلية تضمن سرعة تنفيذ قراراتها علي أطراف العملية الانتخابية المختلفة في حالة حدوث أية مخالفة من جانبها, بما لا يستغرق وقتا طويلا في تنفيذ القانون, وبذلك نضمن أن يكون هناك اتساق وتناغم في عمل هذه اللجنة. والخلاصة أنه يمكن النص في الدستور علي كيان هذه المفوضية, بحيث يترك تفاصيل عملها وصلاحياتها للقانون, وهنا يقترح أن ينص في الدستور علي مادة تكون صياغتها كالتالي: إنشاء هيئة قومية مستقلة للانتخابات تتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة, ويحدد القانون طبيعتها ووظائفها.