الفتاتان الجميلتان المتفتحتان كعناقيد الفل والياسمين.. اللتان فاجأتانى بالزيارة فى الأهرام لقراءة تحقيقهما الأول عن الطلاق الذى يركب اكسبريسا ويسجل فى حياتنا حالة طلاق كل ست دقائق.. ياساتر! قلت لهما: الطلاق كما تعرفان هو أبغض الحلال عند الله.. ولكن تعاليا أحدثكما عن أشهر وأغرب قضية زواج وطلاق فى تاريخ مصر كلها.. تسألانى بدهشة: احكى لنا يامُعَلّمْ؟ (برفع الميم ونصب العين وكسر اللام وسكون الميم) قلت انها قضية طلاق زميل لنا فى مهنة البحث عن المتاعب.. أقصد مهنة الصحافة وهو الشيخ على يوسف رئيس تحرير صحيفة «المؤيد» أوسع الصحف المصرية انتشارا على أيامه. وقد قال لى يوما الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين عندما سألته عنها: لقد كتبت عنها فى كتابى: «أيام لها تاريخ».. والحقيقة إنها قضية زواج.. لاغير.. ولكنها أقامت مصر وأقعدتها، وقسمت الرأى العام والساسة وأهل الفكر، وعامة الناس، وكانت محل كثير من المناورات السياسية العجيبة التى دارت من وراء الستار.. ذلك لأنها كانت صدمة عنيفة للناس فى الكثير من معتقداتهم القديمة عن الشرف والحسب والنسب وما إليها من أخلاق اجتماعية راسخة. تسألانى فى براءة: من هو العريس المصون ياترى؟ قلت: إنه الشيخ على يوسف الرائد الأول للصحافة المصرية، وأول صحفى مصرى صميم يمتلك دارا صحفية، وهو صاحب ورئيس تحرير أقوى جريدة يومية كبرى على أيامه.. وهى جريدة المؤيد، وهو فى الوقت نفسه رئيس حزب الاصلاح على المبادئ الدستورية، أحد أول ثلاثة أحزاب مصرية فى تاريخ مصر السياسى، ومعه الزعيم مصطفى كامل رئيس الحزب الوطنى القديم، وهو بالطبع غير الحزب الوطنى الذى أغلق أبوابه، ومحمود باشا سليمان الذى كان يرأس حزب الأمة، وهو أيضا غير حزب الأمة الذى نعرفه.. تعودان لتسألانى: ومن هى العروس المصون؟ قلت: إنها الآنسة صفية ابنة الشيخ عبدالخالق السادات شيخ الطرق الساداتية، وكان من رجال الدين المعتزين بنسبهم إلى الامام الحسين رضى الله عنه. وقد سألت الشيخ على يوسف نفسه: لا تسألانى كيف؟ وأين؟.. ولكننى سألته وها هو يحكى لنا الآن قصته من الألف إلى الياء. قال: أنا إنسان عصامى بكل معنى الكلمة.. فقد خرجت من قريتى بلنصورة فى أعماق مديرية سوهاج فى صعيد مصر الجوانى.. فقيرا معدما.. وسافرت إلى القاهرة على ظهر مركب شراعى فى النيل مع التيار والبلاليص.. لكى أتلقي العلم فى بلد النور.. كان عمرى وقتها تسعة عشر عاما.. ولعلمك فقد ولدت يتيما بعد أن مات والدى وأنا طفل رضيع فذهبت بى أمى إلى بلدتها بنى عدى فى أسيوط، حيث عشت طفولتى وصباى.. ودخلت الأزهر الشريف ولكننى لم أكف عن القراءة والاطلاع والكتابة فى الصحف والمجلات.. إلى أن أغرتنى صاحبة الجلالة الصحافة بأن أدخل فى بلاطها.. فعملت فى مجلة القاهرة الحرة, ثم أصدرت مجلة الآداب التى لاقت رواجا كبيرا.. ففكرت بعدها فى إصدار صحيفة يومية. قلت: صحيفة يومية حتة واحدة، إنها تكلفك كثيرا! قال: نعم.. كان مطلوبا منى مبلغا كبيرا جدا أيامها لم أكن أحتكم عليه.. مائة جنيه مصرى حتة واحدة! قلت وقد تملكتنى الدهشة والعجب العجاب: مائة جنيه بس.. تعالى ياعمنا وتاج راسنا عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس ادارة الأهرام: كم يكلفك العدد الواحد من الجريدة.. وكم تخسر فى كل نسخة.. وكم تنفق من ملايين الجنيهات على الأهرام كل سنة.. لكى يجد كل قارئ نسخة «الأهرام» التى تكلفت النسخة منها عشرة جنيهات ونحن نقدمها للقارئ بجنيهين اثنين فقط.. يابلاش! يقاطعنى مولانا الشيخ على يوسف بقوله: وهو أنا كنت أملك شيئا أيامها حتى أصدر الجريدة.. ولكن الله بعث إلى من يقرضنى المبلغ! أسأله: من هو ياترى؟ قال: الزعيم سعد زغلول بجلالة قدره.. وكان أيامها محاميا مشهورا.. ولم يكن قد دخل سلك السياسة بعد! *** تسألانى: هذا هو العريس.. ولكن من هى العروس المصون ياترى؟ قلت: لقد سألت مولانا الشيخ على يوسف نفسه: ماهى حكايتك التى أقامت الدنيا أيامها ولم تقعدها مع الآنسة صفية بنت السادات؟ قال: العروس.. قلت: نعم.. قال: رغم إننى كنت أيامها فى الخمسين من عمرى إلا أن قلبى خطفته صبية حلوة بيضاء اللون عمرها لايتجاوز الثامنة عشرة تزن ما يزيد على مائة كيلو جرام شحما ولحما!. قلت: ياه مائة كيلو حتة واحدة! قال: ألا تعرف أن هذا هو مقياس الجمال فى زماننا ياعزيزى! قلت: أين رأيتها؟ قال: فى بيت الشيخ البكرى.. يومها فكرت فى الزواج من هذه الغزالة الصغيرة.. أؤنس بها وحشة أيامى وغربتى، ولقد فكرت فى الزواج من صفية ابنة الحسب والنسب والبيت العريق الذى ينتسب فى النهاية إلى شجرة عائلة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. قلت: زواج يليق بك وبمكانتك الاجتماعية والسياسية والصحفية.. قال: نعم.. وشمرت عن ساعدى وفى الصباح كنت أطرق باب بيت الشيخ السادات الذى استقبلنى بالترحاب.. ولما عرف سبب زيارتى قال لى بأدب حتى لا يجرح مشاعرى: البنت صغيرة على تحمل أعباء البيت والأولاد. ولم أيأس.. وسقت عليه أصحابه وأحبابه ومعارفه حتى قبل فى النهاية أن أتقدم لخطبتها وقرأنا الفاتحة وألبستها النيشان الشبكة الآن وأرسلت إليها الهدايا.. وانتظرت موعد تحديد عقد القران. ولكن الرجل ظل يماطل ويماطل ويسوف ويسوف حتى مضت أربع سنوات كاملة على الخطبة.. ولم يكن يربطنى بصفية خلالها إلا الرسائل الذاهبة الآتية! تضحك الفتاتان فى سرهما.. ولعلهما تتحسران على ما يجرى هذه الأيام.. وهما تقولان: أربع سنوات حتة واحدة.. دى الحكاية دلوقتى يادوب ساعتين بالكثير! *** الشيخ على يوسف مازال يحكى: وذهبت أشكو همى للشيخ البكرى الذى أخبرنى: أن صفية سوف تحضر فى الغد لزيارة بناتى.. فاحضر ومعك المأذون.. سوف تتزوجها شاء أبوها السادات أم أبى! قلت وأنا أسبق الأحداث: وتزوجتها زواجا شرعيا بعقد رسمى صحيح وبحضور الشهود والأقارب؟ قال «تماما».. وذهبت بها إلى منزلى.. ونشرت الصحف فى الصباح خبر زواجى من صفية بنت الشيخ السادات.. قلت: ماذا فعل الشيخ السادات؟ قال: جن جنونه وقدم بلاغا للنيابة يتهمنى فيه باختطاف ابنته والتغرير بها.. ولكن النيابة اكتشفت أن العقد صحيح وأن صفية العروس بالغة رشدها.. وحفظت البلاغ.. ولكن الشيخ السادات لم يسكت ورفع دعوى أمام المحكمة الشرعية يطالب فيها بإبطال الزواج والتفريق بين الزوجين لعدم التكافؤ بين الزوجين فى النسب والمال والحرفة.. وقال السادات فى دعواه: إنه يطالب بالتفريق لسببين النسب والحرفة.. فأنا ليس لى نسب رفيع مثله فهو من نسب بيت النبى.. ثم أنا احترفت مهنة الجرائد التى هى كما جاء فى دعواه: أحقر الحرف وأحط المهن وعار وشنار عليه! وأحيلت القضية إلى المحكمة الشرعية وحددت لها جلسة يوم 25 يوليو سنة 1904.. وكان القاضى اسمه أبو خطوة.. قلت: عال سوف تنال حقك كاملا. قال: أبدا فالشيخ أبو خطوة من أكثر القضاة فى مصر تزمتا وتمسكا بالحق والشريعة وأصول الدين لايحيد عنها أبدا، وقد وقف منى موقفا عنيدا للغاية!.. وخرج الشيخ أبو خطوة من غرفته فى المحكمة واتجه إلى المنصة وجلس إلى مقعده ثم تلا على الجمهور قراره.. كان قرارا غريبا يقضى بتسليم السيدة صفية إلى أبيها الشيخ السادات وذلك منعا للمعاشرة الزوجية لحين الفصل فى الدعوى بحكم نهائى! تسألانى: وبعدين؟ قلت: مافيش بعدين ظلت القضية متداولة فى المحاكم.. حتى تدخل شيخ الأزهر أيامها وتدخلت كل القوى الوطنية والسياسية. حتى عادت الست صفية إلى عش الزوجية من جديد وخلفوا صبيان وبنات.. ولكن بعد إيه! والعبارة الأخيرة للفتاتين الجميلتين اللتين تصعدان سلم الصحافة فى أيامها الصعبة؟ *** هل نبكى على أيام زمان.. أيام الحب والفضيلة والأخلاق والشرف؟ أم نفرح و«نزأطط» وهى كلمة لا عربية ولا عامية ونقول ربنا يفتح للبنات والأولاد طريق الزواج الصحيح ويخلفوا صبيان وبنات.. وتوتة توتة.. فرغت الحدوتة!
------------------------------------ وطالب القاضى أبو خطوة بالتفرقة بين الزوجين لعدم التكافؤ.. ولأن الزوج يمتهن الصحافة «وهى مهنة من لا مهنة له»!! Email:[email protected] لمزيد من مقالات تحقيق السبت يكتبه: عزت السعدنى