توقفت في الحلقة السابقة عن انعقاد المحكمة التي نظرت قضية التفريق بين الشيخ علي يوسف وزوجته صفية السادات.. وفي هذه الحلقة الأخيرة نعرض للمفاجأة التي جرت بعد أن مات الشيخ علي يوسف! بعد انتهاء مرافعات الدفاع، لم ينس الشيخ أبوخطوة أن يلدغ الشيخ الرافعي، وأرسل له رسالة أشار فيها إلي أنه يشاع علي الألسنة أن الشيخ علي يوسف يتردد علي منزلكم كل ليلة سحراً ويذهب صباحاً، ومن وجود طباخ يطبخ في بيتكم علي نفقته، ومن تكرار حضور الملبوسات كل يوم من بيته وعودها مما يوجب أشد الأسف! وبالطبع ثار الرافعي وأرسل إلي المفتي ليتسلم منه صفية، لكن المفتي استرضاه! ومن بين آلاعيب الشيخ أبوخطوة أيضاً أنه قبل صدور الحكم اعتكف خمسة عشر يوماً في مكان لا يعرفه أحد، لينجو من ضغط الخديوي صديق علي يوسف، وأكبر رأس في البلاد! وظهر فجأة مثلما اختفي فجأة ليحكم بفسخ عقد الزواج والتفريق بين الزوجين! لا تنتهي مفاجآت الشيخ أبوخطوة- القاضي الذي نظر القضية- وبدا منحازاً منذ اللحظة الأولي، فقد أورد مثلاً في حيثيات حكمه أن مجرد كون الشيخ علي يوسف بدأ فقيراً، فإن غناه الحالي لا يمحو تلك الوصمة »إن عاره لا يزول عنه« بنص كلمات القاضي! في اليوم التالي كتب علي يوسف علي صفحات »المؤيد«: »نشرنا الحكم الصادر اليوم في القضية، وتركنا لحضرات القراء رأيهم في موضوعه وأسلوبه.. أما نحن فلم يؤثر فينا ما في لهجته الشديدة بشيء ما، إذ أمامنا الاستئناف، وفي اعتقادنا أنه سينصفنا، وحينئذ يصبح حكم حضرة القاضي أشبه بمقالة من جملة المقالات التي قرأناها في بعض الصحف ونسيناها! غير أن حكم محكمة الاستئناف كان أشد وأنكي! تشكلت المحكمة برئاسة قاضي القضاة جمال الدين الفندي وحكمت بتأييد الحكم السابق بالتفريق بين الزوجين! تلقي المستنيرون هذا الحكم بخيبة أمل شديدة حتي أن الشاعر حافظ إبراهيم المعروف ب»شاعر النيل« مخاطباً مصر: حطمت اليراع فلا تعجبي وعفت البيان فلا تغضبي فما أنت يا مصر دار الأديب ولا أنت بالبلد الطيب وقالوا المؤيد في غمرة رماه بها الطمع الأشعبي دعاه الغرام أسن الكهول فجن جنوناً ببنت النبي إلي آخر القصيدة التي تقول أبياتها: ويهضم فينا الامام الحكيم ويكرم فينا الجهول الغبي مازالت القضية تذخر بمفاجآت أخري بعد صدور حكم أعلي سلطة قضائية في البلاد بالتفريق بين الزوجين، ويبدو أن الشيخ السادات استراح بعد أن استرد كرامته، وانتقم وعادت ابنته إلي بيته، وتم التشهير بالشيخ علي يوسف علي الملأ! وبذلت مع ذلك مساع وتدخلت وساطات حتي تفضل السادات بالموافقة علي أن تتزوج صفية من علي يوسف ولكن بعقد جديد! وبالفعل أعيد الزواج ورجعت صفية إلي بيت زوجها، وكان المفترض بعد كل هذه الأحداث الدرامية أن يعيشا العروس والعريس في تبات ونبات وينجبان صبيان وبنات كما تقول الحواديت! ويبدو أن الشيخ علي يوسف جُرح جرحاً لم يندمل قط! ويبدو أن عقدة فقره في طفولته وشبابه، والتي كان قد نسيها بعد أن أصبح أحد المسئولين عن التأثير في الرأي العام بل وتشكيله.. يبدو أن هذه العقدة كانت عميقة حتي بعد أن حمل رتبة الباشوية، وأصبحت جريدته أكبر وأوسع الصحف العربية انتشاراً، وتسلم رئاسة حزب سياسي من بين ثلاثة أحزاب في البلاد! وعلي مدي ثماني سنوات تلت زواجه، راح يبذل المساعي ويتوسل بكل السبل من أجل أن يسجل اسمه في سجل الأشراف، وبدا كأنها قضية حياته! ولما خلا منصب شيخ السادة الوفائية-وهي إحدي الطرق الصوفية المنتسبة لآل النبي (صلي الله عليه وسلم)- أطاح بكل تاريخه وشقائه وكفاحه طوال عمره! اعتزل الصحافة والسياسة كما تقضي بذلك الأعراف الخاصة بالطرق الصوفية، وتنازل عن جريدته ومنصبه في البرلمان ورتبة الباشوية والحزب الذي يرأسه والجاه والنفوذ والتأثير ليفوز بشيء واحد هو مشيخة السادة الوفائية! كل هذا من أجل أن يكون نداً لصفية وأسرتها التي رفضته ذات يوم وعايرته بفقره! أما السنوات الثماني التي قضاها مع زوجته، بعد أن وافق الشيخ السادات علي زواجهما بعقد جديد، فكانت سنوات عذاب وغم وهموم لا تنتهي.. كانت صفية دائمة التنغيص عليه، ويبدو أنها كانت تعايره بفقره، حتي أنه كان يقضي 02 ساعة كل يوم في مكتبه بالمؤيد فراراً من وجه صفية ونكدها الدائم عليه! علي أية حال مات الشيخ علي يوسف عام 3191، وكانت صفية شابة ماتزال، وعاشت بعده قرابة الثلاثين عاماً، بل ووقعت في غرام الممثل المغمور زكي عكاشة وتزوجته دون أن يعترض أحد علي حسب ونسب السيد عكاشة، لأن الشيخ السادات كان قد انتقل إلي ربه، وعاشت صفية كما تروي دون حسيب أو رقيب وورثت زوجها مثلما ورثت أباها من قبل! وهكذا مات الشيخ علي يوسف كمداً بعد أن صعد إلي أقصي ما يمكن الوصول إليه في السلم الاجتماعي، وسقط في قضية زواج لا أكثر ولا أقل، وتزوجت صفية السادات من ممثل مغمور بعد موته! وسبحان من له الدوام..