أصبحت ساقية الصاوي الواقعة تحت كوبري15 مايو في منطقة الزمالك من الأماكن التي تحتل المساحة الأولي في أذهان الشباب في القاهرة.. ووصلت شهرتها كبؤرة اشعاع ثقافي إلي خارج القاهرة, بل وخارج مصر. ففي باريس كان يسألني عنها شباب مصري.. من أبناء الجيل الثاني مؤكدين أنها المكان الوحيد الذي لم يشعروا فيه بالإغتراب, لأنه يشبه كثيرا أماكن شبابية في باريس.. أما في المنصورة ودمياط وأسوان حيث ألقي بعض المحاضرات كان حديث طلاب الجامعة منصبا علي ساقية الصاوي! وللإنصاف يجب أن أذكر أن هذا المكان الذي يبدو متواضعا لأول وهلة استطاع أن يخلد اسم صاحبه إلي الأبد, كما أصبح واحدا من ملامح الحياة الثقافية في مصر في نهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين.. صحيح أن عبد المنعم الصاوي ليس غفلا, فهو صاحب كلمة وفكر وشغل موقع وزارة الثقافة والاعلام, لكنه تميز عن الجميع بهذه الساقية التي طبقت شهرتها الآفاق.. والحق أن هذا المشروع الثقافي والتنويري يشغل اهتمامي لسبب آخر قد يبدو بعيدا عن الأذهان, فالساقية هي في الأصل فكرة ناجحة لمجتمع مدني( أهلي) غير حكومي, وكان عهدنا أن مثل هذه الأفكار لا يكتب لها النجاح في بلادنا, فإذا بها مع ساقية الصاوي تصبح وزارة ثقافة خاصة, فهي تملك من الرؤي والأفكار والطموحات ما يجعلها تفوق الوزارات, بينما امكاناتها هي امكانات فردية.. ولاشك أن المهندس محمد عبد المنعم الصاوي مدير الساقية هو إنسان يمتلك من المواهب الثقافية ما يجعله رمزا للشباب المصري الواعي الذي يؤمن بأن القدرات الحقيقية ليس بوسع أحد أن يقف في طريقها.. والحق أن الأرقام تؤكد أن المترددين علي هذا المكان الحضاري الرائع في تزايد مستمر, وأصبح نجوم المجتمع العربي علي الأقل يودون أن يلتف حولهم رواد ساقية الصاوي سواء في الموسيقي أو السينما أو الأدب والفكر, ناهيك عن الفن التشكيلي الذي يملأ جدران المكان. سمعت أنهم في مدينة المنصورة يفكرون بجدية في استنساخ هذا المشروع ليملأ أرجاء محافظة الدقهلية, فثمة أماكن عديدة تحت الكباري وحول المدن والقري يمكن توظيفها علي النحو الذي فعلته ساقية الصاوي, فالثابت أن مكانها تحول معها من مقلب للقمامة إلي مكان تتفاعل فيه ثقافات العالم في أجواء مصرية أصيلة تحرض علي الفكر والابداع! وهي تجربة جديرة بالتعميم وشبابنا أحوج ما يكون إليها قبل أن تختطفه التيارات المتطرفة ولا يفيد بعدها الندم علي لبن مسكوب.. وبات علي مديرها محمد الصاوي أن ينقل خبراته مع الساقية إلي الأجيال لكي تكون في مصر ألف ساقية.