«الحروب التجارية جيدة، وسهل الانتصار فيها».. هكذا غرد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى حسابه على «تويتر» أوائل مارس الماضى، قبل أن يوقع فى الثامن من الشهر نفسه على قواعد بفرض رسوم جمركية بقيمة 25% و10% على واردات الصلب والألومنيوم، وتوالت بعد ذلك قرارات ترامب بفرض تعريفات جمركية استهدفت بشكل أساسى البضائع الصينية، ما دفع بكين إلى اتخاذ قرارات مضادة، والتأكيد أن «الصين ستقاتل حتى النهاية للدفاع عن مصالحها المشروعة».. فإلى أى مدى ستصل هذه الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم؟ وهل يمكن أن يحقق أحد الطرفين انتصارا فيها؟، وما تأثيرها على كل من واشنطنوبكين وعلى الاقتصاد العالمى؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحتها على عدد من المسئولين والأكاديميين الصينيين فى العاصمة بكين، خلال زيارتى الأخيرة لها، لمعرفة وجهة نظرهم فى هذا الصراع الذى فرضه ترامب، ليس على الصين وحدها ولكن على حلفاء أمريكا من الدول الغربية، وقد كانت اجتماعات قمة الدول السبع الصناعية الأخيرة فى كندا خير شاهد على ذلك. وفى لقاء مع أحد مسئولى وزارة التجارة الصينية، المسئولة عن إدارة هذا الملف، قال إن الصين لا تخشى مثل هذه الأزمات، فلدينا أسواق كثيرة عملنا على فتحها خلال السنوات الماضية، وبضائعنا فى كل دول العالم، على عكس أمريكا التى ستخسر بهذه الرسوم التى تفرضها على البضائع المستوردة، لأن الدول الأخرى سترد بالمثل، ما يؤدى فى النهاية إلى عزل أمريكا. شعار ترامب صينى! وأضاف مسئول وزارة التجارة الصينية، الذى فضل عدم ذكر اسمه، أن مسألة فرض رسوم حمائية أمريكية ضد البضائع الصينية ليست فى صالح واشنطن ولا فى صالح المواطن الأمريكى. وقال وهو يبتسم: يجب ألا ننسى أن شعار الحملة الانتخابية لترامب «لنجعل أمريكا أعظم مرة أخرى»، الذى كان مكتوبا على حقائب ومظلات و»كابات».. كلها كانت صناعة صينية استوردتها حملة ترامب من الصين ولم تقم بتصنيعها فى المصانع الأمريكية! وردا على سؤال حول تفسيره لإقدام ترامب على خوض هذه الحرب التجارية، قال المسئول الصينى: واشنطن اعتادت أن تلقى اللوم فيما يتعلق بمشاكلها الداخلية على دول أخرى، وهذه الأزمة التجارية حلقة فى تلك السلسلة، فإدارة ترامب تزعم أنه منذ انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2001 خسرت الولاياتالمتحدة أكثر من 60 ألف مصنع، والحقيقة أن إغلاق هذه المصانع يرتبط بأن حصة العمالة فى قطاع التصنيع ضمن الأعمال غير المرتبطة بالزراعة فى أمريكا تنخفض بحوالى 30% كل 16 سنة، وهذه النسبة مؤشر رئيسى لانخفاض قدرة الإدارات الأمريكية على خلق فرص عمل، وهو ما دفع المصانع للإغلاق وليس الصين. الأرقام الخادعة يبرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الرسوم الحمائية، التى يفرضها على البضائع الصينية، بأن بكين تنتهك حقوق الملكية الفكرية، وهو ما يزيد من حجم العجز التجارى للولايات المتحدة معها، حيث تشير الأرقام إلى أن صادرات الصين إلى الولاياتالمتحدة فى عام 2017 بلغت 506 مليارات دولار، بينما كانت صادرات الولاياتالمتحدة للصين فى العام نفسه 130 مليارا فقط. الدكتور يوسف دينج لونج، وكيل كلية الدراسات الأجنبية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين، حينما سألته عن رأيه فى هذه المبررات، قال بحسم: هذه ادعاءات باطلة وعارية تماما عن الصحة، وهذه الأرقام خادعة، فأمريكا تبالغ فى حجم عجزها التجارى مع الصين، بتجاهل احتساب فائضها مع بكين فيما يتعلق بتجارة الخدمات، فوفقا لوزارة التجارة الأمريكية أسهمت صادرات الولاياتالمتحدة من السلع والخدمات إلى الصين فى دعم نحو 910 آلاف فرصة عمل داخل أمريكا عام 2015، منها 610 آلاف مدعومة بصادرات السلع، و309 آلاف أخرى مدعومة بصادرات الخدمات، وعلى مدى سنوات، تمتعت الولاياتالمتحدة بفائض تجارة خدمات مع الصين، وكان هذا الفائض 38 مليار دولار عام 2016، بزيادة 11٫6% عن عام 2015، وأكثر ب908 % عن عام 2001. وأضاف أن الأرقام خادعة أيضا لأن جزءا من الصادرات الصينية للولايات المتحدةالأمريكية هو من إنتاج شركات عالمية تستثمر فى الصين، وهى فى معظمها شركات أمريكية عملاقة مثل «آبل»، وبالتالى لا يمكن أن نعول على أرقام الصادرات والواردات بين البلدين دون قراءة فى تفاصيل البضائع المصدرة. ويرى الدكتور لونج أن قرارات إدارة ترامب بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية، والتى كان آخرها بقيمة 50 مليار دولار، وأعلنها ترامب يوم الجمعة الموافق 15 من يونيو الجارى، هى محاولة أمريكية لابتزاز الصين واحتوائها، كما أنها محاولة من ترامب لتحقيق شعبية بين الأمريكيين والظهور بمظهر الرئيس الذى يفى بوعوده الانتخابية ومنها توفير فرص عمل للأمريكيين. وقال وكيل كلية الدراسات الأجنبية إن الحرب التجارية لا تصب فى مصلحة أحد، بل سيخسر فيها الجميع، موضحا أن الولاياتالمتحدةوالصين -أكبر اقتصادين بالعالم- يتميزان بالاعتمادية المتبادلة، وهما أكثر من مجرد شريكين تجاريين. السياسة أكثر حكمة السياسة والاقتصاد جناحا أى علاقات بين بلدين، وإذا كانت العلاقات الاقتصادية متوترة بين أمريكاوالصين فمن الطبيعى أن تتأثر العلاقات السياسية بين البلدين بهذا التوتر، لكن أحد مسئولى وزارة الخارجية الصينية حينما سألته عن تأثير إجراءات ترامب الحمائية على العلاقات بين واشنطنوبكين قال: الصين دائما ما تدعو إلى الحوار لحل أية خلافات، وهو ما تطبقه الدبلوماسية الصينية، ومنذ بداية هذه الأزمة والصين تدعو إلى التفاوض المباشر، وقد زار مسئولون صينيون الولاياتالمتحدة وكذلك أتى مسئولون أمريكيون لبكين لبحث الخلافات، وأعتقد أن الشراكة بين البلدين أكبر من أى أزمة مهما بلغ حجمها. وعن رؤيته لمستقبل هذه الحرب التجارية بين الجانبين أشار المسئول الصينى إلى أنها أزمة كغيرها من الأزمات ستمر رغم أن ما تتبعه إدارة ترامب إستراتيجية خطرة، فهى تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وكما أكد الرئيس الصينى شى جين بينج فإن عقلية الحرب الباردة لا تتناسب مع العصر الحالى، وفكرة المعادلات الصفرية فى العلاقات الدولية لم تعد مناسبة، ويمكن أن يكسب الجميع بالتعاون أكثر من الصراع. ويعتبر المسئول بوزارة الخارجية الصينية أن الإجراءات الأمريكية تساعد الصين على تشكيل شبكة علاقات قوية مع غيرها من الدول المتضررة من تلك الإجراءات، حيث إن أمريكا تتعامل حاليا مع حلفائها بنفس الطريقة التى تتعامل بها مع الصين.. فهل تشهد الأيام القادمة تراجعا من جانب ترامب أم إصرارا على التصعيد وفرض المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية؟.