الحقيقة الحقيقة، أن الدكتور طارق شوقى وزير التعليم كان معه الحق كل الحق- عندما تحدث فنطق بالحق. فقبل أيام قال الرجل بملء فيه: منذ 50 سنة واحنا بنضحك على بعض.. وآن الأوان لوقف تلك اللعبة.. لأن النجاح الحقيقى ليس مرتبطًا بتلك الشهادة.. وطبعا كان الدكتور شوقى يتحدث عن الثانوية العامة.. فهل جاوز الدكتور الحق أم أنه كان عنده عين الحق؟ بالتأكيد وهذا هو الرأى عندنا والأجر والثواب على الله- فإن وزير التعليم كلامه صح الصح .. لماذا يا كابتن؟.. سوف نرى: أحد أبنائنا الذين يمتحنون الثانوية العامة هذه الأيام صرخت فيه أمه وهو يتابع مباراة مصر ضد الأوروجواى قبل أيام: يا واد قم ذاكر.. الكورة موش ها تنفعك.. فصرخ الابن بدوره فى وجهها: حرام عليكو.. لى عشرة أشهر وأنا أدِح.. ما جاتش على ساعتين.. ثم يعنى هيّ الثانوية العامة بتاعتكو دى ها تعمل لى إيه.. آخرتها ها اقعد فى المقهي!.. فهل كان الولد على حق؟ حسب النظرة الأمهاتية (وقلب الأم) لأ طبعا.. فلتحترق الكرة وأيام الكرة.. المهم مستقبلك يا حبيبي. لكن بالنسبة للولد فإن ساعتين من الفُرجة لن تقدما ولن تؤخرا.. فالذى ذاكر قد ذاكر. بمعنى من المعاني، فإن وجهة نظر الولد تتوافق مع وجهة نظر السيد الوزير.. وإن كان الوزير بالتأكيد لم يقصد أبدا أن نتوقف عن المذاكرة. غير أن السؤال هنا هو: وكيف يا معالى الوزير سنوقف اللعبة؟ الإجابة حاضرة: لقد وضعنا نظاما جديدا سوف يتلافى تلك المهزلة السنوية الموروثة المتكررة.. وسيبدأ التطبيق مع الطلاب الذين سيلتحقون بالتعليم الثانوى مع بدء العام الدراسى الجديد.. ومن ثم سيكون أبناؤنا قادرين على متابعة كأس العالم بمنتهى الأريحية وراحة الضمير (هذا إذا أراد الله أن تكون لنا مشاركة أخرى فى المونديال فى قادم السنين فلا نضطر للانتظار 28 سنة أخري.. قل يا رب !). لكن هل تتوقف هذه اللعبة، ( لعبة الضحك على بعض) على الثانوية العامة وحدها؟ أبدا وحياتك. قبل أيام نطق نائب رئيس نقابة المعلمين «لأهرام السبت» بالحق فقال إن رواتب المعلمين لم تعد ترضِ أحدا.. خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية.. وإنه لم يعد مقبولا استمرار تجميد أجور المعلمين عند أساسى راتب عام 2014. السؤال هنا: ألسنا - ونحن نتعامل مع أساتذتنا المعلمين- مازلنا نضحك على بعض؟ إن المثل الشعبى الدارج يقول: اطبخى يا جارية كَلّف يا سيدي.. فكيف تريد من معلم يشعر بكل هذا الغبن أن يساعدك فى تحقيق مهمة «علشان ما نضحكش على بعض»؟ لقد بات من نافلة القول التذكير بأن المعلم هو أساس العملية التعليمية.. ومن ثم فإن دوام هذا التردى فى دخله سيظل يمثل العقبة الكئود أمام إيقاف هذا التدهور التعليمى الراسخ عندنا.. إذ بدون مدرس كفء مدرَّب تدريبا جيدا (وعينه مليانة) لن تحصل على شيء.. وسيظل المعلمون يهرولون وراء الدروس الخصوصية لسد حاجات أسرهم.. فكفانا ضحكا على بعض ! وهل فى هذا القول جديد؟ أبدا.. فلقد قلناه مليون مرّة من قبل.. لكن لا عينا رأت ولا أذنا سمِعَت.. وبالتالى لا مفر من تكرار القول من جديد مرات ومرات إذ التكرار يعلم الشطار. قل لي: كيف تطلب من معلم أو معلمة لا يزيد راتبه - أو راتبها- على ألفى جنيه (أو أزيد قليلا) أن يساعدك فى بناء صرح شامخ للتعليم فى البلد بينما راتبه أو راتبها لا يعادل عشرة كيلو جرامات من اللحم (.. ونحن هنا نتحدث عن اللحم الذى يؤكل وليس ذلك اللحم الذى نضحك به على بعض)؟ .. ثم قل لي: كيف ستقيم صرحك التعليمى الشامخ هذا وأنت مازلت غير قادر على تخصيص ميزانية محترمة للتعليم داخل الموازنة العامة تكون بعيدة عن بند الأجور والرواتب؟ نعم.. نعرف تماما أن التعليم أصبح عملية مكلفة جدا.. وكان الله فى عون الدولة.. لكنك على الجانب الآخر لن يمكنك تقوية بنيان الدولة دون تعليم عصرى متطور كبقية خلق الله.. وللحق فإن الحكومة تدرك هذا جيدا.. فما الحل لتلك المعضلة التاريخية؟ الحل يا سادة إعادة ترتيب الأولويات. كيف يعني؟ بسيطة.. ما المانع (ولو مؤقتا) من تحجيم استهلاكنا من الكماليات والحد من الإسراف فى بنود الترفية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع؟ وعلى سبيل المثال؛ كيف يتقبل عاقل أن يتم إنفاق كل هذه المليارات على مسلسلات أغلبها لا يضيف أى قيمة إضافية للاقتصاد القومي؟ وكيف تستمر فى إنفاق كل تلك المليارات على استيراد الموبايلات والشيكولاتة والمستحضرات والبارفانات بينما مدارسك تنقصها الديسكات والشاشات الذكية واللاب توبات؟ بالمختصر المفيد.. المطلوب سياسات شاملة مترابطة لا ينفصل بعضها عن بعض كما الجزر المنفصلة.. وتلك مهمة الحكومة فى المقام الأول. سيقول قائل: لكن الشعب لن يتقبل؟ لا يا سيدى الباشا.. إن الشعوب تتقبل التضحيات ما دمت تقنعها بأن الذى يتم هو لصالحها ولصالح أجيالها القادمة.. فهل أنت أقنعت الناس الإقناع الكافي؟ على فكرة.. إن الأمر جد ولم يعد ثمة وقت للهزل.. فالدنيا كلها من حولنا تتطور.. ولا سبيل إلى تحقيق هذا التطور إلا بالعلم.. وهل من سبيل إلى العلم سوى التعلم؟ إن صرخة الوزير شوقى جاءت فى وقتها.. وإذا كان الرجل يتحدث عن الثانوية العامة.. فما هذه الثانوية إلا جزء يسير من مسيرة طويلة بدأنا قطعها بالفعل.. وليتنا نستمر.. حتى لا نظل نضحك على بعض! لمزيد من مقالات ◀ سمير الشحات