أفيدونا يا أهل الحل والعقد فى تلك المسألة الشائكة التى ضج من هولها أولياء الأمور، وسرقت النوم من أعين أبنائهم. نتحدث هنا للمرة العاشرة بعد المليون- عن أزمة طلاب الثانوية العامة مع «الغياب». وإليكم حوار هاتفى جرى قبل أيام بين أحد هؤلاء الآباء ومديرة إحدى مدارس اللغات الراقية جدًا، والتى دفع لها الأب (المسكين) بعضًا من دماء قلبه نقدًا وعدًا: آلووووه.. حضرتك ولىّ أمر الطالب (....) ؟ نعم هو أنا.. فالولد مالوش أب آخر إلا أنا.. فمن سيادتك يا سيدتى؟ قالت: أنا يا أستاذ مديرة مدرسة نجلك العزيز. قال: أهلًا وسهلًا فما المشكلة؟ قالت: ابنك يا أستاذ لا يحضر كل يوم إلى المدرسة.. ونسبة غيابه اقتربت من مرحلة الخطر بينما نحن مازلنا لم يمض على بدء العام الدراسى سوى شهرين. قال: وما المطلوب منّى سيادتك بالضبط؟ قالت: عليك يا سيدى إجباره على المجىء إلى المدرسة كل يوم.. وإلا فالعواقب ستكون وخيمة! هنالك أسقط فى يد الأب (المسكين) فخفق قلبه ومادت به الأرض حتى كاد ينهار وراح يكلم نفسه: «معقول؟ بعد كل هذه الآلاف المؤلفة التى أنفقتها ومازلت أنفقها يتعرض ولدى للخطر؟». إن الأب يعرف جيدًا أن ابنه مهروس هرسًا ومطحون طحنًا فى الدروس الخصوصية داخل السناتر حتى إن الولد لم يعد يذوق للنوم طعمًا وإن نام لا يرى إلا الأشباح، وأن الولد يراهن على التقفيل (أى تقفيل المواد بالحصول على الدرجة النهائية فى امتحانات نهاية العام). والولد التائه هذا ليس إلا واحدًا من مئات آلاف التائهين مثله الذين يسعون إلى الحصول على أعلى الدرجات حتى يتسنى لهم الالتحاق بواحدة من كليات القمة. وفى الوقت نفسه فإن المدرسة هى الأخرى تريد النهوض بدورها، والوزارة تشدد عليها وعلى غيرها من المدارس بضرورة حضور التلاميذ. سأل الوالد (المسكين) ولده (المسكين أيضًا): لماذا لا تذهب إلى المدرسة يا ولدى؟ فأجاب الولد ودموعه تسبقه: إن السنتر يا أبى هو الذى سيحقق لى التفوق بينما المدرسة لن تستطيع.. فماذا أفعل! أفيدونا يا أهل الحل والعقد ما حل تلك المعضلة؟ إن الولد ذكى ومتفوق وفى طريقه إلى تحقيق نتيجة مبهرة، بينما ذهابه إلى المدرسة كل يوم سيعطله.. فماذا يفعل الولد وماذا يستطيع له أبوه؟ ستقولون: لا مناص من المدرسة. عظيم.. فهل مدارسكم مؤهلة لضمان التفوق للنابهين من الطلاب؟ وعلى فكرة نحن هنا لا نتحدث عن مدارس القاهرة بل كل مدارس عموم مصر المحروسة. نعلم أن الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم أب قبل أن يكون وزيرًا، وهو الآن عاكف على تنفيذ خطة طموح للنهوض بالثانوية العامة فى قادم الأيام.. لكن ماذا عن أبنائه طلاب ثالثة ثانوى هذا العام؟ أليس ثمة «حل وسط» يريح هذا الولد وأباه وفى الوقت نفسه يحقق للمدرسة ما تريد؟ هل يمكن الحديث مثلًا- عن زيادة عدد الأيام المسموح بها للغياب إلى أن ينقضى هذا العام الدراسى بقضّه وقضيضه ونبدأ تطبيق النظام الجديد؟ ( هذا التماس ليته يلقى القبول!). الولد - حين ناقشه أبوه - قال إنهم فى «السنتر» يتبعون نظامًا اعتاده الطلاب منذ عشرات السنين، ويقوم على إجراء امتحانات نصف شهرية تنشط ذهن الطالب بما يجعله حاضر الذهن دائمًا ومستعدًا لامتحانات آخر العام، ولسنا هنا فى حاجة إلى التذكير بأن نظام الامتحانات عندنا قائم على الحفظ وهو ما يعترض عليه الوزير ومعه كل العالمين ببواطن أمور التعليم.. والوزير معه كل الحق.. غير أن السؤال هو: لماذا لا يبدأ التشدد فى مسألة الغياب هذه مع بدء تطبيق النظام الجديد؟ دعونا نكن صرحاء مع أنفسنا فنعترف بأن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله. نحن لن نستطيع إيقاف نظام السناتر هذا بين طرفة عين وانتباهتها، بل سيتطلب الأمر بعض الوقت، وأولياء الأمور حائرون ترتجف قلوبهم رعبًا، واسألوا إن شئتم أى أم أو أى أب له من الأبناء من هم بالثانوية العامة هذا العام كيف يتعذبون. طيب ماذا تقترح سيادتك؟ ما رأيكم لو قسمنا البلد بلدين، فيذهب الولد إلى المدرسة ثلاثة أيام وإلى السنتر يومين.. ألستم فى نهاية الأمر يهمكم بالأساس مصلحة الطالب باعتباركم جميعًا آباء تسكنكم الرحمة والشفقة واللهفة على أبنائكم؟ أيرضيكم يا أصحاب القلوب الرحيمة أن يعود الولد القهقرى بعد أن أخذه التيار فبات فى منتصف الطريق؟ هل يرضى ضمائركم أن يفشل وقد أرغمتموه على الحضور؟ السيدة الفاضلة مديرة المدرسة أكدت لولى الأمر (المسكين ) هذا أنهم يستعينون فى المدرسة بأفضل المدرسين، وبالتالى لن يحتاج الطالب إلى التوجه إلى أى سنتر. إلا أن الواقع على الأرض يشى بأن ما يقدمه السنتر لا تقدمه المدرسة (خاصة مدارس الريف والصعيد الجوانى)، وأنه دون الدروس الخصوصية سوف يفقد الكثيرون فرصتهم فى تحقيق المجموع الذى يقارب المائة بالمائة.. ألستم تشترطون عليهم هذا المجموع «الخرافى» كى يلتحقوا بكليات القمة؟ على أى حال، تلك ليست شكوى أب واحد حائر بمفرده، بل هى شكوى مئات الآلاف من الآباء والأمهات، ولعلنا لا نجافى الحقيقة إن نحن قلنا إنها قضية رأى عام تهم المجتمع كله، وها هى الشكوى بين يدى الوزير (الأب) الدكتور طارق شوقى، الذى نعلم جيدًا مبلغ حلمه الكبير فى إصلاح التعليم وأن يرى أبناءه على أحسن ما يكون دونما ضرر ولا ضرار. لمزيد من مقالات سمير الشحات