نعم هو شهر الانتصار الأعظم فى تاريخ العسكرية العربية الحديثة.. ولكنه تحول كما هى عاداتنا.. إلى عنوان لمحل تسالى وقهوة وبنزيمة ومطعم لحمة رأس.. وكوبرى هو دائما وأبدا من رموز الزحام. وتحول إلى يوم إجازة ويا سلام لو كانت يوم خميس.. بحيث يضرب الموظف ثلاثة أيام مما يعدون على حس النصر.. وأكتوبر هذا الحدث التاريخى عند بعض السينمائيين عبارة عن فيلم من نوعية «بدور» وربما أيضا «يوم الكرامة». ذلك الفيلم الذى حول المعركة الحربية الكبرى.. إلى حفل لتدخين السجائر حتى فى عز لهيب المعارك وللأمانة تضمن الفيلم أيضا «حلة ملوخية» للأبطال وعلى مدى 30 عاما كنا لا نرى من أكتوبر إلا الضربة الجوية فقط.. وفيها ركب حسنى مبارك جميع الطائرات وخلص على العدو فى لمح البصر وعاد سريعا لكى يخلع بدلة المقاتل.. ويلبس بدلة الخيار الاستراتيجى والمقصود به السلام، ولأن النصر له ألف أب وعم وخال وجوز عمه.. والهزيمة كان لها أب واحد هو جمال عبد الناصر، لذلك وجب عملية الفرز والتصنيف بين أكتوبر البلد.. وأكتوبر المحطة.. وأكتوبر المجلة.. واسمع أغنية خلى السلاح صاحى.. وأنا على الربابة باغنى. أكتوبر البلد/U/ إنه الوطن الذى يدفع دائما وأبدا ثمن أفعالنا ويتجرع فى صبر مرارة هزائمنا.. ويتحدى ويتصدى فى شجاعة حتى يعبر مجددا رغم أنف المكائد والفخاخ إلى الضفة الأخرى زارعا حلم النصر فوق هضبة الإحباط والشكوك. إنه الوطن الذى يحتوى صغائر أفعالنا ومصالحنا الضيقة وعلى إيقاع مشاحناتنا الدائمة وأساليب تفكيرنا النمطية.. وخلافاتنا التى تقوم وتلتهب غالبا وفقا لنظرية «قالوا لى» لصاحبها ومخترعها الأستاذ خلف.. خِلف خِلاف المحامى.. فى مسرحية «شاهد ماشافش حاجة». والوطن الذى شاف وسمع كل حاجة.. يعرف أن تاريخه دائما وأبدا.. أمامه وليس فقط خلفه يمكن اختزاله فى مجموعة حواديت قبل النوم وربما بعده على طريقة خالد الذكر «سيد أبو حفيظة». البلد المحروس دائما وأبدا بعناية الله وكرمه ولطفه.. يبدو فى أشد لحظات الضعف والوهن وتحيط به الظنون أنه هالك لا محالة فإذا به ينتفض ويهب شامخا عفيا كأنه المارد يفلت من عنق القمقم. فقد ترى فى وجهه طيبة يظنها البعض به سذاجة وربما عبطا فإذا به يفسد المكر ويرده إلى نحر أهله على غير ما ينتظرون ويتوقعون.. وهو وإن بدا ساكنا جامدا كأنه المارد الراكد.. عنده القدرة على الغليان والفوران فى لحظة. يا سبحان الله.. إنه يشحن بطاريات إرادته وصلابته فى محطات المصائب والمحن.. فتراه يتجمع ويتوحد ويتلاقى على قلب رجل واحد.. تحت سماء واحدة.. يسبح الواحد.. ويكون نداء «موريس» مع «محمد» على جبهة القتال «الله أكبر» وخراطيم مياه السد العالى تكسر أنف وكبرياء وصلابة خط بارليف.. وإذا بضفتى القناة تتلاقى بعد غياب فى شوق جارف وعبور مبروك ويصبح طيران مصر كأنه طير الأبابيل على عدونا. أكتوبر المحطة/U/ وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.. وفى كل عام تمر الذكرى فهل انتفعنا بها؟.. وهل أخذنا من عبور الشاطئ المستحيل منهجا لكى نتجاوز هزائمنا فى التعليم والزراعة والصناعة والكرامة؟.. ويا سبحان الله.. عندما تتم هذه الهزائم بفعل فاعل.. هو أيضا أحد من ساهموا فى صناعة نصر أكتوبر البلد.. لكنه خذله فى المحطة.. وها هىذى البلاد تعيش شهر الذكرى.. وكلنا يرى ما تعانيه من فوضى وانفلات وانقسامات ومؤامرات منها ما هو صناعة محلية من فبريكة أعوان المخلوع وهو يعرف جيدا أن الفوضى هى الابنة الكبرى للشيطان فإذا ظهرت اختفى الأمن وضاع الأمان.. وتفرقت القلوب التى جمعها أكتوبر باسم «البلد» عند أكتوبر المحطة حيث كل فصيل وحزب وجماعة وطائفة.. تنتظر قطار مصلحتها ينقلها إلى جهة غير باقى الجهات.. ولها فى ذلك «سائق» و«شهيد».... السائق يقودها ويلوح إليها بالجزرة.. والشهيد.. يقدم أوراق اعتمادها ويختمه بخاتم الحق والحقيقة. وقد يسقط لكى ترتفع هى على حسابه.. وما شهادته بلسانه إلا زورا.. وما استشهاده بجسده.. إلا طمعا فى الغنيمة.. وقد اتخذ من المسجد والكنيسة ستارا يختبئ خلفه.. «وظنوا أنها مانعتهم حصونهم من الله».. وما ظنهم إلا فى ضلال. فهل تصبح «المحطة» هى «البلد».. قطاره للجميع.. اتجاهه معروف وطريقه واضح المعالم.. قد يكون بعضنا فى العربة الأولى أو الثانية أو السبنسة لكنه سيصل فى الموعد مع غيره.. بما يبعث الاطمئنان لقد اختلطت الدماء فى أكتوبر بين جورج وأحمد بلا تفرقة ضد كوهين.. وفى هذه الأيام تختلط أيضا فلا نعرف المحامى من الحرامى.. ولا الشهيد من المجرم العتيد.. ولا الثورجى من البلطجى..حيث أقنعة البطولة على الوجوه وعلى أرض الواقع. غاب الأبطال واختفى الرجال.. وتسيد المشهد «حبة عيال» لا من حيث العمر.. لكن من حيث التصرفات والأفعال. أمامنا الآن جميعا معركة يجب أن ننتصر فيها على شياطين الفتنة والفرقة.. نتنازل فيها عن أوجاعنا الصغيرة وهمومنا الخاصة.. مقابل مسح الغبار عن جبين الوطن، وقد ساهمنا كلنا فى تشويه صورته بنسب متفاوتة. أكتوبر المجلة/U/ نعم زميلى وصديقى المحترم أبودم خفيف محسن حسنين القائد العام لمجلس أكتوبر الصحفى.. ترك كلمتى عن الجزيرة مباشر كما هى.. ولكنه أعلن أن المجلة ترى غير ما أرى.. وله الحق فى ذلك ولا يفعل هذه الأفعال إلا مهنى يجيد التصرف بما يحفظ حقه.. ولا يجور على حقوق غيره.. وقد رأى البعض أننى جاملت الجزيرة مباشر أكثر مما ينبغى.. وحقيقة الأمر أننى أدافع عن حق الإعلامى الصحفى فى أن يقول ما يقول فى عصر أصبح المنع والحجب من الأمور المضحكة.. بدليل استمرار الجزيرة مباشر فى شغلها.. رغم سحب الرخص منها وعلينا فى الإعلام المصرى أن نعترف بأن أسلوبنا المهنى فى معالجة الأمور لم يتطور كما ينبغى وكل ما فعلناه أننا استبدلنا الجاكت الأسود بالأبيض.. لكن الحشو كما هو وصاحب البدلة كما هو.. وعندما رأيت قناة النيل للأخبار تنقل ما يجرى أمام ماسبيرو لحظة بلحظة.. وقنوات الدنيا تنقل عنها شعرت بالفخر وقلت إن هؤلاء هم أنفسهم إذا خرجوا إلى القنوات الخاصة أصبحوا جبابرة. وأساتذة لكن فى ماسبيرو تلامذة على قد حالهم وعلينا أن نعترف بذلك لأن العملية فيها حاجة غلط وزميلنا العزيز أسامة هيكل وزير الإعلام يعرف ذلك ويرى مثلنا أن الروتين الإدارى هو العدو القاتل للإعلام الحر.. لأن عقلية الموظف تعمل فى حدود هتتكلف كام؟.. لكن عقلية الإعلامى والصحفى هنشتغل إزاى وإمتى وليه وفين؟ وتجربة محسن حسنين فى أكتوبر خير دليل على ذلك.. فقد نقلها من جثة هامدة مرسوم عليها هلال الحزب الوطنى.. إلى كيان حى له رأيه ووزنه فى سوق الإعلام المصرى.. من أول الغلاف الذى تحول إلى لوحة فنية صحفية أسبوعية متميزة إلى آخر كلمة وهذه شهادة قراء المجلة فيها وفى نجومها الأفاضل من أصغر محرر إلى رئيس تحريرها وكلنا يعرف كيف سخّر السادات كل الإمكانات لهذه المجلة فانطلق بها الكبير أنيس منصور لتكون فاكهة المجلات.. ويبدو أن الله أراد لها أن تسترد عطرها القديم بنكهة جديدة.. عقبال تليفزيون بلادى. وأقول للقارئ الذى اتصل بى من أسيوط الحمد لله أنك لم تشاهدنى ولا مرة على الجزيرة مباشر، فقد كانت لديهم «شلة» لهذا قلت كلمتى وأجرى وثوابى على الله.. بالمباشر وغير المباشر.