هي بلاشك مالئة الدنيا وشاغلة الناس, الأنثي المغوية التي اختارتها من قبل بعض المواقع الإلكترونية والمجلات العالمية ك فوج, وبيبول, وماري كلير مرارا لتكون بين النساء الأجمل في العالم, لتصبح صاحبة مسيرة طويلة تبدو خلالها مثيرة للجدل, وجالبة للبهجة والمتعة معا, وتغدو دوما عبر كل محطاتها مصدر إعجاب الكثيرين.. إنها هيفاء وهبي التي أطلت علي الشاشة منذ سنوات وسط غمز الصحافة والنقاد, حتي أصبحت وبجدارة أيقونة للجمال, ونجمة مكرسة في عالم بابه مفتوح علي مصراعيه للشهرة والنجومية, فهي مغنية, وممثلة, نجمة برامج, أفلام سينمائية, ومسلسلات تليفزيونية, تلعب الأدوار ما بين امرأة صماء وسيدة أعمال ومصممة أزياء متهمة بجريمة قتل, ثم فتاة شعبية, لعبت أدوارا كثيرة, وها هي مؤخرا فتاة محترفة في النصب في مسلسل لعنة كارما, حيث تتنقل بين الشخصيات المختلفة لتقدم في رمضان من كل عام قصة تبتعد فيها تماما عن هيفاء المطربة. .......................................................................................بشعر أسود قصير, وعينين حادتين, ونظرات لا تطمئن, أطلت وهبي باسم مزيف سلمي المنصوري علي جمهورها في الحلقة الأولي من مسلسل لعنة كارما الذي لم تنصب فيه علي عمر هداية فقط, والذي يجسد دوره الفنان المصري النمساوي فارس رحومة, بل علي مشاهديها حتي اللحظات الأخيرة من الحلقة, لنكتشف فيما بعد أنها من الممكن أن تكون من بين أفراد عصابة قد خططت لسرقة عمر هداية في قبرص, من خلال لوحة فنية في مزاد علني, وقد أثار غموض الحلقة إعجاب جمهور وهبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي, خاصة أنها تحدثت بلهجتها اللبنانية بعدما كانت تتحدث في آخر أعمالها الرمضانية باللهجة المصرية, ما جعل الجمهور يركز علي أدائها بدلا من اصطياد أخطائها في اتقان اللهجة المصرية. وتسعي هيفاء دائما وأبدا لإثبات قدراتها كممثلة محترفة, الأمر الذي يجعل المنتجين والقنوات حريصين علي وجودها, ويبدو أن شركات الإنتاج المصرية أصبحت علي يقين بضرورة وجودها كوجبة أساسية علي مائدة رمضان من كل عام, فبعد أعمال درامية مثل كلام علي ورق, ومريم وأفلام سينمائية أشهرها دكان شحاته وحلاوة روح, تعود إلينا هيفاء وهبي في مسلسل لعنة كارما وهي تجسد دور نصابه دولية محترفة, تتعاون مع عصابة للإيقاع بأشخاص يتم اختيارهم بعناية وتدعي بأنهم يتصفون بالطمع, وتستمر الحلقات الأولي من دون أي تغيير في الأحداث سوي تبديل الضحايا وبنفس الأسلوب حتي نظن أن الهدف من المسلسل هو لعرض مفاتن هيفاء وهبي بملابسها الجريئة مع مناظر طبيعية كنوع من الترويج السياحي لقبرص. لكن النجمة اللبنانية أطلت في الواقع من خلال مسلسل لعنة كارما لتتنافس مع المسلسلات الأخري علي لقب أجمل مسلسل لرمضان2018, ولتحقق نجومية أكبر مع دورها الجديد الذي تخوضه هذه المرة بشكل مختلف, حيث استطاعت هيفاء وهبي أن تجذب الجمهور من خلال لعبها دور الشريرة عكس إطلالتها السابقة في المسلسلات, وبدا أداؤها ممتعا جدا, ما يؤكد أنها موهوبة في التمثيل أكثر من الغناء, وقد أكد ذلك بأنها الممثلة الوحيدة التي تعبر بإحساس عما تريد قوله وأحيانا دون أن تتكلم, فعيناها ووجهها يوصلان الكثير من الأحاسيس والعواطف التي يصعب وجودها عند ممثلة أخري, وربما ساهم ال ميك أب الخاص بها الذي كان جميلا إلي حد كبير في تحقيق النجاح في الأداء, ويحسب لها أنها تستطيع في كل سنة تظهر فيها علي الشاشة تبدو أكثر جمالا واحترافا عن السنة التي تسبقها بكثير بأزيائها المميزة. قد يري البعض أن هيفاء بدت متصنعة جدا جراء عمليات التجميل والبوتوكس التي أجرتها قبل المسلسل, وأيضا يأخذون عليها أنها حين تحدثت باللغة الانجليزية في المسلسل تبدو ضعيفة جدا, وغير متمكنة من لغتها, فضلا عن أن هناك بعض الأحداث تتعرض للمط والتطويل, لكني أري عكس ذلك تماما, فلم ألحظ أي نوع من التصنع, بل علي العكس تماما كانت لغتها الإنجليزية سليمة جدا, وكان إيقاع المسلسل سريعا للغاية ولا يحتوي علي أي نوع من المط والتطويل كما رأي البعض, فالممثل- بحسب رأي- لا يستطيع أن يعبر بالكلمات والحركات والإيماءات بدقة وتناسق إلا إذا استوعب الشخصية كليا ومن جميع النواحي وفهم دوافعها وأوجد مبررا لكل إيماءة وحركة وكلمة, ومن ثم فلم يأتي الأمر اعتباطا أو مصادفة أو وفق مزاج معين مع هيفاء في تجسديدها لشخصية كارما بل إنها تنبع أساسا من دراسة شاملة وعميقة للشخصية وهو ما انعكس في طريقة توظيفها لأدواتها التمثيلية بحرفية لتوصيل فكرة أو موقف أو حالة أو سلوك معين. من المؤكد أن الممثل يملك القدرة علي الانفصال عن الشخصية لكنه أيضا يتأثر بها إذا كانت معايشته للدور عميقة واستحواذية تماما كما فعلت هيفاء عندما امتصت ذاتها كممثلة الشخصية التي تؤديها وهو ما جعلها في كثير من الأحيان تتعرض لحالة من الازدواجية الواعية بسبب سطوة وهيمنة الشخصية واستبداديتها, ويبدو أن مظاهر من شخصية كارما كانت تظل عالقة ولا تختفي أو تتلاشي حال انتهاء التصوير, فثمة شظايا من الشخصية تبقي عالقة عادة في ذات الممثل في تصرفاته وكلامه ولا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة, ولا شك إذن أن عملية التحول تزهق وتستنزف الكثير من ذات الممثل كما هي حالة هيفاء وهبي كممثلة قادرة علي الأداء بجاذبية. وعليه فإنه دوما وأبدا يبقي علي الممثل أن يدع الشخصية تتعايش مع ذاته وأن تكون جزءا منه من كيانه لا أن تكون غريبة وشاذة ومستقلة, فلا يستطيع الممثل أن يكون صادقا ومقنعا في دوره إن شعر بنفور أو كراهية للشخصية التي يؤديها, وحتي لو اتخذ موقفا محايدا إزاءها فإن خللا ما سيظهر جليا للعيان, لا بد أن يحب الشخصية أيا كانت تماما مثلما فعلت هيفاء مع شخصية كارما, وأن يشعر بأنها تمثل جزءا منه الظاهري أو الخفي, ربما لا يشعر الممثل بارتياح أو لنقل يتماثل مع شخصية شريرة علي سبيل المثال, لكن هناك حتما جوانب مشتركة بين ذاته وهذه الشخصية ربما ليس في السلوك لكن في حركة ما فكرة ما طموح ما اتصال حميمي بشيء ما, وأظن أن بعضا من تلك الجوانب تبدو مشتركة مع شخصية هيفاء الحقيقية في الواقع وبعيدا عن التمثيل, عدا طبعا أنها شخصية يمكن أن تتمتع بأي قدر من الشر مثل كارما. وفي هذا الصدد يقول الممثل الكبير أنتوني هوبكنز: إذا كنت ستؤدي شخصية شريرة وحشية فعليك أن تؤديها علي نحو جذاب قدر الإمكان, شخصيا هذه الأدوار تجذبني, أنا لا أميل إلي القسوة لكن ربما من الأفضل أن تقبل بذلك الجانب الأكثر إظلاما من طبيعتك علي أن تكبحها الشخصيات الشريرة مركبة وعميقة وعزلتها تساعد علي جعلها آسرة, وهو ما لمسته تماما في أداء هيفاء لشخصية كارما بتركيبتها الشريرة المركبة والعميقة حيث قدمتها كنموذج مثالي لتأدية الشخصية الشريرة عندما أضفت عليها جاذبية خاصة بسعيها الدءوب إلي إبراز الجوانب الحساسة وروح الدعابة وحتي لحظات الضعف في الشخصية, و ربما هي لا تثير التعاطف, لكن من الضروري أن يفهم الجمهور دوافعها ومبرراتها, ولأن هذه الشخصية لا تستقر في موقع معين ولا ترتاح في نمط سهل من السلوك أو حالة ثابتة من التعبير ولا تخضع لتقييم عاطفي محدد فإن المتفرج يقف أمامها عاجزا عن الفهم أو إبداء حكم ما ويجد نفسه مرغما علي التخلي عن اليقين والتسليم بما يراه. يلحظ المشاهد لمسلسل لعنة كارما إنه كان دوما إزاء شخصية متناقضة مشوشة إنفصامية تقريبا, إنها قوية وضعيفة وديعة وعنيفة صريحة وكتومة حساسة وفظة.. إنها تشبه المتفرج في حياته اليومية ذلك لأنها نتاج واقع مركب غير منتظم غير مستقر وبالغ الغموض, والشخصية المركبة بعكس النمطية لا تملك أجوبة, بواعثها ودوافعها مبهمة, تصرفاتها تبدو لنا حتي للشخصية ذاتها غير مبررة أو غير واضحة الدوافع, لا تعرف ماذا ستفعل في اللحظة التالية من خلال أشكال النصب أو الاحتيال- الكذب والتظاهر والتصنع والانتحال- فهي تختلف من ضحية إلي أخري, ومن شخصية أخري, ومن ظروف معطاة إلي أخري, وأيضا من جمهور إلي آخر, لذا فعلي الممثل النصاب أو المحتال أن يغير لونه وفق كل بيئة أو شخصية يتعامل معها, وهذا ما نجحت في فعله هيفاء وهبي طوال حلقات المسلسل, حيث كانت تتلون كالحرباء في الإيقاع بضحاياها مثل عمر هداية العاشق الذي وقع في أسرها, وكذلك محمد مراد والدها الذي أبدي ندمه علي حرمانها من أبوته, وحتي شقيقها شريف الذي أحبها وتعلق بها إلي حد طلبها للزواج قبل أن يعرف بأخوتها له. في سياق متصل, من إجادة الأداء يأتي فارس رحومة علي رأس الممثلين المبدعين في هذا المسلسل- رغم لغته العربية المكسرة- فقد حقق مبدأ أن يكون الممثل نفسه( أو بعبارة أخري مبدأ استخدام الذات) ليس بالسهولة بمكان, فهو يعني أن يكون مقبولا لدي الجمهور, أو أن يكون لديه ما يسمي بالحضور, وهو نوع خاص من الجاذبية التي تمتع بها رحومة بدرجات مختلفة, كذلك أيضا امتلك سحر الممثل وقدرته علي استمالة زملائه, وجذب الجمهور إلي ما يفعله أو يحس به, فنجد في أدائه طوال حلقات المسلسل أن هناك قدرا من الإقناع يلازمه من مشهد إلي آخر, وقدرا من الإغواء يرافقه دوما علي طول الخط! وهذا يعني أنه يستخدم أحيانا شخصيته ووسامته هو في محاولة الإقناع والإغواء ل كارما بحركات وإيماءات بالعين والجسد, ورفع الكتف عاليا, وإمالة الرأس جانبا مع رفع الحاجبين وإطباق الشفتين وتقويسهما إلي الأسفل, مع فتح كفي اليدين أمام الجسد, وكل ذلك هو المطلوب في التمثيل الصحيح أو المؤثر. هذا وقد أبدع الفنان الكبير سامح السريطي في دور المحامي الشيطان مصطفي والذي أثبت أنه من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم, لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية; أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم, إنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته, غير أن التمثيل فن, وكما هو الحال في أي فن, فلا بد من توافر عناصر أساسية لدي الممثل, مثل المقدرة والدراسة والممارسة والخبرة الطويلة التي تتوافر له, ويبقي دائما علي الممثل المحترف ذي الحنكة في تجسيده للشخصية أن يعكس التغيير أو التطور الحادث فيها بطريقة محافظة تعكس خبرته, فلو بدأ الممثل دوره بوتيرة عاطفية مرتفعة أكثر من اللازم فسيجد صعوبة حقيقية فيما بعد في رفع هذه الوتيرة إلي مستوي أعلي, ويفشل الدور, لأنه سيكون بعد ذلك رتيبا ومملا, لكن السريطي بدأ علي مهل حتي تسني لهم أن يكسب دوره قوة وتشويقا تماشيا مع متطلبات النص المكتوب بسلاسة, ودون تشنج أو عناء ينال من أدائه العذب حتي بدا لنا في مجمل الحلقات طيفا مريحا علي أجواء الأحداث المشحونة بالصراع والتآمر والغضب. أما عن الأداء الموحد الذي يعني الإحساس بالتناغم والترابط الناجم عن جهد الممثلين التعاوني الشامل, فالفضل في ذلك يرجع إلي المخرج الكبير خيري بشارة والذي امتلك بحكم خبرته السينمائية الطويلة جميع الأدوات التي ساهمت في ضبط الأداء, انطلاقا من أنه لن يكون هناك أداء فردي مؤثر إلا إذا كان منسجما مع الأداء الفردي الآخر, ومن هنا يتأتي دور المخرج في ضبط الأداء الموحد عندما يتأقلم كل ممثل مع حاجيات المسلسل ككل, ويكون في نفس الوقت علي بينة من طرق تمثيل زملائه الآخرين ومواطن ضعفهم وقوتهم, وما يهمنا من هذا الكلام هو هذه السلطة التي يتمتع بها المخرجخيري بشارة داخل عالمه الخاص, التي تبدأ باختياراته للموضوع والشخصيات والقصة, ففي أثناء صنعه أو إبداعه للمسلسل فإنها ستتحول إلي عصا سحرية بعد عملية الإنتاج, من خلال التأثير الذي سيمارسه المسلسل علي المتلقي بتقنيات السينما, وقد سرد بريان بيتسb.bates في كتابه طريق الممثل1986 بعض الحكايات التي تجعل السينما والسحر وجهين للعملة نفسها, حيث يعد كل ما يقوم به المخرج من إبداع شكلا من أشكال السحر, حيث يعتبر ما قام به خيري بشارة من إبداع ما هو إلا شكل من أشكال السحر, والسحر هنا مرتبط بالعلم وتقنياته المتقدمة من آليات التعامل مع الصورة السينمائية, والقدرة علي تفكيك رسائلها البادية والخفية, كما فعل هو في مسلسل لعنة كارما في استعراض حي لمشاهد غاية في الروعة والجمال من قلب الطبيعة في قبرص, والتي بدورها تمنح المشاهد فضاء رحبا وطاقة إيجابية رغم ما يغلفها من فصول النصب والاحتيال وحرب العصابات الكبري التي تتحكم في مصائر الشعوب والأمم في إطار مؤامرة كونية لا ترحم. تبقي نقطة أخيرة وهي أنه علي الرغم من أن المسلسل والقصة نفسها مأخوذة عن مسلسل إسباني يحمل عنوان(LaCasadePapel) أو بيت من ورق, حتي أن هيفاء قلدت نفس تسريحة شعر بطلة المسلسل الإسباني, إلا أن سيناريو وحوار عبير سليمان نجح إلي حد كبير في جعله مسلسلا عربيا معقولا إلي حد كبير, ويكتب للمصور حسام شاهين ولمونتاج ريمون وليم النجاح والبراعة في إحداث تسلسل منطقي يعبر عن السيناريو بدقة برعاية ديكور شيماء الليثي, وهو ما أضفي أجواء منطقية تناسب الأحداث, كما كان للموسيقي التصويرية تأثيرها الفعال علي مجمل العمل الذي خرج في النهاية بصورة مشوقة ومريحة للمشاهدة وأثبت أن هيفاء أصبحت ممثلة من الوزن الثقيل.