أخبرنى أحد الزملاء من رؤساء التحرير وقد بدا مهمومًا، أن الصحافة الورقية أصبحت تواجه عائقًا اقتصاديًا كبيرًا بزيادة أسعار ورق الطباعة، بعد أن وصل سعر الطن إلى ما يقرب من الألف دولار أمريكى، وهو رقم من شأنه أن يزيد كثيرًا من تكلفة الجرائد والمجلات، ويتوقع أن يؤدى إلى تراجع أرقام التوزيع المتراجعة بالفعل بسبب عزوف أعداد كبيرة من الشباب عن قراءة الصحف الورقية. والحقيقة أن هذا الأمر يفتح النقاش من جديد حول أهمية التوجه نحو الصحافة الإلكترونية، جنبًا إلى جنب مع تطوير الصحافة الورقية بما يحقق لها الاستمرار لدى القراء، وربما زيادة الانتشار، وأيضًا رفع أرقام التوزيع، وبالتالي نسبة الإعلان في تلك الصحف، إذ ربما يحقق ذلك التوازن المطلوب بين الإنفاق على صناعة الجريدة والعائد منها. صحيح أنه لا زال هناك أعدادًا لابأس بها من القراء الذين لازالوا يعتمدون على المطبوعة الورقية، لكن التطور التكنولوجى يجعل المستقبل للصحافة الإلكترونية يومًا بعد يوم، والإصرار على أن الصحافة الورقية لن تندثر ربما كانت وجهة نظر تستحق التأمل، لكن المؤكد أن زيادة تكلفة المطبوعة الورقية أصبح أمرًا يسهم يومًا بعد يوم في تراجعها، وربما اندثارها على المدى البعيد، وهو الأمر الذى وصلت إليه معظم الصحف العالمية وآخرها جريدة الحياة اللندنية التى أعلنت عن انتهاء صدورها ورقيًا الخميس الماضى إثر أزمة اقتصادية ألمت بالجريدة وأجبرتها على ذلك. أصبح الآن على جميع المؤسسات الصحفية القومية أن تفكر جديًا في مستقبلها الإلكترونى، وأن تضع خطة حقيقية لتطوير مواقعها، وتشغيلها بالقدر الذي يؤهلها للانتقال إلى العصر القادم، وبما يحقق لها الانتشار لدى الشباب قراء الحاضر والمستقبل، فتحول الصحف الورقية إلى إلكترونية لن ينقص من وجودها، لكن هذا التحول يحتاج إلى "صنعة" تتيح انتقالًا ساسًا دون خسائر أكثر مما يحدث الآن، وهو أمر يسير حقًا إدا تم النظر إليه من الدولة بعين الاعتبار، والتطوير المقصود هنا لا يعنى فقط الشكل والواجهة التي يتعامل معها القارئ، بل يعنى في الأساس تطوير المحتوى، فمتصفح المواقع الإلكترونية لديه متطلبات تختلف تمامًا عن متصفح الجرائد الورقية، وهو بالقطع لن يهتم كثيرًا بتصفح جرائد لمجرد أن لها تاريخ، بل سيتصفحها حتمًا لأن لديها محتوى يبحث عنه، خصوصًا أن لديه من الخيارات أعدادًا لا بأس بها من المواقع محلية كانت أو إقليمية أو عالمية. ننتظر نحن الصحفيون في هذه الأيام صدور قانون تنظيم الصحافة، ونعتقد أنه سوف يدفع بالمهنة إلى مرحلة جديدة، تمامًا كما يحدث في مصر على جميع الأصعدة، لكن ما نتوق إليه حقًا، هو أن تستعيد الصحافة القومية دورها الذى تستحقه، وأن تعود لسابق مجدها حين كانت المؤثر الأهم والأكثر دقة فى الرأى العام، ولكى يحدث ذلك وهو أمر لن يحدث فقط بصدور القانون، يجب على الدولة أن تدعم الكيانات الصحفية القومية مهنيًا وتقنيًا ومعنويًا قبل أن تدعمها ماديًا، فالصحافة في مصر تمر الآن بمنعطف دقيق، يؤثر سلبًا عليها، رغم أن الفرصة سانحة لأن تمر تلك المؤسسات بهدوء وسلاسة إلى المستقبل، لكن ذلك لن يحدث ببساطة إلا باتباع الأساليب العلمية في إدارة تلك الصحف، وأنا هنا أتحدث عن إدارة المحتوى الصحفي بالمقام الأول، رغم أهمية الحديث أيضًا عن ضرورة توافر قدرات الإدارة العصرية لتلك المؤسسات، وذلك حديث آخر. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود;