* د. مجدى عاشور: رمضان يقوى أواصرنا لمواجهة محاولات الهدم والتخريب هلَّ علينا شهر كريم أنزل الله فيه القرآن هدًى للناس، وفرض على المسلمين صيامه وسنَّ رسوله صلى الله عليه وسلم لهم قيامه قربةً وشكرًا على ما خصه الله تعالى من النفحات القدسية والفضل العظيم أهلا ومرحبا رمضان شهر القرآن، شهر الصدقات والرحمات، شهر الحب بين المسلمين، نستقبل الشهر الكريم من أول ليلة حتى آخر ليلة بالتواصل مع كتاب الله الكريم، فتضاعف الحسنات وتغفر السيئات، نستقبل رمضان بما يطهرنا من الحقد والحسد والعداوة والبغضاء واللغو والرفث، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم:
إنها مشاعر روحانية، ومشاهد رمضانية تبقى خالدة في الذكريات، فرمضان زائر يحمل لنا العفو والصفح من الخالق سبحانه وتعالي، إذا أحسنا الصيام والقيام فيه، فهو شهر الصبر، والصبر جزاؤه الجنة، وهو شهر يزاد فيه في رزق المؤمن.. وفيه ليلة خير من ألف شهر، ومن أدي فريضة في هذا الشهر، كان كمن أدي سبعين فريضة فيما سواه. نفحات قدسية ويقول الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية، إن بلوغ شهر رمضان وصيامه وقيامه وإحياء أوقاته الشريفة بالأعمال الصالحات يُعَدُّ نعمة عظيمة لمن أقدره الله تعالى على ذلك، وهو أيضًا غاية كبرى ينشد بلوغها الصالحون وتشتاقها نفوسهم من أجل سمو الأرواح نحو خالقها راضية مرضية صافية سعيدة. وقد أعدَّ الله تعالى للمجتهدين فيه بالعمل الصالح وبذل الخير والبر ما لا يمكن وصفه وحصره، فرمضان موسم الطاعات وزمان الخيرات ومستودع الصدقات ومضاعفة الحسنات؛ فرمضان سوق عامر للثواب الكامل والأجر الجزيل، وفي بيان ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِى” (صحيح مسلم/ 1151)... أهلا رمضان مدرسة المراقبة وأوضح د. عاشور أن رمضان هو مدرسة المراقبة وتربية الضمير، .. الذي لو صامه المسلم وقام فيه حقا وأخلص لله صدقًا لخرج من رمضان قريبا من ربه متقنا لعمله مبتعدًا عن النفاق متصفا بمكارم الأخلاق؛ فإن الله تعالى يريد من عبده الصائم القائم أن يكون معه، ليفتح له فيه باب الوصال لينال فضله وكرمه في شهر الخيرات، والسبيل للوصول لذلك أن يجعل المسلم عبادته فيه لله وحده ويحب العبادة لأنها له، وأن يرى عطاء ذلك منه وحده؛ تحققًا بقَول سيدنا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه”. وفي ذلك دعوة لإخلاص النية في الإمساك عن الشهوات لساعات معدودات، وتربية النفس على إيقافها حتى عما أبيح لها، وصولا بعد هذا التدريب إلى أن يكون مراد العبد هو مراد الله، ويا سعادة من وافق مرادُه مرادَ مولاه، ويظل يردِّد مناجيًّا: “يا مَن منعتُ نفسي من شهوات نفسي بك ومن أجلك، طَهِّرْ نفسي منَ الالتفات لغيرك، واشغلها بك وحدك، في شهرك المبارك بل في كل شهورك”. أياما معدودات وأضاف: إنها الأيام المعدودات التي تُفَتَّح فيها أبواب الجنَّة وتُغَلَّق أبوابُ النيران وتُغَلُّ وتحبس الشياطين، وتلك الأيام المباركة التي تتنوع فيها ألوان العبادات من صوم وصلاة وتلاوة للقرآن وذكر للحنان المنان وزكاة وصدقات، لعلنا ندخل تحت فضل الله الواسع في هذا الشهر، ومنه ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه” (صحيح ابن خزيمة/ 1887). فليغتنم المسلم هذا الزمان المبارك بعمارته بالطاعات والصيام والقيام وتلاوة القرآن وقراءة الأذكار، وليعش نسمات رمضان حتى يكون له شيء من أنوار نهاره وأسرار ليله، فمن تنسم الخير يجده؛ فيفوز وإن لم يدركه، وإذا كانت الغنيمة ممتدة، فالفطن من يحوزها أول وقتها لئلا تعتريه صفة النسيان، فتفوته وذلك شأن الإنسان؛ لذلك فمن اليوم إلى آخر رمضان، إذا دخل المغرب فادع بدعاء سيد ولد عدنان، “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. فإذا كان كل ضيف أو زائر ينتظر إكرام مستقبليه، فإن رمضان ضيف نكرم به ولأجله، فيا سعادة من بلغه الله رمضان فصام نهاره وقام ليله، فعلينا استقبال رمضان بقلوب طيبة ناصعة ونفوس لا يخالطها حقد ولا حسد ولا عداوة ولا بغضاء، إنما يجمعها حب، فهذا يقوي أواصرنا ويشحذ هممنا، ويشد من أزرنا حتي نواجه محاولات الهدم والتخريب والتدمير، والإفساد في الأرض.