تدفع أكثر الآراء التربوية فى مصر إلى حتمية الرجوع إلى الوراء 5 سنوات، للاطلاع بتمعن على تجربة التعليم عن طريق «التابلت»، بعدما تمسك الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، بتكرار التجربة نفسها تقريبا، مع بعض الإضافات والتغييرات الأخرى فى آلية التطبيق والأهداف. تجربة التعليم عبر التابلت، لتكون بديلا عن الكتب المدرسية فى مصر، قديمة وليست مستحدثة، حيث كانت موجودة بالفعل خلال العام الدراسى 2013- 2014، وتم توزيع أجهزة تابلت بالمجان على طلاب المحافظات الحدودية الست، وهى شمال وجنوب سيناء، والبحر الأحمر ومرسى مطروح وأسوان والوادى الجديد. وفى عهد الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم الأسبق، تم تسليم التابلت للطلاب مجانا، وبعد مرور أقل من شهر تقريبا، أدركت الوزارة، بناء على تقارير من المديريات التعليمية، أن التجربة دخلت النفق المظلم، مما اضطرها إلى طباعة الكتب بشكل سريع، وتوزيعها على الطلاب، مع احتفاظهم بأجهزة التابلت. تجربة التابلت الحالية تبدو صورة بالكربون، من التجربة السابقة، ورغم أن الفارق بينهما 5 سنوات فقط (2013- 2018)، ما زالت تتمسك الوزارة الحالية بأن التابلت أحد أدوات التعلم العصري، بل أهمها، ولم تعد هناك رفاهة الوقت للتأخر فى استخدامه بالمدارس للوصول إلى مرحلة التعلم الرقمي، كبديل للتعلم الورقي. ولكن، لماذا فشلت تجربة التابلت فى 2013؟.. الإجابة باختصار أن المدارس لم تكن مهيأة بالبنية التكنولوجية للعمل بهذا النظام، حيث لا تتوافر فيها شبكة الإنترنت، والأهم أن التجربة كانت غريبة على الطلاب والمعلمين، وجهل أكثرهم باستخدام الإنترنت فى التعلم. يضاف إلى ذلك أن التابلت لا يحتمل الاستخدام طوال اليوم الدراسى بشكل مستمر دون شحنه بالكهرباء، ولم تكن تتوافر الوصلات الكهربائية لذلك، بشكل يكفى جميع الطلاب، كما أن شبكة الإنترنت لم تكن متوافرة حتى مع وجود شرائح اتصالات مع الطلاب، فضلا عن تكرار الأعطال بالأجهزة نتيجة سوء الاستخدام. ويؤمن أكثر الخبراء والتربويين وأولياء الأمور، بحتمية إقرار نظام تعليمى ينقل مصر إلى دولة رائدة فى التعليم، لكن أزمة هؤلاء مع وزارة التعليم، أنها لم تصارح الرأى العام بوضع بدائل للأزمات التى كانت موجودة لحظة تجربة التابلت فى 2013 وما زالت قائمة فى 2018. كان الوزير أبو النصر يقول إن التابلت أحد أدوات التعلم العصرى لمواكبة التطورات التكنولوجية فى مجال التعليم، وان طباعة الكتب التى تتكلف مئات الملايين لم تعد ذات قيمة فى العصر الحديث، وهو نفس الطرح الذى يؤمن به الوزير طارق شوقي. صحيح أن الدكتور شوقى يرى أنه لا يمكن مقارنة التجربة الماضية بما يجرى تطبيقه بالمرحلة الثانوية حاليًا، لكن تظل الأسباب التى دفعت الدكتور أبو النصر لغلق ملف التابلت مبكرا، هى نفس الأسباب التى تثير مخاوف أولياء الأمور من انتهاج نفس الأدوات والأساليب فى تطبيق النظام الجديد. ويقول الدكتور شوقى إن الفارق بين التجربة الحالية والسابقة، أن الأولى اعتبرت إدخال التابلت لمنظومة التعليم هدفا فى حد ذاته، إنما حاليًا يتم استخدامه كوسيلة لتحقيق عدة أهداف مثل: إتاحة مصادر معرفة للطالب تكون أكثر ثراءً من الكتاب المدرسي، والربط بين الطالب والمنهج والامتحان دون وسيط». أزمة التابلت، سواء مع الوزيرين ابو النصر أو شوقي، أن كليهما حدد أهدافا تربوية مقنعة ومقبولة من وراء استخدام التابلت، لكن النواحى الفنية والتدريبية والبنية التحتية والثقافة المجتمعية، ظلت أمورًا هامشية، وليست أساسية قبل الشروع فى التطبيق. إن اتجاه وزارة شوقى إلى المضى قدما وبإصرار، على تفعيل استخدام التابلت فى التعليم، دون العودة إلى الماضي، وقراءة التجربة السابقة، وتفادى أسباب فشلها، بدراسة وضع حلول واقعية ثقافيا ومجتمعيا، باعتبار أنها متطابقة بين الماضى والحاضر، فإن الحكم على التجربة بالإخفاق قد يتنامي، ويزيد من تصاعد الأصوات الرافضة، أو المشككة فى إمكانية نجاح التابلت مجددا. لذلك، أصبحت وزارة التعليم مطالبة أكثر من أى وقت مضي، بأن تقتنع بأن المخاوف من تطبيق التابلت فى التعليم «مشروعة» لأنها بنيت على أسس، وتكفى تجربة 2013، فآنذاك كانت الوعود بنجاح التجربة لا حدود لها، ثم فشلت لظروف لا حصر لها كانت خارج قدرات الوزارة، والآن، يتكرر الأمر نفسه فى صورة بالكربون تقريبا. نظام التعليم الجديد مقبول بنسبة كبيرة، ولكن آليات التنفيذ هى ما يثار حوله المخاوف بسبب الماضى السلبى عن أحد أهم أركانها (وهو التابلت)، فالناس لا يرفضون التطوير، بقدر ما تتمسكون بعدم تكرار تجارب كانت بعيدة عن الواقع، وكان فشلها أمرا واقعا.. إن قراءة تجربة 2013 والاطلاع على معوقاتها المتجذرة، كفيل بالمضى فى تجربة 2018 أو التريث قليلا لتجنب سلبيات ماضية، وحتما لاحقة. لمزيد من مقالات ◀ أحمد لطفى