الاحتفاء الكبير بظاهرة لاعب الكرة المصرى محمد صلاح والذى يلعب فى الدورى الانجليزى مع فريق ليفربول، ظاهرة لافتة للنظر بالنسبة لدراسى الظواهر الاجتماعية. لا بد من التفكير فى أسباب الأهمية الكبيرة التى يعطيها الجمهور العربى لهذه الظاهرة!. طبعا هناك أسباب ظاهرية يمكن رصدها، فلعبة كرة القدم هى ثقافة الجماهير, كما أن العرب ذوى الاهتمام الكروى أصبحوا مناصرين لهذه الفريق الكروى الاوروبى او ذاك، وهى من جهة اخرى تشفى غليل المنافسة الخشنة والتى هى لصيقة أيضا بغريزة التنافس الصراعى، ويظهر هذا التنافس حتى تعبيرات اللعبة مثل (وهز شباك الخصم) ولكن ذاك التنافس يخضع لشروط يعرفها كل من يمارسها، ولكن هناك العديد من مشاهير لعبة كرة القدم فى الفضاء الدولى والقادمين من بلاد مختلفة ليست غربية لم يجدوا كل هذا الاحتفاء، ومنهم عرب مثل زين الدين زيدان، كما هناك أبطال عرب على مستوى دولى فى عدد من النشاطات الرياضية. فى تقديرى أن الاحتفاء بمحمد صلاح، بجانب كل انجازاته التى لا تنكر، له علاقة بالتوقيت، وينم عن رغبة وحاجة قد تكون دفينة عند الجمهور العربى فى هذا الوقت بالذات للإعلان من خلاله، بان العرب والمسلمين ليسوا بالضرورة إرهابيين كما تصورهم الميديا والأوساط السياسية الغربية فى السنوات الأخيرة وعلى اصرار يبلغ التعميم ويدفع الى الكراهية. طبعا هناك عدد من العرب الذين برزوا على الساحات العلمية والفنية، ولكن فى زمن آخر لم يكن فى الفضاء العالمى هذا الجو المشحون بالكراهية العامة للمسلمين العرب أو ما يسمى اليوم بالإسلاموفوبيا، مثل المرحومين عمر الشريف فى عالم الفن والسينما والدكتور احمد زويل فى عالم العلم، والدكتور الرائد فى جراحة الطب مجدى يعقوب، كما كان يوصف فى ذلك الوقت وحصل على زخم من الاعلام فى ثمانينيات القرن الماضى حول شخصه. المنهجية غير العلمية التى نواجه، هو أن الغرب يصنف العرب كلهم إرهابيين عندما يقوم بعضهم بعمليات ارهابية، فيعمم الامر على الجميع، وعند نجاح احدهم فى مجال ما، رياضى او فنى او علمى، فهو مصرى او لبنانى او مغربى او سعودى، فى منهجية يمكن اختصارها من المثل الشعبى الذى يقول (الخير يخص والشر يعم). لا شك أن الجمهور العربى وقد وجد نفسه محاصرا فى عروبته وإسلامه وأمام تصرفات غير عقلانية من البعض وفى اصرارهم على القيام بعمليات ارهاب تتعدى أشخاصهم لتعمم على ثقافة كاملة، وبشر بتعداد مئات الملايين، هذا الجمهور فى حيرة، يرغب فى الاجابة عن سؤال لماذا هذا التعميم وتلك الكراهية والمطاردة؟ فيجد فى ظاهرة مثل محمد صلاح انقاذا لحيرته ومخرجا لحرجه. الهجمة على العرب المسلمين غير مسبوقة فى هذه الفترة الزمنية زادها الوضع السياسى الاقتصادى فى عدد من الدول الغربية تعقيدا، فدول غربية فى اوروبا والولاياتالمتحدة تتجه الى اليمين السياسى، وتضع كل مشكلاتها على الهجرة القادمة من دول عربية اسلامية تعانى من حروب أهلية، كما تذهب الولاياتالمتحدة إلى أبعد من ذلك، فتمنع علنا، وبشكل جمعى، مواطنى دول اسلامية من الدخول الى أراضيها. هناك فزع حقيقى لدى مسلمى أوروبا وأمريكا من موجة الكراهية التى تنتشر بين الفئات اليمينية التى تتحكم فى الكثير من القرارات السياسية فى تلك الدول، وكذلك النشاط المعادى لدى جمهور واسع، نتيجة موجة كراهية الآخر الذى (لا يشاركنا الموارد فقط، ولكن ايضا يعتدى علينا)! حتى اصبح العربى العادى فى شوارع تلك المدن مشكوكا فيه دائما ولا يأمن على نفسه. لا بد من القول انه فى الوقت الذى نقاوم فيه التعميم عند الحديث عن العرب المسلمين فى الأوساط الغربية، يجب ان لا نقع فى الخطأ ونعمم على الآخرين، فهناك جهود تبذل من جماعات مختلفة لمنع الكراهية أو التخفيف منها فى تلك البلدان، بل نحن نعرف أن هناك عضوين مسلمين فى الكونجرس الامريكي, وهناك قيادات متقدمة فى الأحزاب الغربية من أصول عربية أو مسلمة، كما ان هناك عددا من رجال السياسة البريطانيين من ذوى الملة المسلمة. فى الولاياتالمتحدة اليوم نحو ثلاثة ونصف مليون نسمة مسلمين، إحدى مشكلاتهم أنهم فى الغالب غير منظمين فيما بينهم كما ينتمون الى ثقافات إسلامية مختلفة، كثير منهم يشغلون أعمال متواضعة، وأيضا فى مستوى تعليمى متواضع، تلك العوامل تجعلهم مكتوفى اليد من الانخراط الفعال فى المؤسسات الناشطة، والتى يمكن من خلالها التأثير فى القرار الذى ينصفهم، وتلك سمة موجودة أيضا فى اوروبا، التى تعجز الجالية (العربية- المسلمة) عن الاستفادة الصحيحة من الفرص التى تتيحها المؤسسات الديمقراطية. فالظاهرة التى يجب ان تدرس فى هذا السياق ليس الاحتفاء بمحمد صلاح على اهميته ، ولكن أسباب ما يجب ان يدرس هو قصور فاضح فى تقديم الاسلام الحضارى، الذى حتى الآن، يقلل من فاعليته عاملان، الأول تلك الشرذمة من الإرهابيين، والثانى تلك الجماعة الجاهلة التى تفسر الاسلام بتفسيرات بعيدة عن العقل، وقد قصرت عن تقديم مصفوفة فقهية إسلامية مسايرة للعصر ومتفاعلة معه!. لمزيد من مقالات د.محمد الرميحى