تابعت أزمة السيول التي سقطت على منطقة شرق القاهرة وجبال القطامية وأسفرت عن غرق مناطق سكنية كاملة في القاهرة الجديدة والتجمع الخامس وما حولها وادت إلى سخط شديد بين سكان تلك المناطق وأشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين سخرية وغضب واتهامات بالفساد. والغريب أنه لم يمضى على أزمة سيول رأس غارب مدة طويلة حتى وقع ذلك الحادث المؤسف، ولا زلت أذكر كيف خرج علينا مجلس الوزراء بتصريح أن السيول لم تكن متوقعة، على الرغم من أن العالم كله يتابع ما يحدث من تغيرات مناخية، ويدرسون الأمر ويضعون خريطة تفاعلية لمعرفة المناطق التى سيحدث تغير مناخي فيها، وإلي أي شكل، لكن يبدو أن الحكومة المصرية ووزارة البيئة المعنية أساسًا بهذا الأمر، ترى أنه لا ضرورة لأن يكون هناك اهتمام لما قد يحدث لمصر في هذا الصدد ، و أن الموضوع لا يستحق البحث فيه، إذ كان يمكن أن تتم الاستفادة من تلك التغيرات بدلًا من إهدار فرص قد تعوضنا عن الكثير من نقص متوقع في الموارد وأهمها المياه. إنبرى أيضًا عددٌ لاباس به من المسئولين في التصريح بان الأمر تمت السيطرة عليه، بل وخرج عدد من الناس ممن لهم علاقة ما بوزراة الإسكان لتبرير عدم مسئولية الوزارة عن هذه الكارثة، وأن هذه الكوارث تحدث في حميع أنحاء العالم، لكن فاتهم أمرين، الأول هو أن مصر لم تكن تعرف هذه الأحداث المناخية الحادة التي اقتربت بشكل كبير من مناطق العمران، أو بمعنى أدق إقتربت منها مناطق العمران بعد إنشاء مناطق ومدن سكنية جديدة خارج نطاق الدلتا، أو بمناطق تعرف إصطلاحًا بالظهير الصحراوى، وهي مناطق لها طبيعة "طبوغرافية" ومناخية مختلفة قليلًا عن طبيعة وادى النيل المستقر مناخيًا نسبيًا. ثانيًا أن الكثير من المناطق المتضررة لم يتم إنشاؤها بمعرفة الوزارة أصلًا، وأن هناك الكثير من تلك المشاريع العمرانية نفذتها شركات مقاولات شهيرة، على هيئة تجمعات سكانية متطورة ذات خدمات مستقلة، لكن المطور العقارى لم يهتم فيما يبدو بدراسة طبيعة المناخ في تلك المناطق، ولا حتى اعتمد نظام بنائي يعتمد على الاستفادة من طبوغرافية المكان، فاستساغ البناء في المناطق السهليه المنخفضة والمنبسطة، لتقليل تكلفة البناء بقدر الإمكان، وربما لم يتوقع أن تلك المناطق التي عُرف عنها إصابتها بسيول موسمية قد تغرق فى تلك السيول يوماً ما، حيث تسقط الأمطار بشدة على سلاسل جبال البحر الأحمر في فترات معروفة، وقد تندفع تلك الأمطار بقوة في اتجاهات مختلفة بفعل الطبيعة الجغرافية للمكان كلما زادت كمية المياه، ويمكن أن تصل إلى تلك المناطق التى كانت خالية واصبحت الآن مأهولة بالسكان. لا شك أنه كان على وزارة الإسكان أن تُلزم هؤلاء المطورين العقاريين بالقيام بالدراسات المناخية والطبوغرافية اللازمة قبل الشروع في البناء، وهو أمر لازم لتجهيز البنية التحتية لتحمل تلك الأحداث المناخية التي قد لاتكون منتظمة لكنها خطيرة ومؤثرة وقد تكون مدمرة ايضًا. أخيراً فإن هذه الحادثة يجب أن تدق ناقوس الخطر، وأن تنبه الدولة إلى ضرورة إلزام أجهزتها بوضع معايير علمية دقيقة لمشروعاتها، وأن تدرك أن وظيفة الدولة ووزارة الإسكان في مثل تلك المشروعات، هو ضمان الالتزام الكامل بكل وسائل السلامة والتقنيات الحديثة، التي تضمن الحفاظ على الثروة العقارية من أخطار الطبيعة والأهم أرواح البشر من تلك التقلبات غير المرصودة وغير المتوقعة ايضاً. لا أظن أنه كان هناك فساد كبير في الطريقة التي تم بها بناء تلك المناطق، بل ربما تم اعتماد مواصفات قياسية لابأس بها، لكن ما غاب حقًا هو الرؤية المستقبلية وشروط التنمية المستدامة، وغياب فهم الطبيعة المناخية والطبوغرافية التي لا تغنى عنها دراسات التربة فقط، وربما كان ذلك بسبب نقص الخبرات التقنية في مجالات ضرورية لإدارة المشروعات لبعض المسئولين في وزارة الإسكان وهيئة المجتمهات العمرانية، كما هو الحال فى أماكن كثيرة ومنها مثلاً مؤسسات الإعلام والصحافة القومية ، وتلك رواية أخرى.