ما إن يحل الشتاء حتي تتجدد مخاوف السيول وكوارثه التي تأتي علي الأخضر واليابس، مثلما حدث العام الماضي في "رأس غارب" بالبحر الأحمر، ما دفع مجموعة من علماء الجيولوجيا يرأسهم د.عبدالعال حسن عطية نائب رئيس هيئة الثروة المعدنية السابق ومستشارها العلمي قبل بلوغ سن التقاعد لوضع أول خريطة قومية إلكترونية عن السيول وأبرز المناطق المهددة ليتيح لصانعي القرار اتخاذ الاجراءات الوقائية.. "آخرساعة" التقته في هذا الحوار باعتباره رئيس الفريق البحثي ليفتح لنا جعبته العلمية.. وإلي نص الحوار: • ما الدافع وراء تفكيرك في ذلك المشروع المهم؟ - بعد كارثة سيول رأس غارب وخسائرها الفادحة شكلت فريق عمل تابعاً للجنة الوطنية للعلوم الجيولوجية وهي أكبر جهة بحثية بمجال الجيولوجيا، يضم كلا من الدكتور ممدوح عابدين رئيس شعبة الجيولوجيا بالهيئة القومية للاستشعار عن بعد، وحسن عبدالسلام جمعة الخبير الجيولوجي وأبو الحجاج نصر الله مدير عام المحميات الطبيعية بالبحر الأحمر، وأحمد فوزي دياب بمركز بحوث الصحراء لوضع أول خريطة قومية للسيول تكون بمثابة إنذار مبكر ودليل استرشادي يعتمد عليه صناع القرار والهيئات المختلفة كهيئة التنمية الصناعية والسياحية والمحليات والمواقع السكنية ومحطات توليد الكهرباء والطرق والكباري تفادياً للكوارث المرتبطة بها وحماية لسمعة مصر في الأوساط الخارجية وكان جهدنا تطوعيا دون أي مقابل مادي ولم تقتصر أبحاثنا ودراساتنا علي تلك الخريطة فقط فنحن بالفعل نعكف علي إعداد أول خريطة قومية للزلازل والصدوع النشطة وإصدار آخر لمواقع تآكل الشواطئ وخريطة قومية لزحف الكثبان الرملية والتصحر. كيف أنجز فريقكم المشروع؟ وما الجهات المساندة لكم؟ - منذ التفكير في هذا المشروع حتي إخطارنا وزارة الري لمساندتنا وتزويدنا بالبيانات الخاصة بها وتم الاجتماع مع الأستاذة الدكتورة كريمة عطية رئيس معهد بحوث الموارد المائية أيدت الفكرة ولكن اصطدمت بنقص الإمكانيات حسب تصورها وقتها لنبدأ بمشروعنا القائم علي مسح مليون كم مربع هي إجمالي مساحة الجمهورية وبيانات أرصاد ل72 محطة أرصاد جوية وبيانات رادار وصور القمر الصناعي معتمدين علي جميع الدراسات السابقة المتوافرة في الهيئة المصرية للثروة المعدنية وهيئة الاستشعار عن بعد والجامعات وأكاديمية البحث العلمي ووصل عددها إلي 50 بحثا وبدأنا بوضع بيانات حول معدل سقوط الأمطار بالسنوات الماضية ومعدل البخر وسطوع الشمس في أربع دورات مناخية كاملة تبدأ من عام 1900 إلي 2016 وكلها مؤثرات علي السيول مع إبراز كميات أمطار الساحل الشمالي والتي تصل لكميات كبيرة ولا تتم الاستفادة منها وقمنا بإنجاز الخريطة خلال عام واحد. ما الأسس التي اعتمدت عليها الخريطة؟ - في بداية تنفيذ المشروع تم وضع خريطة أساس أو تمهيدية تم إدراج طبقات معلوماتية عن شبكة طرق المحافظات بها مع المناطق السياحية والصناعية والمناطق الزراعية وخطوط الكهرباء والمناطق السكانية لمعرفة تأثير السيول عليها والأماكن القريبة منها والأكثر تعرضا لها وهذا باستخدام أحدث برامج الحاسب الآلي والبيانات الفضائية والرادارية والطوبوغرافية وخرائط استخدامات الأراضي ونماذج الارتفاعات الرقمية والبيانات المناخية والجيولوجية لتحديد نسب التسرب للمياه ونسب الجريان السطحي لإنشاء ما يسمي نظام الإنذار المبكر كما تم رصد الخط المتوقع لجريان السيل به مع تحديد عمقه وسرعة جريانه وسعة مياهه ونطاق تجميع المياه ووصل عدد تلك الخطوط حوالي مليون و800 ألف خط سيل المعروفة بالمخرات والتي من المفترض تجميعها في 971 حوضاً سواء بداخل سيناء أو بنهر النيل والبحر الأحمر مع سرد تاريخ السيول التي عصفت بمصر منذ عام 1880 حتي 2016 بعدد ضحاياه وحجم التأثير والتدمير الذي خلفه وبالرغم من حجم الجهد المبذول إلا أن الهيئات المختصة أو المحافظات الواقعة في دائرة الخطر لم تهتم باقتناء تلك الخريطة أو تلقي لها بالاً اللهم إلا رئاسة الجمهورية. هل تختلف تلك الخريطة عن الخرائط التي يطلقها مركز تنبؤ وزارة الري؟ - وزارة الري تقوم بجهد كبير ولكن ما تم إنجازه حتي الآن مواقع متفرقة فقد أصدرت وزارة الري أطلس السيول في سيناء وأطلس آخر في أسوان ولديها خططها حسب إمكاناتها وانتهينا من عملنا وأعلنت تلك الخريطة، تواصل معي أحد الكوادر بوزارة الري وطلب نسخة وعرضها عليه وقوبلت بتشجيع منهم وطالبوني بنسخ منها فما كان ردي سوي خطاب رسمي إلي أكاديمية البحث العلمي وإلي الآن لا حس ولا خبر والمؤسف أن تلك الخريطة تعد نموذجاً استرشادياً أشمل وأعم مدرجاً به كافة المناطق المعرضة للخطر طبقا لصور الأقمار الصناعية الصادرة من هيئة الاستشعار عن بعد وتختلف عن النشرات التي يطلقها مركز التنبؤ والتي تتغير من يوم لآخر كما أنها شاملة لجميع أراضي الجمهورية وتحدد علاقة السيول بكل المواقع الاستراتيجية كي تتولي كل جهة مسؤوليتها تجاه السيول. ما أكثر المناطق تعرضاً للسيول؟ - تنقسم المناطق المعرضة لمخاطر السيول في مصر إلي أربع مناطق هي وادي النيل من القاهرة حتي أسوان (شرق وغرب النيل) والصحراء الشرقية (ساحل البحر الأحمر) وشبه جزيرة سيناء وبخاصة العريشوجنوبسيناء ومحافظة مطروح (الساحل الشمالي الغربي للبحر المتوسط) لكن أخطرها وادي العريش الذي يعد من أضخم الأودية وطبيعة تضاريس الأودية والمخرات صعبة المراس وبالرغم من أنه معلوم للمسؤولين مدي خطورته وكيف أن سيوله يمكن أن تودي بحياة الكثيرين لكنهم لا يهتمون بتأمين الطرق والسكك الحديدية وخطوط الاتصالات التليفونية والطرق والأراضي الزراعية والغريب أن الفراعنة كانوا هم أول من بنوا سدود إعاقة السيل وخزانات لتجميع المياه بالصعيد. هل حددت الخريطة طرق توجيه المياه للاستفادة منها لاحقا؟ - تعد السيول ثروة كبيرة تقدر ب15 مليار متر مكعب مياه لا يتم الاستفادة منها فمنطقة حيوية كحلايب وشلاتين من أبرز المناطق المعرضة للسيول ويمكن تجميع تلك المياه بخزانات للاستفادة منها وتطويعها في مشروعات زراعية ورعوية إلا أن المسؤولين بالمحافظات يكتفون فقط بأعمالهم الروتينية من تطهير للبلاعات وتهيئتها دون حتي معرفة شدة السيل والأماكن المتوقع نزوله بها لأخذ الحذر والحيطة سواء في السكك الخديدية أو خطوط التليفون ولك أن تعلم أن الساحل الشمالي يشهد سقوط أمطار لا نظير لكمياتها ولكن دون الاستفادة منها فطبقا لخريطتنا يستطيع المسؤولون بناء سدود إعاقة أو خزانات معتمدة علي طبوغرافية المكان علي غرار دول الخليج. ما العوامل التي تسهم في الحد من مخاطر الفيضانات والسيول؟ - التحليل الدقيق للتوقع بحدوث السيول وفترات تكرارها، أمر مهم للحد من أو تخفيف مخاطر الفيضانات، ويتم ذلك من خلال جمع المعلومات الخاصة بالفيضانات السابقة وتحليلها من خلال إنشاء شبكة من محطات قياس الأمطار والسيول لتسجيل شدة الأمطار والسيول، والاستفادة من السجلات والإحصاءات السابقة المتوافرة عن كميات الأمطار لدي بعض الجهات المعنية وإعداد خرائط توضح مسارات مجاري المياه ومناسيبها، إضافة إلي المناطق التي تكون معرضة للفيضانات والسيول، ومنع البناء والإحداث فيها. ماذا عن مشروع المثلث الذهبي بالصحراء الشرقية باعتبارك أحد صناعه والمروجين له؟ - يعد المثلث الذهبي الممتد بين قنا وقفط وسفاجا والقصير مشروعا قوميا ليس لثرواته التعدينية المتنوعة ما بين الزنك والفوسفات والجير فحسب بل يعد مشروعا تنمويا متكاملا سواء في الزراعة أو الصناعة وحتي السياحة فالمستثمرون يتلهفون علي تلك المنطقة الحيوية والتي لا يوجد لها مثيل في العالم ليطلقوا استثماراتهم فهناك احتياطي يقدر بحوالي 47 مليون طن من بعض الخامات المعدنية النادرة مثل النيوبيوم والتانتالوم تستخدم في الأجهزة الإلكترونية وتدعيم وتبطين المفاعلات النووية وتم الانتهاء من إعداد المخطط الرئيسي لمشروع المثلث الذهبي وقامت به إحدي الشركات الإيطالية ووضعنا في الاعتبار إنشاء مجمعات للأسمدة الفوسفاتية للاستفادة من احتياطينا من خام الفوسفات والذي يصل إلي 1.3 مليار طن بالإضافة إلي وجود نوعين من الصخور غير موجودين علي مستوي العالم وهي البريشيا الخضراء والسماق الإمبراطوري كأحد أندر أنواع الرخام وصخور الزينة. هناك انتقادات تم توجيهها لمشروع ربط النيل بنهر الكونغو باعتباره إهداراً للمال وغير مجد؟ - تعاني مصر من ضعف في مواردها المائية ويصل العجز إلي 50 مليار متر مكعب سنويا وبالطبع تم عرض بدائل لسد العجز أولها تحلية ماء البحر ولكن الحقائق تقول بأن التحلية ستكلف نحو 25 مليار دولار سنويا. والبديل الثاني كان يتمثل في استقطاب فواقد النيل من البخر والتسرب في التربة وهذا غير طبيعي وغير عملي. أما فيما يتعلق بنقل مياه نهر الكونغو إلي النيل والذي يعد ثاني أطول الأنهار بإفريقيا فالتكلفة ستكون 45 مليار دولار مرة واحدة طول العمر، علي عكس مزاعم وزارة الري بأنها تريليونات من الأموال والمثير أن حكومتي جنوب السودان والكونغو أبدت موافقتها المبدئية علي المشروع ولكن كان هناك تعنت من وزير الري السابق حسام مغازي بحجة عدم وجود دراسات حول المشروع فقدمت له 13 دراسة أيدت آراءنا.