خلال فصلي الخريف والربيع تتعرض مصر لموسم السيول بمنطقة جبال البحر الأحمر وسيناء وكلما اقترب قدوم الفصلين من كل عام نسمع من المحليات والجهات المعنية عن تزايد الاستعدادات لمواجهة خطرها الجارف. والاستفادة بمياهها فالطوارئ تبدأ في الأرصاد الجوية لملاحقة الأمطار والسحب من خلال الأقمار الصناعية وبدراسة اتجاهات الرياح وجميع العوامل يتم تحديد موقع السقوط قبلها بحوالي ثلاثة أيام لإبلاغ الجهات المسئولة.. لكن إلي متي سنظل ننتظر هذا الخطر القادم من فوق الجبال؟ ولماذا لاتكون هناك دراسات علمية مستفيضة لتحويل هذا الخطر الجارف لخير وافر ونستفيد بالأمطار المنهمرة في زيادة رصيد مصر من المياه بطرق علمية؟, خاصة أن هناك دراسات ونماذج تكشف عن حدوث تغيرات مناخية يمكن أن تؤدي لزيادة الأمطار علي مصر وزيادة حدوث السيول وأخري تشير لتراجع رصيد النيل من المياه.. إلا أن دراسات الأرصاد الجوية المستقبلية باستخدام أحدث الأساليب تشير إلي أن السيول ليس لها علاقة بأمطار الهضبة الاستوائية, وأن السيول محددة وكل ما في الأمر التركيز علي الحد من مخاطرها والاستفادة من مياهها.. إلا أن الأمر مازال يتطلب دراسة قومية موسعة ودقيقة يقوم بها علماء من أبناء مصر لتحديد ورسم نماذج مصرية دقيقة يتم بناء عليها اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية واستراتيجية لموقف مصر المائي ومواجهة السيول والاستفادة منها.. حول هذه القضية التي يتم طرحها كل عام وإيجابياتها وسلبياتها.. يقول العالم المصري الدكتور محمد عادل يحيي أستاذ الجيولوجيا والاستشعار عن بعد ونظم المعلومات بجامعة عين شمس ورئيس الهيئة القومية للاستشعار سابقا إن السؤال الأساسي هو: هل هناك تغير في المناخ العالمي؟, وهل نحن مقدمون علي وقت جفاف أم سقوط أمطار شديدة؟.. يستعرض الدراسات العالمية مشيرا إلي أنها تقدم نموذجين يعتمدان علي نفس التغيرات التي تم قياسها وتحديدها إلا أن النموذجين مختلفان تماما في توقعاتهما بالنسبة للتغير المناخي بالنسبة لمصر من حيث سقوط الأمطار وإيراد نهر النيل والسيول. فالنموذج الأول قام به مجموعة من العلماء الإيطاليين وهو يسمي النموذج الأوروبي وتوضح نتائجه أن الأمطار ستقل في منطقة الحبشة مستقبلا, وبالتالي سيقل فيضان النيل حيث ستنحرف السحب في المنطقة الاستوائية متجهة ناحية المحيط الهادي, وهذه النتيجة تعتبر كارثة, والنموذج الثاني يشير إلي انحراف السحب شمالا نحو جبال البحر الأحمر وتسقط عليها وعلي الساحل الشمالي المصري وشبه جزيرة سيناء وقام بهذا النموذج مجموعة من علماء الجامعات الأمريكية. والآن نحن أمام نموذجين منعكسين كما يوضح الدكتور عادل يحيي, فأحدهما يشير لجفاف شديد سنمر به والآخر لأمطار شديدة تسقط بمصر, ويسأل أي من النموذجين هو الصحيح, والحكم علي هذه النماذج لمن؟, يري كخبير استشعار أنه يجب قيام فريق من علماء مصر بإجراء دراسات دقيقة ومفصلة مع الاهتمام بعلوم النماذج الرياضية لأنها يجب أن تكون نماذج وطنية, لأنه سيعتمد عليها في اتخاذ قرارات سياسية وصناعية واقتصادية, فبالنسبة لنموذج الجفاف يجب قيام السياسيين والمسئولين باستراتيجية لمواجهة الموقف مثلا بالاتجاه لإنشاء محطات تحلية مياه البحر وتطوير أبحاثها وإيجاد مصادر أخري بديلة للمياه مثل الحفر العميق للمياه الجوفية وتنظيم استهلاك المياه وترشيده, أما في حالة ثبوت صحة النموذج الأمريكي وهو زيادة الأمطار علي السواحل المصرية وسلاسل الجبال فهذا الموقف يتطلب استراتيجية أخري مختلفة لمواجهة خطر السيول والاستفادة من المياه دون إهدار لها وذلك يتطلب إقامة السدود والمخرات لتخزين المياه وإنشاء طرق بعيدة عن مجري السيول أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة نحوها لحماية المنشآت والقري أسفل الجبال وجميع الحلول مكلفة وتحتاج لمليارات الجنيهات وقبل اتخاذ الخطوات اللازمة لابد من دراسات وطنية متعمقة لعلماء مصريين ليس لهم غرض سوي مصلحة مصر تصل لنماذج مؤكدة يتم عليها تنفيذ سياسات محددة. الأماكن محددة لماذا ننتظر؟! وبالنسبة للوضع الحالي للسيول يؤكد الدكتور يحيي أن الأمطار التي تسقط متوقعة ومحددة الأماكن والمجهودات التي تقوم بها الدولة والمحافظات عديدة ومشكورة لتجنب خطر السيول لكن يجب الاتجاه نحو الحفاظ علي المياه وتخزينها, وفي هذا الصدد أجريت دراسة مستفيضة وموسعة في هيئة الاستشعار عن بعد أشرف عليها المرحوم الدكتور حسن العتر تعتبر من أهم الدراسات لتفادي خطر السيول وتخزين المياه المتساقطة أعالي الوديان بطرق محلية غير مكلفة وفعالة, فبتخزين المياه في الأعالي نتجنب تدمير المنشآت والاحتفاظ بالمياه واستغلالها في أي وقت وذلك من خلال سدود إعاقة محلية في طرق نزول المياه من الجبل باستخدام كتل كبيرة من الحجارة فتعيق تقدم السيول وتحد من سرعتها بزيادة زمن وصولها الي المصب مما يسمح بنفاذ جزء من المياه من خلال الطبقات المسامية السفلية وتخزينها, وتعتبر هذه المرحلة أولية وغير مكلفة, ونسب وكميات المياه محسوبة والوديان ذات الخطورة محددة ومقسمة وفقا للمقاييس الحالية. أما المرحلة المتقدمة خاصة إذا صح النموذج الأمريكي الذي يتوقع هطول أمطار كبيرة بالسواحل المصرية وسلاسل الجبال فيجب عمل دراسات أكبر وأكثر تعمقا. إلا أن جميع هذه النماذج غير وطنية ويجب قبل اتخاذ أي إجراءات أو صرف أموال البدء بخطة تعتمد علي دراسات صادقة ليس لها أغراض يقوم بها علماء من أبناء مصر. كله معلوم.. ونحتاج لتحرك يقول الدكتور حسين زهدي صاحب المدرسة والدراسات المناخية العديدة وكبير خبير الأرصاد الجوية إن السيول عبارة عن أمطار غزيرة تحدث في المناطق الجبلية نتيجة دخول هواء بارد علي منطقة جبلية ساخنة ويحدث ذلك في مصر في منطقة جنوبسيناء علي سلسلة جبال سانت كاترين وسلاسل جبال البحر الأحمر في الصعيد, ويحدث ذلك في مصر في بداية فصل الخريف خاصة اعتبارا من منتصف أكتوبر لأن المنطقة ساخنة خلال فترة الصيف وعندما يبدأ الخريف ويغزو الهواء البارد القادم من أوروبا مصر وبالذات في المناطق الجبلية يتسبب في حدوث درجة عالية من الاستقرار نتيجة أن الهواء البارد يصبح أكثر سخونة فيكون أخف في الوزن من الكتلة التي تعلوه فيندفع لأعلي حاملا كمية كبيرة من بخار الماء نتيجة مروره علي البحر الأبيض المتوسط قبل دخوله لمصر, وبصعود الكتلة الساخنة المحملة بالمياه وبلورات الثلج ثم يسقط المطر بشكل كثيف علي مناطق تجمع فوق الجبل ويندفع لأسفل بسرعة كبيرة حاملا معه كل ما يصادفه من أحجار أو مواد صلبة موجودة علي سطح الجبل فيسبب ذلك دمارا شديدا عند القري التي توجد في أسفل الجبل عند سفح الجبل ويقتلع الطرق والمنشآت, ويري أنه يجب أن نتماشي مع الطبيعة ولانقاومها وللأسف يتم تشييد الطرق بدون مراعاة حدوث مثل هذه الظاهرة مما يتسبب معه كل مرة كوارث وإتلاف هذه الطرق فيجب عمل أنفاق في مخرات السيول أسفل الطرق فتمنع جرف الطريق بالماء وتمر من الناحية الأخري. مياه مصر مستقرة وحول الأبحاث المستقبلية التي أجراها خبراء هيئة الأرصاد الجوية يشير الدكتور حسين زهدي إلي أنه أشرف علي البحث في الثمانينات وتم فيها محاكاة فيضان النيل من خلال البيانات المتاحة عن الفيضان أكثر من120 سنة وباستخدام النماذج والأساليب الرياضية الحديثة ومنها الإحصاء الطيفي الذي يصل بنا للمسببات الحقيقية وكشف البحث عن وجود10 دورات مؤثرة علي فيضان النيل يبلغ طول أقصر دورة7 سنوات كما جاء القرآن الكريم وتتكرر الدورة الكبيرة كل155 عاما, ثم تعود الدورة مرة أخري وباستخدام المنحني المنضبط ثم إيجاد منحني محاكي لمنحني الفيضان, وتم التنبؤ بكميات الفيضان للسنين المقبلة حتي عام2070 ووجد أنها لن تتغير بل أنه سيحدث للفيضان ذبذبات بالزيادة والنقصان إلا أنها تميل أكثر للزيادة كما يشير متوسط المنحني. وكون أن نشاط السحب سيستمر فوق منطقة الحبشة وأن ذلك يكون مؤشرا لعدم حدوث تغير جوهري في المناطق المطيرة وبالتالي مناطق السيول. وبالنسبة لما يردده بعض علماء العالم عن التغيرات المناخية ودورها في تغير السيول يقول الدكتور زهدي أصبحت المدن غابات من الأسمنت ومزدحمة مع تزايد التلوث نتيجة السيارات والنشاط الصناعي المكثف وزيادة المياه الأرضية السطحية أدي لزيادة الإحساس بالحرارة وهو تغير محلي لكن ليس هناك تغيرات علي مستوي الكرة الأرضية في المناخ, وهذا ما تشير له الدراسات العلمية الجادة التي لاتهدف لأغراض أو سياسات معينة. ويقول الدكتور محمد عيسي رئيس هيئة الأرصاد الجوية من المعروف أن فصل الخريف يعد موسم السيول الرئيسي في مصر ويليه فصل الربيع وتكشف لنا الأقمار الصناعية وخرائط الطقس قبلها بفترة بإبلاغ الجهات المعنية والمسئولة بالأماكن المتوقعة التي ستتعرض للسيول لاتخاذ الإجراءات اللازمة وقبل وقوع السيل بحوالي3 ساعات بعد دراسة بيانات الأقمار الصناعية بدقة يتم إبلاغ المسئولين عن وقوع سيول قريبة بالمنطقة التي تم تحديدها لاتخاذ الإجراءات السريعة اللازمة لحماية الأرواح والمنشآت الأطلس المنسي ويقول عالم مصادر المياه الدكتور مغاوري شحاتة الرئيس السابق لجامعة المنوفية والذي قام بالعديد من الأبحاث والمشروعات العلمية والتطبيقية في مجال السيول إن ظاهرة السيول طبيعية, ترتبط بالظروف المناخية والطبيعة الجيولوجية والتضاريس, وفي مصر يوجد مناطق مشهورة بالسيول وهي أحواض الصرف والوديان علي امتداد ساحل البحر الأحمر, ومناطق استقبال الامطار لهضبة الصحراء الشرقية الموازية لوادي النيل, ومناطق أحواض الصرف والوديان في سيناء, وعلي الساحل الشمالي الغربي ويبلغ حصاد الأمطار من الساحل نحو مليار متر مكعب فقط حيث يذهب للبحر نحو10 مليارات متر مكعب, وجزء يتسرب للخزان الجوفي المتواضع. وتعد منطقة البحر الأحمر أهم مناطق استقبال السيول, حيث يصل حجمها2 مليار متر مكعب, ويختلف بعدها من الشاطئ من عشرات الأمتار إلي بضعة كيلومترات, وتمثل السهل الساحلي وهو محدود للغاية, وسلاسل الجبال مكونة من صخور القاعدة الجرانيتية والبازلتية الصلبة, وشكلت الأمطار علي مدي التاريخ مجاري طبيعية لها, لتكون في النهاية حوض الصرف, وتختلف أشكالها وكثافتها وأطوالها وشدة الانحدار, والبحر يستهلك نحو60% من المياه وللأسف دون استفادة من هذا الخير, والوديان في اتجاه البحر تشكل منطقة مستوية فتستهوي البعض في إقامة منشآت وللأسف تكون في مجري الوادي مخر سيول وهي عرضة للسيول الجارفة مثلما حدث في العريش وتعرض مستشفاه للسيل العام الماضي, ورغم أن الجميع يعرفون أنه مخر سيل يقومون بالبناء فيه, وتم عمل بعض المشروعات للاستفادة من مياه السيول وتقليل مخاطرها من ناحية البحر الأحمر, أما ناحية النيل أقل خطورة, وفي سيناء تتعرض عدة مناطق للسيول سواء في الجنوب والوسط أو الشمال في العريش, وكثير من السيول تمكن ترويضها لكن بالأخذ بالأسباب العلمية وتعاون الوزارات والهيئات المعنية, فللأسف عند حدوث السيول نفاجأ بعدم تطهير مجراها رغم العديد من التصريحات من المسئولين. ويكشف لنا الدكتور مغاوري شحاتة عن أنه اقترح عمل أطلس للوديان بالصحراء المصرية يبدأ من ساحل البحر الأحمر ويتضمن جميع المجاري والوديان وأحواض الصرف الجافة من خلال الخرائط المساحية وبيانات الأقمار الصناعية والاستشعار عن بعد والصور الجوية, وأمكن بالفعل انجاز أجزاء منه ببعض المناطق منها القصير والغردقة وبالمنطقة الصناعية بسوهاج, وبكل من منطقتي رأس بنياس ومرسي علم لصالح هيئة التنمية السياحية, باستخدام نمط موحد لأنه أطلس منهجي, وتقدمت بمشروع متكامل لأكاديمية البحث العلمي لاستكمال بناء هذا الأطلس, كما بعثت للدكتور نصر علام وزير الموارد المائية لاستكمال باقي المشروع, ولم يصل الرد بعد من الطرفين, ونحن في الانتظار.