تعرضت بعض المناطق فى مصر لسيول عارمة فى الآونة الأخيرة، مما جدد الدعوة لتناول تلك الظاهرة بالدراسة والبحث العلمى الدقيق، خاصة أنها قابلة للتكرار فى مناطق أخرى من البلاد، فى حين توصى دراسات الخبراء والمتخصصين، برفع القدرات لمواجهة تلك السيول، بهدف تقليل مخاطرها مع الاستفادة من مياهها العذبة المهدرة، وقدرها نحو مليارى متر مكعب، وفق رأى بعض الخبراء. يقول الدكتور مغاورى شحاتة، رئيس جامعة المنوفية الأسبق، وخبير المياه: إن اختيار الأسلوب العلمى فى معالجة ظاهرة السيول باعتبارها أحد مصادر المياه العذبة هو الطريق الوحيد لمواجهة المشكلة، مشيرا إلى أن زمن هطول الأمطار والسيول يبدأ من أول أكتوبر حتى مارس، ويكون ذلك فى مناطق ساحل البحر الأحمر، وسلسلة جبال الصحراء الشرقية، بشرق الصعيد. ويضيف أن الوعاء الذى يحمل تلك المياه يكون فى شكل أحواض صرف، مشيرا إلى أنه تنتشر فى الصحراء المصرية أحواض الصرف التى ملئت من خلال السيول، كما أنها موجودة فى سفوح الجبال، وتنحدر فى اتجاه البحر، بمناطق سلاسل الجبال، البعيدة عن البحر، وبعضها قريب من البحر. ويؤكد أن تلك المناطق ذات الكثافة العالية من الأمطار، التى تذهب للبحر، بعضها يطل على سطح الوديان، وكلها مياه يمكن الاستفادة منها، مشددا على أن السيول فى مصر نعمة عظيمة، شريطة أن نحسن التحكم فيها، علما بأن هناك العديد من الطرق للوقاية، والاستفادة من مياه السيول، وفق قوله. أطلس للسيول ويؤكد الدكتور مغاورى أنه من مخاطر السيول أنها تجىء فى أوقات نكون غير منتبهين لحدوثها، موضحا أنه تم فى عام 1997 حتى عام 2004 مشروع إنشاء أطلس السيول والوديان فى مصر، بالمشاركة بين هيئة المساحة الجيولوجية وأكاديمية البحث العلمي.وقد توصل هذا المشروع، وفق قوله، إلى تحديد الأماكن الخطرة فى بعض وديان الصحراء الشرقية بمناطق مرسى علم، وسفاجة، والقصير، واستكملت الدراسات فى مناطق حلايب وشلاتين وشرق سوهاج، وقد اعتبرت منطقة الكوارث فى سوهاج. يقول: «كنت رئيس لجنة السيول والكوارث، وقد انتهت اللجنة فى نتائجها إلى إمكان الاستفادة من تخزين أمطار السيول فى خزانات، وتحويل مسارها، وتجميعها، والاستفادة منها من خلال إنشاء «هرابات» ضخمة فى شكل حفر عميقة بحيث لا تصل كميات المياه إلى البحر دون الاستفادة منها». ويضيف: «هناك أيضا طرق للوقاية من السيول تتمثل فى استغلال الانخفاض فى الطرق الإقليمية مثل طريق المنياالبحر الأحمر، وطريق سوهاجالبحر الأحمر، من خلال إنشاء كبارى أو فتحات تتكافأ فى فتحاتها مع كميات المياه، قائلا: «حددنا طرق الحماية، وطرق الاستفادة، لكن المشروع توقف». تدمير الشعاب ويتابع الدكتور مغاورى حديثه: أتفق مع الرئيس السيسى عندما طلب من أساتذة الجامعات وضع الحلول للاستفادة من مياه السيول، لذا سأسعى لاستكمال هذا الأطلس مع المتخصصين فى دراسات المياه السطحية، وأحواض الصرف، خاصة أن ظاهرة سقوط السيول على الدلتا والإسكندرية جديدة. ويضيف: «لا بد من دراسة التنبؤ، ومتابعة حركة جريان المياه، وتحويل مسارات السيول«، مشيرا إلى أن نحو مليارى متر مكعب هو حجم مياه السيول، وكميات كبيرة منها، تذهب للبحرين الأحمر والمتوسط، وتمثل ضررا على البيئة، إذ تسهم فى تدمير الشعاب المرجانية. أضرار.. وفوائد من جانبه يقول الدكتور مجدى عبدالله، خبير المياه بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية إن السيول هى تجمع لمياه الأمطار بكميات كبيرة، واندفاعها بشدة خلال شبكات الأودية المنتشرة بالأماكن المرتفعة. وتعمل الأمطار المصاحبة للرياح على نقل المواد المفتتة، وتفتيت أجزاء أخري، وتقوم الأمطار بنحت الصخور الجيرية والطباشيرية، فتتكون الأخاديد والجروف الصغيرة، كما فى شبه جزيرة سيناء. ويضيف أن السيول تكتسح ما يقابلها من طين ورمال وحصي، بحيث تعطى العكارة واللون الأصفر لمياه النيل عند وصولها اليها، وعند وصول مياه السيول للسدود التى تبنى للحماية، فإنها تفقد سرعتها، ويترسب ما تحمله من رمال وطين وحصي؛ لذلك لا بد من عمل الصيانة الدورية لهذه السدود. ويوضح الدكتور مجدى عبد الله أنه بالرغم من الآثار السلبية للسيول، ومنها خسائر بشرية، إلا أنه يكون هناك أيضا هدم للمنازل، وتشريد للسكان، وتلوث لمياه الترع ونهر النيل، لاسيما عند وصول مياه السيول إليها، مع انتشار الأوبئة والأمراض فى الأماكن المنكوبة، بالإضافة إلى انتشار لدغات العقارب والثعابين التى تجلبها مياه السيول معها من الجبال. ويضيف: نجد العديد من الآثار الإيجابية للسيول، ومنها تغذية خزانات المياه الجوفية، وتشبع الأراضى التى تمر بها السيول بالمياه، مما يجعلها خصبة وصالحة للزراعة، كما يمكن استخدامها فى الرى والشرب، إذا أحسن تخزينها. ويضيف أنه لتلافى الآثار السلبية يجب الاهتمام بالدراسات الخاصة بالأماكن المعرضة للسيول، مشيرا إلى أن دراسة التاريخ السيلى للمنطقة يشمل العواصف المطيرة، وعمل التصميمات على العواصف ذات الزمن التكراري، لتوفير أقصى درجات الحماية، بالإضافة لتحليل المعلومات الخاصة بطبيعة الأمطار للمنطقة، وكذلك دراسة الوضع الجيولوجى لها، وتحليل تضاريس المنطقة، وأثرها على المنطقة العمرانية، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي، ووضع خطة للحماية والوقاية من أخطار السيل، وكذلك وضع سيناريوهات لمحاكاة الكارثة المحتملة، وبالتالى تلافى آثارها. مساران بالصعيد وعلى الجانب الآخر، يشير الدكتور مجدى أبو ريان، رئيس جامعة المنصورة الأسبق، ومدير مركز أبحاث ومشروعات المياه بالجامعة، إلى وجود سدين أحدهما خرساني، والآخر ركامي، فى سيناء، لكن الأخير لم يتحمل مياه السيول، وفق وصفه. ويضيف أن السيول بعضها سنوي، وبعضها عشوائى غير مستمر، أما النوع الخطير فهو شبه السنوي، الذى يمثل خطورة على البيئة والأحياء المائية والبرية؛ لذلك لا بد من توفير سبل الاستفادة القصوى من مياه السيول، والاستشعار عن بعد للاستفادة منها، وفق قوله. وعن إمكان استخدام تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، يقول الدكتور زكى زيدان، نائب رئيس جامعة المنصورة لخدمة المجتمع وتنمية البيئة: «لا بد من استخدام تلك التقنية لتحديد الأماكن المنخفضة التى سيتم فيها إنشاء السدود لحماية المنشآت، علما بأن هناك تقنية عالية التكلفة إلى حد ما، لكن مردودها عظيم لإنتاج طاقة نستفيد منها، وذلك فى منطقة سيناء. ويوضح أنه بالنسبة لمناطق الصعيد هناك مساران رئيسان هما الطريق الرئيسى من الإسكندرية إلى الصعيد، والآخر مواز له فى منطقة الوادي، مشددا على أنه لا بد من طرق عرضية تساعد فى إنشاء مدن جديدة. ويختتم حديثه بالقول إن تكنولوجيا الاستشعار عن بعد تسهم فى توفير الخرائط الطبوغرافية التفصيلية، التى يتم من خلالها إنشاء السدود التى يتم تخزين المياه فيها، وفق سرعة المياه، مشددا على أنه لا بد من أن تكون السدود ذات مواصفات تقييمية على أساس ارتفاع المياه، وكمياتها، واندفاعها، بحيث يتم تحديد السدود، وتصميمها، بحسب نوع الاستفادة منها، حيث تكون للزراعة، والشرب، أو لإنتاج الطاقة، حسبما قال.