كشف حادث السيول والأمطار الغزيرة التى استقبلتها المحافظات الساحلية أخيراً عن فشل كبير فى الاستفادة من هذه المياه نتيجة غياب الرؤية وسوء التخطيط، لتتحول الأمطار إلى أسباب للموت والدمار بدلاً من أن تكون سبباً فى الحياة. ويؤكد الدكتور مغاورى شحاتة أستاذ بحوث المياه ورئيس جامعة المنوفية سابقا، أن مصر بها مناطق تتعرض باستمرار للسيول وهى أحواض الصرف والوديان على امتداد ساحل البحر الأحمر، ومناطق استقبال الامطار فى هضبة الصحراء الشرقية الموازية لوادى النيل، ومناطق أحواض الصرف والوديان فى سيناء، وعلى الساحل الشمالى الغربي، وتستقبل هذه المناطق نحو 16 مليار متر مكعب من المياه حصيلة السيول التى بدأت تستقبلها سنوياً محافظات مصر الشرقية والمناطق الساحلية يتم إهدار 98% منها وصرفها فى مياه البحر، ويتسرب جزء بسيط للخزان الجوفى المتواضع. ويوضح أستاذ بحوث المياه أن منطقة البحر الأحمر أكثر المناطق تعرضا للسيول، حيث يصل نصيبها من مياه السيول إلى 2 مليار متر مكعب سنوياً، ويتساقط جزء من الأمطار فى السهل الساحلى المحدود للغاية والذى يبعد أحياناً عن الشاطئ عشرات الأمتار وأحياناً أخرى بضعة كيلومترات، كما تتساقط الأمطار على سلاسل الجبال المكونة من صخور القاعدة الجرانيتية والبازلتية الصلبة، والتى شكلت الأمطار بها على مدى التاريخ مجارى طبيعية لها، وتختلف أشكالها وكثافتها وأطوالها وشدة انحدارها، فالبحر يستقبل نحو 98% من المياه دون استفادة من هذا الخير الذى يتحول إلى شر لعدم الاستفادة منه. ويلفت الدكتور مغاورى إلى أن الوديان فى اتجاه البحر تشكل منطقة مستوية تستهوى البعض لإقامة منشآت، وللأسف تكون فى مجرى الوادى «مخر سيول»، وهى عرضة لأخطار السيول الجارفة مثلما حدث فى العريش من قبل عندما تعرض مستشفى للسيل. ويشرح أستاذ بحوث المياه أن السيول تنجم عن الأمطار الغزيرة فى فترة قصيرة من الوقت وعادة تكون فى فترة زمنية أقل من6 ساعات,، وتتسبب عادة فى تدمير الشوارع فى المدن أو الوديان الجبلية وتجتاح كل شيء أمامها فى غضون دقائق أو بضع ساعات. وحول طرق الوقاية من السيول، ينصح الدكتور مغاورى شحاتة بالإخلاء السريع للمنطقة المعرضة للسيول، وفى هذه الحالة لابد أن يلجأ المواطنون إلى أراض تكون أكثر ارتفاعا، مع مراعاة الخروج من المناطق المعرضة للسيول, والبعد عن المناطق المنخفضة ، وتجنب عبور المجارى المائية ذات التدفق العالي،, وكذلك تجنب قيادة السيارات أو ركوب الدواب فى الطرق التى تعرضت للسيول، واللجوء الى أراض مرتفعة، فالارتفاع السريع فى المياه قد يغمر السيارة وركابها، ومن الضرورى تجنب الوجود فى الخلاء أو المعسكرات أو الحدائق على طول مجارى المياه، كما يجب غلى مياه الشرب قبل استعمالها لتجنب انتشار الأمراض، وتوفير الغذاء والمأوى والاسعافات الأولية وفرق الإنقاذ السريع والفرق الطبية المجهزة، وتدريب السكان بمناطق السيول على تدابير السلامة الأساسية,، مثل الإسعافات الأولية والإنعاش القلبى الرئوى واستخدام طفايات الحريق, وإغلاق محابس المياه والغاز والكهرباء، وكذلك تعليم الأطفال كيف يتم الاتصال بفرق الانقاذ وتجميع المستلزمات المهمة والاحتياجات الأساسية فى حالة الاخلاء، وتوفير حقائب الظهر وحقائب واقية من المطر . من جانبه يقول الدكتور أسامة حسين شعبان أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة المنيا أن كل ما نفعله حاليا هو الحد من مخاطر السيول دون الاستفادة منها رغم أنه يمكننا أن نستغل الأمطار المنهمرة فى زيادة رصيد مصر من المياه بطرق علمية لتساهم فى تنفيذ المشروعات الزراعية والتنموية الجديدة، خاصة أن هناك دراسات ونماذج تكشف عن التغيرات المناخية التى يمكن أن تؤدى لزيادة الأمطار على مصر وهى أمطار ليست لها علاقة بأمطار الهضبة الاستوائية. ويوضح أستاذ الجغرافيا الطبيعية أن هناك نموذجين لدراسات دولية عن السيول التى تتعرض لها مصر، الأول لعلماء أمريكيين يشير إلى انحراف السحب شمالا نحو جبال البحر الأحمر وأنها ستسقط عليها وعلى الساحل الشمالى المصرى وشبه جزيرة سيناء أمطارا غزيرة تتحول لسيول، وأجرى هذا النموذج مجموعة من علماء الجامعات الأمريكية، والنموذج الثانى لعلماء إيطاليين وتوضح نتائجه أن الأمطار ستقل فى منطقة الحبشة مستقبلا، وبالتالى سيقل فيضان النيل، حيث ستنحرف السحب فى المنطقة الاستوائية متجهة ناحية المحيط الهادي، وهذه النتيجة تعتبر كارثة، لأنه سيتم الاعتماد عليها فى اتخاذ قرارات سياسية وصناعية واقتصادية. ويرى الدكتور أسامة حسين أنه يجب وضع استراتيجية لمواجهة الموقف فى حالة حدوث النموذج الإيطالي، وذلك بالاتجاه لإنشاء محطات تحلية مياه البحر وتطوير أبحاثها وإيجاد مصادر أخرى بديلة للمياه مثل الحفر العميق للمياه الجوفية وتنظيم استهلاك المياه وترشيده. أما فى حالة ثبوت صحة النموذج الأمريكى وهو زيادة الأمطار على السواحل المصرية وسلاسل الجبال فهذا الموقف يتطلب استراتيجية أخرى مختلفة لمواجهة خطر السيول والاستفادة من المياه دون إهدار لها، مما يتطلب إقامة السدود والمخرات لتخزين المياه وإنشاء طرق بعيدة عن مجرى السيول أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة نحوها لحماية المواطنين والمنشآت والقرى أسفل الجبال، ويؤكد أنه رغم أن جميع الحلول مكلفة للغاية وتحتاج إلى مليارات الجنيهات إلا أنها ضرورية ولابد من تنفيذها. وللاستفادة من مياه السيول يقول أستاذ الجغرافيا الطبيعية إنه يمكن عمل خط أنبوبى بطول امتداد الصرف المائى النيلى للوقاية من خطر السيول بالإضافة إلى إقامة خزانات أو مجار تحت الأرض لصرف المياه وحماية المدن والقرى المعرضة للسيول، وعمل نظام الكترونى متكامل تربطه وحدة تحكم عن بعد بحيث يتم عن طريقه فتح الخزانات بطريقة أوتوماتيكية، كما أن إنشاء مخرات سيلية على جانبى القرى الواقعة على المناطق المعرضة للسيول يسهم فى خفض الخسائر أثناء سقوط الأمطار الغزيرة، حيث تقوم بتوزيع المياه لمناطق يتم الاحتفاظ بها لاستخدامها فيما بعد فى أعمال الزراعة أو كمياه للشرب بعد تنقيتها، كما لابد من إنشاء أطلس لمصر عن المناطق الحرجة المعرضة لأخطار السيول وتعميم نظام الإنذار المبكر للتنبؤ بالسيول الذى يتم تشغيله حاليا فى عدد من المحافظات ليشمل محافظات الوجه القبلى وسيناء . أما الدكتور سامح صقر، رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الري، فيؤكد أن القطاع حدد مواقع مخرات السيول للأودية النشطة والمنشآت الحيوية، والمنشآت الخاصة بالتحكم فى سريان المياه بالأودية ومخرات السيول، وتم الانتهاء من أعمال الصيانة وتدبير المعدات اللازمة لمواجهة أخطار السيول وترميم وحماية الجسور من الانهيارات المتوقع حدوثها نتيجة اندفاع المياه وشدة هطول الأمطار واستمرارها، مشيرا إلى أن اجمالى الآبار الجوفية التى تم إنشاؤها بشمال ووسط سيناء بلغ 138 بئرا بتكلفة بلغت 106 ملايين جنيه، وانتهى حفر 6 آبار بوسط سيناء (مركزى الحسنة ونخل) بتكلفة 39 مليون جنيه، وجار تجهيزها لرى 300 فدان، كما يجرى حفر بئرين بتكلفة 10 ملايين جنيه لرى 100 فدان بوسط سيناء، وطرح عدد 4 آبار بوسط سيناء أيضاً لرى 200 فدان بتكلفة 10 ملايين جنيه. من جانبه يرى اللواء محمد حسين نائب رئيس الدفاع المدنى السابق أن المشكلة الكبرى فى تعاملنا مع السيول هى عدم الاستعداد وتطبيق قاعدة التحرك عند وقوع الكارثة، فالمفروض أن تكون هناك سيناريوهات للتعامل مع أسوأ التوقعات وتوفير إمكانات للتدخل السريع لاحتواء الأزمة، فمثلاً إذا كانت هناك خطة واضحة فى الإسكندرية للتعامل مع الأمطار الغزيرة سيكون من الطبيعى فصل التيار الكهربائى عن شبكة الأسلاك الهوائية للترام وهو إجراء بديهى عند التعرض للعواصف فضلا على كونها مصحوبة بأمطار غزيرة مما سيؤى إلى تجنب وفاة الأبرياء صعقاً بالكهرباء، كما يمكن إصدار قرارات فورية بكسر وازالة أجزاء من سور الكورنيش بأماكن تجمع المياه أو ازالة رصيف الجزيرة الوسطى للشارع فى بعض المناطق إذا لزم الأمر.