كلما اقترب الشتاء تجددت مخاوف المصريين من تكرار كوارث السيول وأخطارها، التي تجلت العام الماضي في أحداث مدينة رأس غارب بالبحر الأحمر، عندما استيقظت المدينة الهادئة علي سيل عارم أودي بحياة عشرات الأشخاص، ودمر عشرات المنازل. وزارة الري استعدت جيدًا لإدارة الأزمة بكافة إداراتها وقطاعاتها وعلي رأسها معهد بحوث الموارد المائية، الذي يقوم بتجهيز خرائط التنبؤ وتحديد أخطر مخرات السيول إضافة لشبكة من محطات الأرصاد الأرضية لقياس معدل هطول الأمطار وجريانها وإخطار المحافظات بالنتائج لأخذ حذرها.. وتنال سيناء نصيب الأسد من التجهيزات باعتبار وادي العريش أخطر مخرات السيول بمصر، هذا ما كشفت عنه الدكتورة كريمة عطية، مدير المعهد خلال حوارها ل»آخر ساعة» في السطور التالية.. • متي تم إنشاء المعهد وما اختصاصاته؟ - يعدُّ المعهد أحد المراكز البحثية الاثني عشر التابعة للمركز القومي لبحوث المياه وتم إنشاؤه بموجب قرار جمهوري سنة 75 ويتولي مهمة تنمية الموارد المائية بمصر، ويتكون من أربعة أقسام أولها دراسات حوض النيل ويعمل علي تقييم مشروعاتها لتقليل الفواقد وتعظيم حصة دول حوض نهر النيل ومنها مصر، أما ثاني الأقسام فيقوم بدراسة الأمطار والسيول وطرق حصادها وإدارتها سواء بإنشاء سدود أو مخرات عن طريق محطات الأرصاد الأرضية ومركز التنبؤ، كما يهتم قسم المياه الجوفية بمياه سيناء فقط، ورابع الأقسام هو إدارة وتخطيط الموارد المائية بالبحث عن وسائل وموارد جديدة للمياه ويعمل بالمعهد فنيون ومهندسون حاصلون علي شهادات عليا ويمتلكون وعيًا بكيفية إدارة مواردنا المائية. مهمة البحث عن موارد مائية جديدة ليست سهلة في ظل الزيادة السكانية وثبات حصتنا من مياه النيل، كيف يقوم المعهد بمهمته؟ - تعاني مصر من حالة شح مائي شديد منذ عدة سنوات، فحصتنا من مياه النيل المقدرة ب55,5مليار متر مكعب ثابتة منذ عام 59 إلي الآن بالرغم من زيادتنا السكانية التي تخطت المائة مليون نسمة، لذا فإن وزارة الري موكلة بمهمة البحث عن موارد جديدة والحفاظ علي أي نقطة مياه من خلال معاهدها المتخصصة، ويعدُّ معهدنا أحدها فيقوم بحصاد مياه الأمطار والسيول خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه كسيناء إضافة لاكتشاف آبار مياه جوفية التي يعتمد عليها البدو في زراعاتهم وحياتهم اليومية إضافة لمعاهد موكلة بإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والصحي وتطوير سلالات ومحاصيل لا تستهلك مياهًا كثيرة. ما التعريف العلمي لموسم السيول؟ وأسباب تجليه بمصر في السنوات الأخيرة؟ - السيول ظاهرة طبيعية تعني سقوط أمطار غزيرة أعالي الجبال ومنها إلي المناطق المنخفضة وتزداد سرعتها التدميرية من 70 إلي 100 كيلومترفي الساعة ويتم تجميعها في المسارات المعروفة بالأودية المرتبطة بالمسطحات المائية الكبري كالبحر الأحمر وخليج السويس، ويتم الاستفادة منها في إنشاء قري سياحية وتجمعات سكنية، ولكن إذا افتقدت الأمطار لمسارات وأودية فإنها تتحول إلي سيل جارف يدمر الأخضر واليابس كما حدث في العام الماضي، وبالرغم من أن مصر تعدُّ من الدول التي تعاني ندرة في مياه الأمطار إلا أن التغيرات المناخية في الفترة الأخيرة وتفاقم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أدي إلي تغيير مواقع الأمطار وكثافتها وتكراريتها بل إن هناك مناطق بعينها لم تشهد أمطارا منذ يزيد علي نصف قرن ولكن بالسنوات الأخيرة باتت من أخطر المواقع، كمدينة طابا التي شهدت سيلا جارفا في 2014 فمنذ 2010 تغيرت الخريطة بعد أن كنا نواجه سيلا كل أربع أو ست سنوات بتنا نواجه سيلا كل عام، وقد يتكرر في العام الواحد أكثر من مرة. كيف يتنبأ المعهد بالسيول؟ - يضم المعهد مركزا للتنبؤ بالأمطار وشدتها قبل هطولها بثلاثة أيام إضافة لكمياتها بالملليمترات التي من الممكن أن تتحول إلي سيول ويتم إرسالها إلي أكثر من 200 جهة بكافة المحافظات وإدارة الأزمات للقيام باستعداداتهم من غلق الطرق لفترة معينة وإخطار الأهالي بالابتعاد، ونقوم كل ساعة برسم خريطة تنبؤات لتحديد توقيت هطول السيول وفق برامج عالمية، وغالبا ما تقل مصداقية التنبؤ بمرور اليوم الأول حتي الثالث، لذا يتم التنبؤ يوميا وتجهيز خرائط وذلك باستخدام البرنامج العددي WکF، ويتم معايرة نتائج التنبؤ من خلال مقارنة نتائج النموذج وتنبؤاته بالقياسات الحقلية في مواقع محطات الرصد، وبالعريش يوجد جهاز لرصد وقياس الأمطار في منطقة »جبل الحلال» أعلي سلاسل جبلية علي مجري الوادي، ويقيّم مقياس السيل وسرعته قبل وصوله للمناطق الآهلة بالسكان، وتعتبر سيناء أكثر المحافظات استيعابا لمحطات الرصد يليها البحر الأحمر. ماذا عن أكثر المناطق تعرضًا للسيول؟ - تعدُّ المناطق المتواجد بها الأودية هي الأكثر تعرضا للسيول أهمها شبه جزيرة سيناء كاملة وتحديدا: وادي العريش هو الأخطر في حالة وصوله للمدينة، وساحل البحر الأحمر بالكامل ومنطقة شرق نهر النيل إلا أن حدة السيول تخف في الأودية المطلة علي النيل، فنحن نقوم بعمل ممرات لها لتصب مباشرة في النهر وتقوم الوزارة باستعدادتها من حيث تقليل مناسيب الترع لاستيعاب مياه الأمطار المتدفقة وعلينا ألا نلقي بعبء المسئولية كاملة علي وزارة الري بل لابد من تكاتف جميع الوزارات كالنقل والإسكان إضافة لتكاتف المجالس المحلية والمحافظة. ما أفضل الأماكن لإقامة مخرات السيول؟ - هناك نوعان من المخرات أحدهما طبيعية وتتبع المحافظة كالموجودة بمحافظات الوجه القبلي وتقوم بتصريف المياه بنهر النيل، ويتم تطهيرها سنويا من إقطاعات الري المختلفة ولكنها تشهد تلويثا من آن لآخر، وكذا المخرات الصناعية تنشئها وزارة الري لذا لابد من رفع درجة التوعية بأهميتها وكيف أنها تقي المنشآت من أخطار السيول وتتناثر في محافظات الوجه القبلي علي الأغلب حيث إنها الأكثر عرضه للسيول. كثير من الخبراء يرون أن مياه السيول نعمة كبيرة لا يتم الاستفادة منها، ما ردك؟ - تبلغ كمية الأمطار والسيول التي تشهدها مصر سنويًا حوالي 1,3مليار متر مكعب ولا يتم الاستفادة منها سوي بمقدار محدود يصل إلي 20٪، فقط نظرا لأن جزءا كبيرا منها يتسرب لباطن الأرض لتغذية الخزان الجوفي مما يساهم في زيادة عدد آبار المياه الجوفية إلا أن المنشآت السكنية بسيناء لا تستفيد سوي ب 5 ملايين متر مكعب من المياه فقط ويقل العدد في البحر الأحمر وباقي النسبة تساهم في الدورة الهيدرولوجية الجديدة وتكوين مياه أمطار أخري. ماذا عن الزراعات القائمة علي مياه الأمطار؟ - يقوم سكان مناطق الساحل الشمالي بحصد مياه الأمطار عن طريق ما يسمي»بالهرابات» وهو خزان أرضي يتم جمع المياه فيه، ونقوم حاليا بإنشاء سدين بمنطقة وادي العقرب بمنطقة السلوم براني إضافة إلي 100خزان أرضي بالتعاون مع محافظة مطروح ويستوعب الخزان الواحد 100متر مكعب ولا توجد بحيرات جبلية هناك، فالطبيعة الصحراوية لا تسمح بوجودها، ويقوم البدو بزراعة بعض المحاصيل كالشعير وسلالات من القمح لا تحتاج مياها كثيرة. وكيف يتم الاستفادة من مياه السيولبسيناء باعتبارها تعاني من ندرة مياه؟ - تقوم الوزارة بإنشاء عدة سدود لحجز المياه ببحيرات التخزين حتي لا تهاجم المنشآت السكنية وتشكل خطرا، وهناك عشرات السدود الموجودة هناك إلا أن ذلك لا يعني أن سيناء غير معرضة بالكامل للسيول، فتلك السدود مرتبطة بعواصف معينة كعاصفة المائة سنة أو المائتين، ويعني نسبا احتمالية حدوث السيل إلا أن تكاليف إنشائها تعد عائقا أيضا من حيث كثرة عددها، وبما أن مصر دولة محددودة الإمكانيات فنعمل علي مواجهة عاصفة المائة سنة فقط ويتم الاستفادة من المياه المخزنة، ففي سانت كاترين يتم الاستفادة الكاملة منها بسبب ندرة المياه في أغراض الشرب وحاجاتهم اليومية، كما أنها تقوم بشحن الخزان الجوفي النوبي لأغراض الزراعة، ويوجد حوالي 192بحيرة جبلية وتتراوح سعتها التخزينية من ألف إلي خمسة آلاف متر مكعب، أما بشمال سيناء فيعتمدون علي المياه الجوفية نظرا للظروف الأمنية فإن عدد المنشآت ليست بالكثيرة وتكفي احتياجاتهم. ما صعوبات حفر آبار المياه إلي جانب كونها ذات تكلفة مرتفعة؟ - ليس من السهل حفر بئر مياه جوفية، حيث يحتاج إمكانيات كبيرة من معدات وأدوات إضافة لمشاكل اختراق طبقات الأرض الصخرية وصولا للمياه، وعقبات انتفاش الطبقات الطينية وتأثيرها علي الأنابيب حال إسقاطها وغرسها، ولكن في وقتنا الحالي أصبح هناك تقدم وتتواجد شركات بمعدات ذات تقنية عالية. وماذا بشأن ما أثير عن سرقة إسرائيل لمياهنا الجوفية والاستفادة منها؟ - هناك وادٍ مشترك بين مصر وإسرائيل يسمي وادي »الأزاري»يبدأ من هناك، وكان المتسبب في سيل العريش عام 2010، وتحرص إسرائيل علي إنشاء سدود لحجز تلك المياه لكن إذا زاد منسوب تلك المياه بسدودها تقوم بفتحها لتصب في ترعنا الجبلية.