أثار النظام الجديد لتطوير المنظومة التعليمية الذى طرحه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى جدلا كبيرا بين المتخصصين، كما أثار أسئلة وتخوفات كثيرة من الأسر المصرية. ولأن التعليم يمثل ولا شك قضية أمن قومى بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولأن التعليم يحتل مكانة متقدمة فى أجندة أولويات أى أسرة مصرية، إذ لا توجد أسرة ليس فيها أكثر من طالب فى مراحل تعليمية مختلفة، فإن قضية تطوير التعليم تحتل صدارة اهتمامات الدولة، وكثيرا ما طُرِحت أفكار للتعامل مع تراجع مستوى التعليم، لكنها ظلت مجرد دراسات ومشروعات «على الورق» ولم ينفذ منها إلا القليل جدا، ومن ثم كان حجم الإنجاز فى ذلك الملف متواضعا. وهو ما يجعلنا وكل أسرة مصرية نتساءل متى وكيف يكون لدينا تعليم حقيقى قادر على ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا، وبناء دولة عصرية قادرة على المنافسة فى ظل التحديات العلمية والتكنولوجية الراهنة؟ وما هى ضمانات نجاح النظام المقترح لتطوير التعليم الذى وافق مجلس الوزراء على بدء تنفيذه فى سبتمبر المقبل؟ وفى الحقيقة، فإن ما يضمن تحقيق نتيجة فعلية على أرض الواقع هو أن يكون التطوير نابعا من معرفة دقيقة بواقع ومفردات العملية التعليمية، وضمان الحماس لوضعه موضع التطبيق، حتى يؤتى ثماره المرجوة، ولا يكون مصيره كالمشروعات والأفكار السابقة. وهو ما يتطلب إشراك كل أطراف العملية التعليمية فى مناقشة مختلف جوانب النظام الجديد، وتحديد العقبات المتوقعة، وكيفية التغلب عليها، وفى مقدمتها ظاهرة الدروس الخصوصية التى يعنى انتشارها أن العملية التعليمية لم تعد محل ثقة الآباء، فبحثوا عن طرق موازية لتعليم أبنائهم، ويتكبدون تكاليف هائلة. وقد رصد مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء أن نحو 84% من أبنائنا يعتمدون على الدروس الخصوصية، التى تتكلف أكثر من 50 مليار جنيه سنويا، بينما موازنة وزارة التربية والتعليم تبلغ نحو 106.5 مليار جنيه، مقابل نحو 104 مليارات فى السنة المالية الأخيرة، وهو ما يعنى أن الزيادة فى موازنة التعليم لا تتجاوز 2,5% وهى زيادة ضئيلة للغاية، خاصة مع الأخذ فى الاعتبار معدل التضخم وتراجع قيمة الجنيه المصري، بما يعنى أن أثر تلك الزيادة يكاد يكون معدوما. وهنا نكون أمام معضلة علينا أن نحلها، لأنه من الصعب فى ظل تلك المخصصات للتعليم أن نحقق تقدما، وأن نرفع رواتب المعلمين وجميع العاملين فى الوزارة، حتى يمكن الحد من الدروس الخصوصية من ناحية، والارتقاء بالمستوى المهنى للمعلمين، وإجبارهم على التوقف عن الاعتماد على الدروس الخصوصية. لا يمكن اللجوء إلى أسلوب العقاب وحده لمنع ظاهرة الدروس الخصوصية، وأن ننتظر من المعلمين الارتقاء بالتعليم فى ظل هذه المعادلة الصعبة، وستكون النتيجة المزيد من التراخى والاحتجاج السلبي، ولهذا فإننا يجب أن نفكر خارج الصندوق، وأن نقنع أولياء الأمور بضرورة المساهمة فى زيادة موازنة التعليم بدلا من اعتمادهم على الدروس الخصوصية، سواء برفع الرسوم المدرسية، أو المساهمة الطوعية، لكن ذلك يتطلب حوارا مجتمعيا، يجمع بين ممثلين لأولياء الأمور والمعلمين وغيرهم من الأطراف، لوضع حلول للعقبات التى ستواجه تطبيق نظام التعليم الجديد. قبل أن نفاجأ بأن ذلك النظام جيد نظريا أو على الورق, لكن من الصعب أن يحقق المرجو منه، حتى لو اعتمد على تقنيات جديدة واهتم بالمهارات. وبكل تأكيد فإن نجاح النظام الجديد لا يمكن أن يحدث دونما تحمس كل أطراف العملية التعليمية واقتناعهم بالنظام ومساهمته فى إحداث تطوير فعلى فى التعليم، ودونما العمل على استعادة ثقة أولياء الأمور والطلاب بالمدرسة والمعلمين. إننى أقدر الجهد الذى بذله الدكتور طارق شوقى وأرى أن النظام الجديد المقترح لتطوير التعليم به الكثير من الإيجابيات، لكن الاختبار الحقيقى لأى تصور نظرى هو قابليته للتنفيذ، ولهذا أتمنى أن يبذل السيد الوزير المزيد من الجهد فى مناقشة واستطلاع جدى لآراء أطراف العملية التعليمية، خاصة الطلاب وأولياء أمورهم والمعلمين، وألا يضيق بآراء قد ترى ثغرة هنا أو هناك، بل عليه أن يبحث عن المعوقات المتوقعة أكثر من البحث والإشادة بما فيها من إيجابيات، لأن أمامنا أشهرا قليلة ويدخل النظام الجديد حقل التطبيق الفعلى. لا أتمنى أن تتكرر تجربة المدارس اليابانية وما واجهها من مشكلات، والاضطراب الذى حدث بسبب مشكلات كان يمكن تجاوزها والتغلب عليها مبكرا، فقد أساءت كثيرا لوزارة التربية والتعليم وأهدرت الكثير من الوقت، وضيعت علينا فوائد كثيرة كنا فى حاجة إلى استثمارها، وليس من اللائق، فى مثل ظروفنا الاقتصادية الصعبة وطموحاتنا الكبيرة فى نهضة سريعة وشاملة، أن نهدر أى فرصة واستفادة من أجل بناء مستقبلنا بالتعليم الجيد والمرتبط بالحياة وسوق العمل، وأن نكرس حب التعليم والعمل والانتماء فى نفوس أبنائنا. وليس لدينا ترف أن تحدث أخطاء دون أن ندرسها جيدا، وأن نعاقب المخطئ والمهمل، وهذه التجربة يجب أن تكون ماثلة فى الأذهان، وأن نحث وزارة التعليم على الدراسة المتأنية للبيئة التعليمية، فلا جدوى من أى جهد نظرى إلا إذا أخذ فى الحسبان البيئة التى يتم تنفيذه فيها، ولهذا فلابد من المشاركة الشعبية الواسعة، وإقامة أكثر من منتدى، وسماع رأى خبراء التعليم، ومعرفة ما واجههم من صعوبات فى التطبيق، فما أكثر الدراسات المقدمة بشأن تطوير التعليم، وما أقل ما حققناه من تقدم، ولهذا يجب أن يقتنع السيد الوزير بل ويرحب بالنقد أو أى اكتشاف لثغرات أو التنبيه لمعوقات متوقعة، فهذا شىء إيجابى وضرورى، وليس انتقاصا أو إساءة للنظام المقرر تطبيقه، وأن يجد سبيلا أفضل من التلويح بالعقوبات لكسب حماس المعلمين لتطبيق ذلك النظام، فبدونهم لا يمكن تحقيق أى نجاح مهما بلغت عبقرية المقترحات النظرية، فلا يكفى القول إن مثل هذه الأفكار حققت نجاحا فى بلد ما، لأن لكل بيئة سماتها وعيوبها ومزاياها وخبراتها، ولهذا أتمنى من الدكتور المهندس طارق شوقى أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الآراء، فليس بالتقنيات الجديدة وحدها يتحقق التطوير، وإنما باقتناع وتحمس العنصر البشرى الذى يجب أن يكون شريكا حقيقيا، باعتباره المسئول الأول عن النجاح فى أهم قضية تمس أمن ومستقبل مصر. وبعد، فبما أننا أمام تفكير جدى فى تطوير التعليم فى مصر، أرى أنه من المفيد أن نعيد طرح مشكلة أخرى من مشاكل التعليم فى مصر، ألا وهى مشكلة تعدد النظم التعليمية ما بين تعليم عام وتعليم دينى ومدارس حكومية ومدارس رسمية (تجريبية) ومدارس خاصة مصرية ومدارس دولية. ومع أننى أعرف أن المدارس الدولية لا علاقة لها بالنظام الجديد لتطوير التعليم، باعتبارها تمنح شهادات دولية، ولكن من الضرورى أن تعمل الحكومة على وضع نظام محدد لجهات الاعتماد الدولية، خاصة تلك التى تعتمد الدبلوم الأمريكى، وعدم تركها لجهة اعتماد ليست ضمن منظمات الاعتماد الأمريكية الأساسية والعريقة، مثل، المنظمة التى تعتمد الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومنظمة الولايات الوسطى للجامعات والمدارس MSA، ومنظمة نيو إنجلاند للمدارس والجامعات NEASC، ومنظمة الولاياتالغربية للمدارس والجامعات WASC، وغيرها من منظمات الاعتماد البارزة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فمصر تستحق أن تتعاون مع أهم منظمات الاعتماد، بدلا من الإصرار على الجهة الحالية، وهى مجرد شركة خاصة. الأمر الذى من شأنه أن يضع علامات استفهام كثيرة أمام الدكتور طارق شوقى وزير التعليم، خاصة أن الوزارة سترسل خلال أيام وفدا للولايات المتحدةالأمريكية لتجديد الاعتماد!
....................................................................................................................... سوريا بين الضربة الثلاثية والقمة العربية تشير التطورات، التى شهدها الأسبوع الماضى بشأن الأزمة السورية، إلى أن تلك الأزمة أصبحت على أعتاب تحولات نوعية سيكون من شأنها تغيير الكثير من المعادلات على أرض الواقع بما قد ينعكس على تغير جوهرى فى مسار تلك الأزمة فى الفترة المقبلة. ذلك أن إقدام الدول الثلاث (الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا) على توجيه ضربة عسكرية لبعض المواقع السورية عقابا للنظام السورى على ما تدعيه تلك الدول الثلاث من استخدامه السلاح الكيماوى ضد الشعب السورى، والأهداف التى حققتها والسيناريوهات التى طرحت لتطورها ورد الفعل إزاء تلك الضربة عربيا ودوليا، كل ذلك يشير إلى أن ثمة غيابا للرؤية أو الإستراتيجية الغربية فى التعامل مع تلك الأزمة. وفى الواقع فإن هناك الكثير من الشواهد التى يمكن أن تدعم ذلك الاستنتاج منها على سبيل المثال أولا تصريح الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» أمام البرلمان الأوروبى بأن «الهجمات التى قامت بها الدول الثلاث لا تحل أى شىء ولكنها ببساطة تضع نهاية لنظام اعتدنا عليه، حيث بصورة ما يصبح جانب القانون الجانب الضعيف» وأضاف أن تلك الضربات جاءت انتصارا لما سماه شرف المجتمع الدولى فيما يذكرنا بما قاله البيت الأبيض قبل نحو عام بشأن ضرب قاعدة الشعيرات إذ قال إنه جاء لأسباب إنسانية وأيضا للتخلص من السلاح الكيماوى السورى! وثانيا ما طرح عقب الضربة الثلاثية من احتمالات انسحاب القوات الأمريكية من شرق نهر الفرات بالساحة السورية والمشاورات الجارية إما لإقناع ترامب بالعدول عن ذلك القرار أو للتفكير فى كيفية ملء الفراغ الذى ستتركه تلك القوات. وثالثا أن تطورات التحقيق الذى ستجريه منظمة حظر السلاح الكيماوى تحت حماية الشرطة العسكرية الروسية للوقوف على حقيقة استخدام النظام السورى السلاح الكيماوى ربما تصب فى اتجاه تقوية الموقف الروسى. ولعل مبادرة أطراف الضربة الثلاثية بإعلان تخوفهم من العبث بالأدلة على أرض الواقع تشير إلى تخوفهم من نتائج التحقيق على وجودهم ودورهم فى الأزمة السورية برمتها. وبعد يومين فقط من تلك الضربة العسكرية كان الملف السورى على موعد مع القمة العربية العادية التاسعة والعشرين بالمملكة العربية السعودية. ولابد هنا من التوقف عند كلمة الرئيس السيسى التى عرض فيها الموقف المصرى الثابت من الأزمة السورية الذى يرى أن حل تلك الأزمة لا يمكن إلا أن يكون سياسيا، وطبقا لما يقرره الشعب السورى دونما تدخل من أى قوة إقليمية أو دولية. ولكنه أضاف أنه قد آن الأوان للتحرك بشكل جدى لإنهاء مأساة الشعب السورى وأنه «لا يجب الاقتصار فقط على تكرار التزامنا بمرجعيات الحل السياسى، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإنما يجب أيضا أن نوجه رسالة واضحة لا لبس فيها، بأن سوريا أرض عربية، ولا يجوز أن يتقرر مصيرها وتعالج مشكلاتها إلا وفقا لإرادة الشعب السورى». وهو الموقف الذى اتخذه البيان الختامى للقمة بانحيازه للموقف المصرى من الأزمة السورية، حيث أكد البيان ضرورة إيجاد حل سياسى ينهى الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السورى الذى يئن تحت وطأة العدوان، وبما يحفظ وحدة سوريا، ويحمى سيادتها واستقلالها، وينهى وجود جميع الجماعات الإرهابية فيها. وعلى الرغم من ذلك التوافق بشأن مسار الحل للأزمة السورية، فقد كان واضحا أن ثمة خلافات ما زالت موجودة بين الدول العربية بشأن الموقف من النظام السورى. فبينما أدان الرئيس السيسى استخدام الأسلحة المحرمة دوليا فى الساحة السورية دون الإشارة إلى ما تدعيه الدول الغربية بشأن تورط النظام فى استخدام الأسلحة الكيماوية، فإن البيان الختامى للقمة انحاز بشكل واضح لوجهة النظر الغربية التى تجزم بأن النظام السورى استخدم الأسلحة الكيماوية بالفعل، إذ أكد البيان «ندين بشدة استخدام النظام السورى للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ضد الشعب السورى، ونطالب المجتمع الدولى بالوقوف ضد هذه الممارسات تحقيقا للعدالة وتطبيقا للقانون الدولى الإنسانى». باختصار فإن الأزمة السورية ستظل أسيرة تعدد المصالح وربما اختلافها بين قوى كثيرة سواء فى المعسكر الغربى أو فى المعسكر العربى والإقليمى، وأن التعامل معها بالمنطق الذى علق به ترامب على الضربة العسكرية «لم يكن بالإمكان تحقيق نتيجة أفضل» ربما يحقق مصالح أطراف كثيرة ولكن بكل تأكيد ليس من بينها الدولة السورية ولا الشعب السورى. لمزيد من مقالات بقلم علاء ثابت