لعيد القيامة المجيد عند المواطنين الأقباط، ونقصد بهم هنا المواطنين المصريين الذين يدينون بالمسيحية، مكانة كبيرة ومنزلة متميزة بين أعياد الكنيسة واحتفالاتها، فهو أكبر الأعياد وأعظمها، وربما هو «عيد الأعياد» إن جاز لنا استخدام هذا التعبير، حيث نتذكر فيه - وحسب العقيدة المسيحية - قيامة السيد المسيح من بين الأموات قبل ما يُقرب من ألفى عام، نتذكر صلبه ثم موته وقيامته مُنتصرًا على الموت، غالبًا إياه ومُحققًا رسالة الفداء، ومُتممًا لعملية الخلاص التى بسببها وُلد المسيح وجاء للأرض من أجل أداء تلك الرسالة وتحقيق هذه الغاية. وهكذا فى كل عام يحمل عيد القيامة معانى الخلاص والأمل والرجاء، كما نعيش مع القيامة حياة الغلبة والفرح والسلام والانتصار، لاسيما أن هذا العيد تسبقه صلوات أسبوع الآلام «البصخة أو العبور» حيث عبور السيد المسيح للآلام مرورًا بتأسيس سر التناول المقدس يوم خميس العهد وأحداث الصلب يوم الجمعة العظيمة (الكبيرة) وموته، ثم قيامته من بين الأموات فجر يوم الأحد. ولم يكن غريبًا أن يهتم مؤلفو الترانيم الروحية والتراتيل الدينية بوضع الأغانى التى تعكس احتفالات الكنيسة والمسيحيين بعيد القيامة المجيد، وهى تراتيل يرددها الكبار والصغار على السواء، فى داخل الكنيسة وفى بيوتهم أيضًا، بل وتهتم الفضائيات المسيحية بإذاعتها، طوال الخمسين يومًا التالية لعيد القيامة، وهى الأيام التى تُسمى «الخماسين المقدسة» وفيها لا يكون صوم بل يصلى المسيحيون بنغمة الفرح وتتزين الكنيسة باللون الأبيض، ويأتى فى نهاية الخمسين يومًا عيد صعود السيد المسيح، ثم عيد حلول الروح القدس، وهما أيضًا من الأعياد الكبرى فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. من بين التراتيل الكنسية الشهيرة التى تقدم أحداث القيامة وأبطالها وشخوصها ترنيمة «قام حقًا قام رئيس السلام»، وترنيمة «فى فجر يوم الأحد»، و«عند شق الفجر باكر»، و«يوسف الرامى تعال»، و«زيدوا المسيح تسبيح»، و«قام يسوع وانتصر»، و«علوا رايات النصر»، و«إخرستوس أنيستى المسيح قام».. ومن بين التراتيل التى يترنم بها الأطفال فى اجتماعات التربية الكنسية (خدمة مدارس الأحد) ترنيمة «أنا أنا ديك ساكن فى بستان جميل»، و«أبيض أبيض أبيض»، و«واحد اتنين تلاتة بعد تلات أيام»، وغيرها الكثير. إن المتأمل الجيد لنصوص تلك التراتيل الروحية والترانيم الدينية يكتشف كيف أنها تنطوى على أمور فى العقيدة واللاهوت، وبعض المبادئ الإيمانية المسيحية، حيث تجمع بين البساطة والعمق، فى صورة درامية فنية بديعة، تتميز ألحانها بالبهجة والسرور، ما يعكس حالة القيامة، خاصة أن الاحتفال بهذه المناسبة يأخذ الكثير من مظاهر الفرح عند المسيحيين. إننى أتمنى أن يظهر من بين باحثى التراث الدينى والأدب الشعبى من يلتفت إلى تلك الترانيم، يجمعها ويدرسها، ويقدمها لنا تراثًا دينيًا وثقافيًا من المهم دراسته وتوثيقه بالكلمة والصوت والصورة، نصوصًا وألحانًا. إننا نطلب من أجل سلام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وسائر الكنائس، التى تمثل مكونًا حضاريًا من مكونات الدولة المصرية، وهى كذلك من أبرز معالم ورموز قوة مصر الناعمة، فى الداخل والخارج. نطلب من أجل الوطن مصر الذى باركته العائلة المقدسة (الطفل يسوع المسيح وأمه مريم العذراء والشيخ يوسف النجار) عند مجيئها فى القرن الأول الميلادى لتقدس أرضنا شمالًا وجنوبًا، فإنها مصر التى قال الكتاب المقدس عن شعبها «مبارك شعبى مصر». أعزائى القراء.. قام السيد المسيح من بين الأموات، وعلمنا أن نحيا حياة الانتصار، فكل عام ونحن جميعًا فى خير وحب وفرح، ووطننا الحبيب مصر فى سلام واستقرار، فى حياة جديدة ملؤها القيامة والانتصار. لمزيد من مقالات د. رامى عطا صديق