تتشح جدران الكنائس اليوم بالحرير الأبيض بدلا من الستائر السوداء احتفالا بانتهاء الآلام التى تجرعها السيد المسيح والفرح من قيامه من بين الأموات.. كما يغير الكهنة ملابسهم السوداء الحزينة بأخرى بيضاء، وتغيير الصور التى تبين المسيح معذبا ومصلوبا بأخرى تصوره قائمًا. ألحان الكنيسة تكون مبهجة وتترنم بقيامة المسيح، حتى فى الجنازات لا يسمح بالطقس الحزين، ولكن ترنيم الألحان تتغنى بقيامة المسيح من الأموات. غداً يحتفل الأقباط فى جميع أنحاء العالم بعيد القيامة المجيد وهو اليوم الذى يتذكر فيه المسيحيون قيامة السيد المسيح من الأموات بعد أن صلب على الصليب «بحسب العقيدة المسيحية» وعلى الرغم من أنه اتفق على الاحتفال بعيد القيامة مساء السبت إلا أن التوقيت الحقيقى لتلك القيامة بحسب التقليد الكنسى والكتاب المقدس هو فجر السبت وفيه يقام قداس العيد الحقيقى الذى لا يحضره إلا قلة من الأقباط ويفضلون حضور القداس الاحتفالى مساء السبت وتتم صلوات قداس العيد فجر السبت من خلال طقس يعرف فى الكنيسة باسم «أبو غلمسيس» والكلمة تعنى فى ترجمتها العربية «سفر الرؤية» فالسفر هو السفر النبوى الوحيد فى الإنجيل ويحمل الكثير من النبؤات بعد قيامة المسيح الذى يقرأ كاملاً خلال قداس العيد فجراً أو ما يعرف ب «سبت النور» كناية عن أن المسيح بقيامته هو النور الذى انبثق من القبر ويأتى قداس أبو غلمسيس أو ليلة سبت الفرح بعد رحلة من الحزن تمر بها طقوس الكنيسة واحتفالاتها خلال الأسبوع الذى يسبق عيد القيامة وهو ما يعرف بأسبوع الآلام، وهذا الأسبوع هو قمة احتفالات الكنيسة ولا يضاهيه أى احتفال آخر ففيه قام السيد المسيح بتناول «العشاء الأخير مع تلاميذه وتنبأ بأن واحداً منهم سوف يسلمه إلى اليهود وهو يهوذا الأسخريوطى ليخرج اليهود على السيد المسيح ويتم اقتياده ومحاكمته وصلبه ودفنه.. وقد رتبت الكنيسة طقوساً تتناسب مع كل يوم من أسبوع الآلام ليخيم الحزن على الكنيسة ويعيش المسيحيين بالفعل تلك الأجواء وعلى الرغم من أن المسيحيون يكونون فى حالة صوم إلا أن فترات الانقطاع عن الأكل تزداد فى هذا الأسبوع لتبدأ الكنيسة فى كسر حزنها من خلال طقس «أبو غلمسيس» أو سفر الرؤيا أو كما يحلو للكنيسة أن تسميه «كشف المستور». كتب يوحنا سفر الرؤية فى منفاه فى جزيرة بطمس بعد أن سمح الله بأن تنفتح عيناه ويكشف عنه المستور ليرى السماء مفتوحة أمامه وليسجل فى السفر الرؤية التى رأها كما أمر ويقرأ سفر الرؤية فى فجر الأحد إشارة إلى أن المسيح بصلبه وقيامته من الأموات قد فتح أبواب السماء أمام البشرية لكى يدخلوا إليها وينعموا بما لم تره عين أو تسمع به أذن.. والسفر كتب بلغة رمزية تكون أقرب إلى الشفرات التى تفسر على وعد الله للبشر بحياة الخلود فى السماء كما أن السفر به العديد من النبؤات عن العصور التى سوف تمر بها الكنيسة وإشارة الى الأحداث التى سوف تسبق نهاية الأيام قبل يوم القيامة ووعود الله للبشر بأنهم سوف يغلبون على الشيطان وجنوده والنهاية المرعبة لهذا الشيطان كذلك هناك رسائل للكنيسة المضطهدة والمتألمة ورسالة عزاء بهذه الرؤية ودعوة من الله أن من يغلب الشيطان سيكون شريكًا فى هذا المجد المعلن من الله، وهناك وعد بنصرة الكنيسة التى قال عنها السيد المسيح إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها فهى كنيسة مضطهدة على الأرض، ولكنها ممجدة فى السماء ونرى هنا ما أعده الله لها من مجد مذهل فنرى السموات مكان الفرح والتسبيح فالسفر مملوء بتسابيح للسمائيين وهذه السماوات هى المكان المعد للكنيسة وشعبها، ولكن أوصاف السماء أتت بصورة رمزية فلغة البشر محدودة لا تستطيع وتعجز عن أن تصف ما فى السماء ونرى فى السفر الهزيمة الكاملة للشيطان وأتباعه فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت فيكون هذا دافعًا لترك كل شر وشبه شر ونرى مجد الغالبين وأفراحهم فيكون هذا دافعًا للجهاد الروحى. بحسب طقس الكنيسة وترتيبها فعقب صلوات يوم الجمعة العظيمة وهى الجمعة التى تسبق يوم العيد، والتى يتم فيها الاحتفال بشكل طقسى بعذابات السيد المسيح وآلامه نهاية بصلبه ودفنه ويتم هذا الدفن بشكل احتفالى فى الكنيسة، حيث توضع صورة للسيد المسيح وهو مسجى على ظهره بعد نزوله من على الصليب وموته وتوضع تلك الصورة داخل تابوت صغير بعد تكفينها بقطعة من القماش الأبيض الفاخر ولف الكفن بالقطيفة الحمراء ويتم وضع الزهور والورود والأطياب بداخل التابوت كما توضع حبات من القرنفل إشارة إلى الثلاث مسامير التى دقت فى يديه ورجليه والحربة التى طعن بها فى جنبه ثم ويوضع على المذبح فى الكنيسة ويتم إغلاق ستار الهيكل دلالة على دفن المسيح، وبحسب الطقس أيضاً يجب ألا يغادر أحد الكنيسة ويظل الجميع يرتلون تراتيلاً وألحاناً حزينة خارج الهيكل علامة على رثاء المسيح وفى انتظار لقيامته ولكن ما يحدث أن الكنيسة تسمح للجميع بالذهاب إلى المنازل للراحة نظراً لمشقة طقوس يوم الجمعة العظيمة، والتى تبدأ من صباح الجمعة وحتى الغروب والعودة فجراً لبدء قداس أبوغلمسيس. قداس أبو غلمسيس أو سفر الرؤية يأتى كنقطة تحول فى الأحداث داخل الكنيسة فيما بين أسبوع الآلام التى تجرعها السيد المسيج وأحداث الصلب وبين الفرح بقيامة السيد المسيح من بين الأموات، ولذلك فإن ألحان الطقس تمتزج بين الألحان الحزينة والفرحة كذلك فإن الكنيسة تبدأ فى تغيير الستائر السوداء التى تتشح بها الكنيسة إلى أخرى بيضاء ويتم تغيير الصور التى تبين المسيح معذباً ومصلوباً بأخرى تصور المسيح قائماً من الموت عند القبر ومن ضمن طقوس أبو غلمسيس أن الكهنة يغيرون ملابسهم السوداء الحزينة إلى أخرى بيضاء كما أن أضواء الكنيسة نفسها تبدأ فى التدرج حتى تكتمل كلها. يبدأ طقس ليلة أبو غلمسيس بأن يلف السفر بالحرير الأبيض ويمسك به الكاهن ويقف على أبواب الهيكل علامة إلى أن ما سوف يقرأ بعد هو رؤية من عند الله ثم يقوم الجميع بقراءة مزامير داود ثم يلبس الجميع الملابس البيضاء و يجلسون على الأرض أمام الهيكل وتطفأ كل أنوار الكنيسة ويلتف الجميع حول صينية كبيرة مملوءة بزيت الزيتون ويتم إشعال سبع شموع وسبعة قناديل داخل تلك الصينية ويبدأ الحاضرون من الرجال فقط والمرتدين للثياب البيضاء فقط فى قراءة السفر وسط بعض ألحان وبعدها يتم دهان كل الموجودين بهذا الزيت كنوع من البركة بواسطة كبير الكهنة الموجود فى الصلاة وتحتفظ الكنيسة بكمية من هذا الزيت لتدهن به كل عروسين فى سر الزيجة ثم يتم عمل القداس الإلهى إعلاناً لقيامة المسيح من الأموات. عند الانتهاء من قداس أبو غلمسيس يكون قد تم الإعلان حسب ترتيب الكنيسة عن قيامة المسيح أما القداس الذى يقام فى مساء يوم السبت فهو قداس احتفالى بقيامة المسيح وهو قمة الفرح والأحداث السعيدة على مر السنة داخل الكنيسة ويحفل بالعديد من الطقوس المفرحة والمبهجة وتتجلى تلك الطقوس فيما يعرف ب«تمثلية القيامة»، حيث تطفأ الأنوار ويغلق باب الهيكل ويقف خارج الهيكل شماس ويبتدئ بقوله «اخرستوس آنستى» التى تعنى «المسيح قام» ثلاث دفعات وفى كل دفعة يجاوبه كبير الكهنة من الداخل «آليثوس آنستى» وتعنى «بالحقيقة قام» ثم يقول الشماس «المسيح قام» ثلاث دفعات فيجاوبه كبير الكهنة من الداخل «بالحقيقة قام» وأخيرًا يقول الشماس: «افتحوا أيها الملوك أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد» فيسأله من الداخل كبير الكهنة «من هو ملك المجد؟» فيجيبه بقوله: «الرب العزيز القوى الجبار القاهر فى الحروب هذا هو ملك المجد» ويقرع على باب الهيكل فينفتح الباب وتضاء الأنوار وتلك الأفراح تمتد لمدة خمسين يوماً داخل الكنيسة وهى الخمسين يوماً التى قضاها السيد المسيح على الأرض عقب قيامته من الأموات حتى صعوده الى السموات تلك الفترة التى تكرر فيها الكثير من مقابلات السيد المسيح لتلاميذه وأوصاهم بالكرازة بالإنجيل فى كل العالم ولا يسمح لأى حزن أن يكسر تلك الأفراح فتكون الكنيسة متشحة بالحرير الأبيض على كل جدرانها وأعمدتها ويزين هذا الحرير بعض الصلبان الحمراء كذلك كل أستار الكنيسة تكون بيضاء فى تلك الفترة وجميع ألحان الكنيسة تكون مبهجة وتترنم بقيامة المسيح حتى فى الجنازات لا يسمح بالطقس الحزين داخل الجنازة، ولكن يتم ترنيم الألحان التى تتغنى بقيامة المسيح من الأموات. ∎∎ الدولة هنأت الكنيسة على طريقتها هذا العيد بعد أن صدر قرار جمهورى من رئيس الجمهورية يمنحها 03 فدانًا لتنشئ امتداداً وملحقاً للكاتدرائية الأم ليكون العيد هذا العام عيدين والفرحة فرحتين.∎