بدأ الاستعداد لأسبوع الآلام عقب أحد الزعف الماضي، ومازالت تغطي جدران الكنيسة ستائر سوداء، وتُسمع من أركانها ألحان حزينة ممتزجة بهيبة مشهد الصلب وآلام المسيح، حيث يبدأ من هذا اليوم صلوات الكنيسة وأحداث الكتاب المقدس بدءًا من استقبال اليهود للسيد المسيح أثناء دخوله أورشليم بترنيمة أوصنا في الأعالي، ثم تكسو الكنيسة الأغطية السوداء. ويأتي أسبوع الآلام "أو أسبوع البصخة المقدسة" إشارة إلي عبور النفس البشرية من خلال آلام السيد المسيح من حزنها إلى الفرح معه بالقيامة من موت الخطية وعطب الذنوب. وهذا الأسبوع مليء بالأحداث والتأملات الروحية العميقة، لا يمكن حصرها، تشير في معانيها إلى المعاناة التي تعيشها النفس البشرية نتيجة خطيئتها وفقدانها الفرح. واليوم الأربعاء، يسمى بأربعاء أيوب -وبحسب العقيدة المسيحية- فإن قصة أيوب لها إشارة إلى الآلام التي تعرض لها كل من المسيح وأيوب. وقد جرح أيوب من أصحابه الثلاثة، كما جُرح المسيح من أحبائه، فمن تلاميذه من خانه، وثاني أنكره والأغلبية هربت عند القبض عليه، وحيث انتهت تجربة أيوب لخيره، وانتهى صلب المسيح وموته بالقيامة. كان هذا الأسبوع خلال عهود سابقة مكرسًا كله للعبادة, يتفرغ فيه طوال الوقت للصلاة والتأمل،، ولا يعملون عملًا على الإطلاق سوى المواظبة على الكنيسة والصلاة, والاستماع إلى الألحان العميقة. بينما تحتفل الكنيسة غدًا "بخميس العهد" أو"العشاء الأخير" مثلما عبرت عنه لوحة "ليوناردوا دافنشي"، وهو آخر عشاء للسيد المسيح مع تلاميذه الاثني عشر الذي كشف لهم عن أن من بينهم من يسلمهم للصلب ويخونه "يهوذا الإسخريوطى" وأيضًا غسل أقدامهم مؤسسًا لمبدأ "من أراد أن يكون أولاً فليكون آخرًا للكل"، كما أنه أسس سر التناول الذي مازالت تعمل به الكنائس خلال القداسات حتى اليوم. وبحسب طقس الكنيسة في خميس العهد - وتشبهًا بهذا المشهد، يغسل الآباء الكهنة أقدام المصلين الرجال، وتُرشم جباه السيدات خلال القداس، وأخيرًا تليها الجمعة العظيمة وهى التي توفى فيها المسيح بالجسد وتتلى فيها ألحان مصرية قديمة "جنائزية" كانت تقال في مواكب الملوك، وذلك رمزًا لاعتراف المسيحيين بملك المسيح على الرغم من موته جسديًا. وأخيرًا تنزع الكنيسة الأغطية السوداء وتستبدلها بالبيضاء استعدادا "لسبت النور"أو القيامة، وهى ليلة قيام المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث بعد رحلة من الآلام والصلب ثم الموت والدفن وانتهاء بفرح القيامة والغلبة على الموت، وترتب طقوس الصلاة يومي السبت والأحد بألحان فرايحي ترمز لقيامة النفس البشرية مع المسيح من آلامها وأتعابها على الأرض.