عطفاً على مقال الأمس، فإن حرية التعبير، كما هو معروف فى القول الشائع، تحتل محل القلب من منظومة الحريات التى تقرّها المجتمعات المتحضرة، حتى صارت بنداً أساسياً فى كل الدساتير والقوانين، بل إن نظم الحكم الاستبدادية المعادية للحريات، و التى تمقتها وتناهضها وتنال من طالبيها، تتسابق فى إعلان الأخذ بها، حتى لا تفتح على نفسها جبهة قوية مدعومة بالقوانين والمعاهدات الدولية والعرف الإنسانى العام، مما جعل من السفاهة لأحد أن يجاهر بالعمل بعكسها أو يتغاضى عن التمحك فيها. الحقيقة المؤكدة أن قوى الاستبداد والرجعية والتزمت تشكل مخاطر شديدة على حرية التعبير، ولكن خطراً آخر قد استجد مع القدوم الطاغى للإنترنت، حيث توافرت، لأول مرة فى التاريخ، إمكانية أن يستغنى طالب نشر الخبر والرأى عن وسائل الإعلام الجماهيرية التى سيطرت على المجال لمدة قرون، وأن يصير له صفحته الخاصة يكتب فيها ما يعن له، فيبدأ بعدوانه على اللغة وتحطيم قواعدها تحطيماً، إلى طرح أفكاره التى يراها عميقة، وآرائه التى يعتبرها جماهيرية، إلى بث أخبار مفبركة، وقد يفبركها بنفسه، إلى التطاول بألفاظ عدوانية هابطة على ديانات الآخرين وعقائدهم وآرائهم واختياراتهم..إلخ. بما يشى بجهل أو بتجاهل للضوابط التى وضعها المجتمع لممارسة حرية التعبير، لحماية نفسه من شطط الاستخدام غير الرشيد لها فى الصحف والتليفزيونات، بل والكتب والأبحاث، بقوانين تُجرِّم خطابات الكراهية والحض على العنف، وقوانين تصون أعراض الناس من السب والقذف..إلخ. ولكن ها هى الأحوال قد تدهورت بنا، بسبب هذا الانفلات على الإنترنت، إلى درك أن نعيد مناقشة بديهيات حُسِمت، لأن هناك من يريد بنا أن نبدأ من الصفر، بإقناع سعادته بأنه لا يدخل فى باب حرية التعبير لا خطاب الكراهية ولا إثارة النعرات الطائفية ولا الحض على العنف ولا الأخبار المفبركة ولا الطعن بغير دليل فى مسائل عامة وفى أجهزة الدولة وفى ذمة الناس..إلخ. يجب أن تُوضَع ضوابط وعقوبات يبت فيها القضاء، مثلما يحدث فى الديمقراطيات الغربية، لعلاج هذه الانتهاكات، حتى لا ينفذ أعداء الحريات لتدمير كل شئ! وأما من يعتبر هذا الكلام استعداء ضد حرية التعبير، فهو حر!. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب