منذ إطلاقه عام 2004، وعلى مدى عقد ونصف العقد أصبح منتدى «فالدى» الروسى أبرز المنتديات العالمية للحوار والتفاعل وبلورة الرؤى بين صانعى القرار والساسة والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم حول القضايا الدولية والإقليمية ذات التأثير والأهمية. وفى دورته لهذ العام، والتى افتتحها السيد سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسي، ركز المنتدى الذى عقد يومى 19 و20 فبراير على واحد من أهم الأسئلة المطروحة حول الدور الروسى فى الشرق الأوسط، وماذا يريد الشرق أوسطيين من روسيا، وقد عكست المداخلات والنقاشات على مدى ثمانى جلسات عمل تناولت مختلف قضايا المنطقة وقى مقدمتها سوريا، واليمن وليبيا والقضية الفلسطينية والكردية إلى جانب العلاقة بين إيران ودول الجوار، مجموعة من الاستنتاجات المهمة حول الدور الروسى فى الشرق الأوسط. أولها، أن هناك تطابقا وتوافقا بين المصالح الروسية وتلك الخاصة بدول المنطقة حيث يأتى القضاء على الارهاب، وإستعادة الاستقرار، وإطلاق إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والمجتمعية الشاملة، كأولوية للجانبين، وفى هذا الاطار، كان التوافق حول أهمية الحوار لبلورة توافقات بين القوى الداخلية من ناحية، وتلك الإقليمية والدولية من ناحية أخري، كسبيل يبدو أوحد لتسوية أزمات المنطقة المختلفة، وأن التعاون بين الأطراف الإقليمية والدولية صار ضرورة للخروج من الحلقة المفرغة من الصراعات التى تعتصر دول وشعوب المنطقة منذ إندلاع الثورات العربية وعلى مدى سبع سنوات. ثانيها، أن روسيا هى أكثر القوى المؤهلة فى المرحلة الراهنة للعب دور الوسيط وقيادة المنطقة نحو الاستقرار والتنمية، يدعم هذا الطرح انفتاح موسكو على مختلف القوى الإقليمية الفاعلة والمعنية بأزمات المنطقة، وقد عكست المشاركة فى المؤتمر ذلك بوضوح حيث شارك فى أعماله خبراء وساسة من أكثر من 30 دولة، منهم فلسطينيون واسرائيليون، سعوديون وإيرانيون، أتراك وأكراد، إلى جانب مبعوثين أممين وممثلين لجامعة الدول العربية وعدد من مراكز التفكير البحثى منها مركز كارتر ومجموعة الأزمات الدولية الأمريكية. وفى هذا السياق بادرت موسكو بعقد مؤتمر سوتشى للحوار الوطنى السورى كآلية داعمة لمسار التسوية فى جنيف، وتؤيد روسيا ضمان حقوق الأكراد فى إطار الدولة العراقية وتدعم الحوار بين كردستان والحكومة العراقية، كما تدعم التسوية فى ليبيا والحوار بين طبرق وطرابلس، والمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين دون شروط مسبقة، وترى أنه لا بديل عن الحوار والمفاوضات فى اليمن، واتخاذ إجراءات جادة لبناء الثقة بين دول الخليج العربية وإيران. ثالثها، إن السياسة الروسية فى المنطقة تتسم بالحذر والتحرك المحسوب بدقة خاصة على صعيد الضربات الجوية وتوظيف الأداة العسكرية عند الضرورة لمواجهة خطر الارهاب الذى يهدد روسيا والمنطقة، حتى لا تفقد روسيا ما تتمتع به من إحترام وتقدير لدورها، ولكى لا تتورط، كغيرها من القوى الكبري، على نحو يستنزف قدراتها، الأمر الذى يعنى إن تكرار سيناريو الدور الروسى فى سوريا فى صراعات أخرى ليس مطروحا فى المستقبل المنظور. رابعها، محورية التعاطى الإيجابى من جانب الولاياتالمتحدة لتحقيق الاستقرار المنشود فى المنطقة، وأن تكون التصريحات الأمريكية حول وحدة سوريا مدعومة بخطوات عملية تؤكد ذلك وتدعمه على أرض الواقع، وللموقف الأمريكى تأثير كبير على التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، ومسار الأزمة الليبية وتطورات الأوضاع الكردية فى شمال سوريا، وغيرها من قضايا المنطقة. وبدون تعاون واشنطن سيظل السلام بعيد المنال، فمن المهم أن تقلع واشنطن عن «اللعب بالنار» وتتعاون بجدية للقضاء على الارهاب فى المنطقة، وأن تنطلق من مصالح كل شعوب المنطقة، ومن أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة الدول العربية كضامن أساسى لأمنها ومصالحها ومصالح وأمن حلفائها. خامسها، رغم أهمية الحل الأمنى والعسكرى لمواجهة الارهاب فى المنطقة خاصة فى ضوء الطفرة غير المتوقعة وغير المسبوقة فى مستوى تسليح وتدريب الجماعات الارهابية وإمتلاكها منظومات قتالية لا تتوافر لبعض الدول، يظل الاقتراب الأمنى والعسكرى مقصدرا عن اجتثاث الارهاب من جذوره والقضاء التام عليه، فمن المهم مواجهة أيديولوجية الكراهية والتطرف التى يتم نشرها وتغذيتها، والتعامل الناجز مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى توفر تربة خصبة لنشر التطرف والارهاب وفى مقدمتها الفقر والبطالة والجهل، وبلورة التوافقات الوطنية التى تقطع الطريق وتسد الفراغ الذى تستغله الجماعات الارهابية. وأخيراً، التأكيد على أهمية تفعيل دور الأممالمتحدة والأطر الدولية والإقليمية فى تسوية النزاعات فى المنطقة، وفى مقدمتها جامعة الدول العربية والرباعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، فالدور الروسى ليس بديلاً لهذه الأدوار ولكنه ممهد ومكمل لها ودورها مرتبط بمدى تعاون الأطراف الأخرى المعنية وفاعلية الحراك الأممى لدفع التسوية، وموسكو حريصة على إشراك مختلف الفاعلين وعدم استبعاد أى طرف دولى أو إقليمى معنى بالقضايا الشرق أوسطية، وتدرك جيداً إن الأمن والسلام كل لا يتجزأ، وإما أن يشعر الجميع بالأمن أو لا سلام على الإطلاق. لمزيد من مقالات د. نورهان الشيخ