أنا سيدة متزوجة، وزوجى يعمل موظفا فى إحدى الشركات، ولى ثلاثة أولاد، وحياتنا مستورة والحمد لله، وقد توفيت أمى منذ عدة سنوات، وعاش والدى بمفرده، وكنت أذهب إليه وأؤدى له طلبات البيت، حيث أننى ابنته الوحيدة، ولم يكن يبخل علىّ بجزء من معاشه، ومنذ أربعة أشهر رحل عن الحياة، وانقطع معاشه، لأن الابنة التى تحصل على المعاش هى المطلقة أو الأرملة، أما المتزوجة فلا يحق لها الحصول عليه، وقد فوجئت بزوجى يطلب منى أن يطلقنى على الورق فقط، لكى أحصل على المعاش فى الوقت الذى أستمر فيه على ذمته شفويا بدعوى أنه زواج صحيح، ونشبت مشكلات عديدة بيننا، ولا أرغب فى ذلك، فهل أنا على حق؟ وما هو موقف الشرع من هذا النوع من الطلاق؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: تسللت آفة اجتماعية خطيرة بين الناس اسمها «الطلاق الأبيض» للاحتيال والغش، والوصول إلى ما ليس بحق والتحايل على القانون والدين، فلا يجوز شرعا أن يطلقك زوجك، وتبقيان معا «زوجة وزوجا» تمارسان الحياة الزوجية العادية وتعتبران أنكما تعيشان فى الحلال، فالطلاق يعنى حل رابطة الزواج بلفظ صريح أو كناية يشترط فيها نية الطلاق، وشرّعه الله لاستحالة التوافق بين زوجين انعدمت المودة والرحمة بينهما، حيث قال تعالى» يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلك أَمْرًا «(الطلاق1) فهو إذن حل لمعضلة استحال حلها بجميع الطرق، وما يجهله الكثيرون هو أن «الزواج والطلاق» أمر دينى لا يجوز لأحد الهزل به ولا العبث بأحكامه، أما من يسعون إلى «الطلاق الإدارى»، أو ما يسميه البعض «الطلاق الأبيض»، فهؤلاء آثمون بفعلهم، إذ لم يشرع الله الزواج والطلاق لتكون الزوجة اسماً على عقد فقط، وليست لها أحكام، وليس عليها حقوق، وليعلم الجميع أن الطلاق من الزوج يقع على زوجته بمجرد التلفظ به، فما بالك بالحكم من المحكمة، فليس فى الشرع «زواج أبيض» ولا «طلاق أبيض»، وأن الإثم يزيد على فاعلهما لو قصدا التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً كمن يتوصل به للتهرب من حقوق الناس وديونهم، ولتتوصل المرأة من أخذ إعانة مطلقة أو معاش أبيها، وغير ذلك من الأمور، فالقاعدة التى تقول: «الغاية تبرر الوسيلة» غير صحيحة على الإطلاق، بل لابد لصحتها من قيدين: الأول: أن تكون الغاية مشروعة لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، والثاني: أن يكون ضرر الوسيلة المحرمة التى توصل إلى تلك الغاية المشروعة أقل من مصلحة الغاية المتحققة بها لا أكثر ولا مساويًا فإذا تحقق هذان القيدان فى هذه القاعدة صارت مساوية لقاعدة (إذا تعارضت مفسدتان روعى أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما) ومثال ذلك فإن الكذب مفسدة ولكن إن تضمن مصلحة تزيد على الكذب جاز كالكذب للإصلاح بين الناس لأنه سبب لحقن الدماء، وإعادة الألفة والمودة، لكن إذا كان المقصود أخذ شىء غير مستحق، فهنا لا مكانة لهذه القاعدة ولذلك قيل: ليس الفقه معرفة الحلال من الحرام فقط، ولكن الفقه هو معرفة خير الخيرين فيرتكب أعلاهما وشر الشرين، فيرتكب أخفهما. لقد منع الحق تبارك وتعالى أن تتخذ آياته هزؤاً، وأن يتكلم الرجل بها على وجه الجد الذى يقصد به موجباتها الشرعية ولهذا ينهى عن الهزل بها، وعن اللجوء إليها بقصد التحايل والغش وقد دل على ذلك قوله سبحانه: «ولا تتخذواآيات الله هزوا» (البقرة 231)، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته فاعلم أن اللعب بها حرام». فإذا طلَّق الرجل زوجته لفظاً وقع طلاقه ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق، وخاصة إذا صدر حكم الطلاق من المحكمة، فهو طلاق بائن بينونة صغرى لا تعود له إلا بعقد جديد، ولو كان الزوج يقصد من طلاق زوجته الحصول على معاش أبيها، ثم إعادتها إلى عصمته بعد ذلك فهو فعل محرَّم، ويدخل فى باب الغش أيضا، فعن جرير بن عبد الله رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من غشنا فليس منا». وإننى من خلال رسالتك الخطيرة أقول لمن ينتهجون هذا النهج: اتقوا الله فى العقود الشرعية، ولا تجعلوا الطلاق والميثاق الغليظ والرباط المقدس بين الزوج والزوجة لعبة وغرضا، ولا مطايا لغايات دنيوية، ولتتقوا الله فى زوجاتكم وأولادكم، وتذكروا دائما قوله تعالى: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» الطلاق (2و3)، وأرجو أن يعى زوجك ذلك، وأسأل الله له الهداية.