فى كلمته الوافية أمام شباب جامعات 2مصر فى الندوة التى نظمتها جريدة الأهرام بمقر جامعة المنصورة يوم 13 فبراير الجارى قال الدكتور أسامة الأزهرى إن القيم التى يجب أن يتحلى بها الشباب بل ويتحلى بها المصريون عموما للقيام بدورهم فى بناء الدولة وحماية مقدراتها وتحديد مستقبلها هى الوعى والأمل والثقة. فتلك القيم هى فى الحقيقة محل الحرب التى تدار حاليا ضد المصريين. حديث الدكتور الأزهرى يمكن اعتباره تعريفا آخر لما يطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس التى تستهدف تشويه وعى المواطنين تمهيدا لإفقادهم الأمل فى المستقبل والثقة فى إمكانية العبور إلى مستقبل أفضل. تلك الحرب هى فى الحقيقة «حرب خرساء» لا مكان فيها للمدافع والطائرات، وفيها يكون للإعلام ووسائل التواصل الحديثة والشائعات الدور الأكبر، أما جنودها فلا يلزم أن يكونوا من الأعداء فى الخارج بل إن الجنود من الداخل غالبا ما يكون تأثيرهم أقوى وأسرع. والهدف من تلك الحرب أن يظل المصريون فى حالة تساؤل دائم محاط بالتشكك والتخوف من الوجهة التى تسير إليها مصر. وقد عانى المصريون من تلك الحالة أكثر من مرة خلال الأعوام السبعة الماضية ودائما ما كان السؤال المطروح فى ظل تلك الحالة «مصر رايحة على فين؟». ولعل الجميع لاحظ ويلاحظ أن فترات الأزمات والفترات التى تسبق أحداثا مهمة كانت الفترات التى يطفو فيها ذلك السؤال، فدائما ما يستغل جنود الحرب الجديدة تلك الفترات لتسييد ذلك السؤال وجعله القاسم المشترك بين المواطنين فى أحاديثهم اليومية، والأهم من ذلك أن يظل ذلك السؤال بلا إجابة وأن تتسع دائرة الجدل العبثى بشأنه، وأن يظل كامنا لدى المصريين يمكن استدعاؤه واستغلاله لتفجير الأوضاع أو على الأقل توتيرها من خلال تقديم إجابات ملتبسة ومشوشة عليه قائمة على أكبر قدر ممكن من المعلومات المغلوطة. والمتابع لمنهج الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ اليوم الأول له فى الرئاسة يمكنه بسهولة التأكد من حرص الرئيس على إفشال محاولات خلخلة تلك القيم الثلاث. فالرئيس كان وما زال حريصا حتى اليوم على الارتقاء بوعى المواطنين من خلال المكاشفة وإحاطتهم بحقيقة الأوضاع فى مصر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية. ولم يتردد فى انتقاد الإعلام أكثر من مرة مطالبا إياه بتحرى الدقة والعمل على إحاطة المواطنين بحقيقة ما يحدث اعتمادا على معلومات موثقة. الهدف من كل ذلك لم يكن إلا سعيا لحشد جهود كل المؤسسات للمشاركة فى خلق وعى حقيقى خاصة وأن مصر تواجه حربا إعلامية ضروسا تقودها وتمولها جماعات ودول وقفت ضد ثورة المصريين فى 30 يونيو. ولعل فكرة المؤتمرات الوطنية للشباب التى يحضرها الرئيس كاملة كانت فى الحقيقة محاولة منه لسد الفجوة فى التواصل مع أحد أهم قطاعات المجتمع ،وهم الشباب لإتاحة الفرصة لهم للتعرف على حقيقة ما يحدث بشكل مباشر تفاديا لتأثير حملات التشكيك. وفى هذا السياق، فإن مشروع سلسلة ندوات «الشباب وبناء الدولة» الذى تتبناه جريدة الأهرام أتى أيضا لسد الفجوة فى التواصل مع الشباب، ومحاولة تفعيل دور الإعلام فى خلق وعى حقيقى لدى السياسات العامة وأهمية دورهم فى المشاركة فى تلك السياسات. فالحرب الإعلامية الدائرة على المصريين تستهدف الشباب فى المقام الأول، باعتبارهم الفئة الأكثر حماسا والأكثر تفاعلا وتعرضا لوسائل الإعلام الحديثة والأقل خبرة والأقل قدرة على الفرز بين الغث والثمين. ولابد هنا من ملاحظ أن الفئة الأكثر انكشافا أمام تلك الحرب الإعلامية وهم الشباب فى الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاما يمثلون 28% من عدد سكان مصر. وتأكيدا على أهمية بل وخطورة الإعلام فى سياق تشكيل وعى الرأى العام يقول عالم الاجتماع ميلز: إِن جانباً ضئيلاً فقط مما نعرفه من حقائق اجتماعية عن العالم قد توصلنا إليه بأنفسنا، أما الجانب الأكبر فقد توصلنا إليه عن طريق وسائل الإعلام، والاتصال الجماهيرى وبإضافة وسائل الإعلام الحديثة خاصة وسائل التواصل الاجتماعى فى ظل تأثيرها المتصاعد على الشباب وكثافة اعتمادهم عليها فإن خطورة تشكيل وعى زائف تزداد إلى الدرجة التى تتطلب سرعة وجرأة المواجهة. وفى هذا الإطار لم يكن غريبا أن يرد الدكتور أسامة الأزهرى على سؤال أحد الشباب حول كيفية تفعيل دور الأزهر فى تجديد الخطاب الدينى ومواجهة حملات تزييف الوعى بقوله يمكن أن يحدث ذلك يوم يمتلك الأزهر والمؤسسات المعنية موقعا يتابعه ما لا يقل عن 20 إلى 30 مليون شخص. هذه الإجابة تأتى إدراكا لأهمية وسائل التواصل الاجتماعى وإيمانا بضرورة التركيز على الشباب الذى يمثل الحلقة الأضعف فى حرب تزييف الوعى والتشكيك المستمر حتى فيما تربى عليه المصريون وأصبح مكونا أصيلا من مكونات هويتهم. وإذا كان الأمر كذلك فهل من فائدة ترجى من الجهود التى تبذلها وسائل الإعلام التقليدى ومن الجهود التى تبذل للتواصل المباشر مع الشباب كتلك التى عقدت فى جامعة المنصورة؟ هذا السؤال استمعت إليه من كثير من طلبة الجامعات وهو فى الحقيقة يثير الكثير من وجهات النظر وربما الجدل، ولكن ما لمسته فى الحوار المباشر مع هؤلاء الشباب لا يترك فرصة سوى الانحياز إلى وجهة النظر التى ترى ضرورة بل وحتمية الاعتماد على مثل تلك الجهود مهما بدت نظريا غير مجدية بل إن التشكيك فى جدواها يندرج أيضا فى محاولات إفقاد الشباب الأمل والثقة. ذلك أن تفاعل الشباب مع مثل تلك الجهود، بل ومطالبتهم بضرورة تكرارها ومأسستها لتصبح آلية منتظمة يؤكد أنهم فى أشد الحاجة إليها، ويفرض على كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية أن تتبنى مثل تلك المبادرات كل فى نطاق اهتمامه الفكرى والجغرافي، وعدم ترك الشباب فريسة لرسائل تزييف الوعى وقتل الأمل وفقدان الثقة. لمزيد من مقالات د. صبحى عسيلة