عندما يعطر اللبان الذى تشتهر به منطقة ظفار العمانية, المعابد الفرعونية فى زمن الملكة حتشبسوت ,والتى كانت ترسل أساطيلها الى هذه المنطقة للحصول على منتجها من اللبان الفاخر الشهير فى ذلك الأوان البعيد ,أى منذ أكثر من 3500 سنة , فذلك يؤشر الى أن العلاقات المصرية العمانية ,ليست وليدة الأزمنة الحديثة ,وإنما تمتد الى العصور القديمة والقديمة جدا, وهو مالفت انتباهى ,وأنا أنقب عن تاريخ هذه العلاقات بمناسبة الزيارة المهمة ,التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى مسقط قبل أيام ,والتى سلطت الضوء على جوانب الخصوصية ,التى تتسم بها العلاقات بين القاهرةومسقط . ........................... وتشير الشواهد والدراسات التاريخية ,الى أن العلاقات المصرية العمانية موغلة فى القدم - ووفقا لما يقوله الدكتور عبد الحميد عبد الجليل شلبى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر فرع المنصورة - فقد أثبت مؤرخو التاريخ القديم والأثريون وجودَ صلات حضارية قديمة بين عُمان ,وعدد من الحضارات ومن بينها حضارة وادى النيل ومن ثم فهى ضاربة فى التاريخ القديم إلى ما قبل 3500 سنة , الأمر الذى أدى إلى إنتاج تشابكات تجارية واقتصادية واسعة ,تطورت مع الوقت وبعد قيام سلطنة عمان الحديثة , إلى إنتاج أهداف سياسية واستراتيجية وروابط اجتماعية وثقافية واسعة , ومن ثم فإن تلاقى الأفكار والمواقف بين الدولتين ,تجاه قضايا المنطقة لم يأت من فراغ , بل كان للتاريخ والجغرافيا الأثر الكبير فى بلورة مواقف مشتركة بين الدولتين. قواسم مشتركة إلى مصر وعمان – كما يقول الدكتورشلبى - دولتان عربيتان يجمعهما – بالإضافة إلى الدول العربية الأخرى – قواسم مشتركة فى الدين، واللغة، والتاريخ المشترك، ويحدثنا التاريخ أنه حينما تجرأت الدول الأوروبية , على غزو الأقطار العربية ومنها مصر وعمان ,وجدنا أصداء تلك التحركات فى القطرين الشقيقين، فعلى سبيل المثال حينما غزا البرتغاليون عمان والمحيط الهندى ,خرجت القوات المملوكية من مصر , لكى توقف هذا الخطر، ولكنها قوبلت بهزيمة كبرى فى معركة ديو البحرية عام 1509م ، وفى المقابل – وبعد ما يقرب من ثلاثة قرون – نجد الموقف العمانى المشرف من الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، حيث أعلن السيد سلطان بن أحمد (1792-1408م) استياءه من هذه الحملة، وأوقف المفاوضات الفرنسية/العمانية التى كانت تمهد لعقد معاهدة بين الدولتين، وأعلن احتجاجه الرسمى على اعتداء فرنسا على دولة عربية مسلمة . صداقة قوية ولم يتوقف التعاون المصرى العمانى عند حد إظهار التعاطف ,أو اتخاذ موقف ما فى بعض القضايا بل تعداه -حسب الدكتور شلبى - إلى تعاون آخر فى مجال تبادل الخبرات، ومن ذلك ما أكده البعض من وجود صداقة قوية ومتينة كانت قائمة بين محمد على باشا والى مصر (1805-1848م) والسيد سعيد بن سلطان – سلطان عمان (1804-1856م)، وتبين أن النشاط العسكرى لإبراهيم باشا بن محمد على فى المنطقة الشرقية فى شبه الجزيرة العربية لم يكن موجهاً على أى حال ضد البوسعيد فى عمان ويؤكد البعض حسن العلاقات بين محمد على والسيد سعيد بن سلطان ، فيذكر أن السيد سعيد بعث برسالة إلى محمد على فى عام 1255ه 1840م يطلب منه فيها سرعة إرسال أحد المدفعيين لحاجته إليه ، ويؤكد – أيضاً – أن السيد سعيد رغم تخوفه من مشروعات محمد على فى بلاد العرب، ومن وجود قوة كبيرة منظمة بجواره، فكان هذا الحاكم المتنور – يقصد سعيد بن سلطان – يكن كثيراً من التقدير لحاكم مسلم نجح فى الأخذ بأساليب الحضارة الحديثة، ودلل على ذلك ببعض الرسائل التى بعث بها سعيد إلى والى مصر محمد على . هذا قليل من كثير فى التاريخ الحديث , أما فى التاريخ المعاصر – يضيف شلبى - فلا أدل على متانة وقوة العلاقات من الموقف العمانى المساند لمصر إبان حرب أكتوبر عام 1973م وما بعدها وخاصة فى أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، إذ رفضت عمان قطع علاقتها بمصر، واستمرت فى سياسة التقارب مع مصر. مصر ليست بعيدة وطبقا لرؤية الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق وأستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر والذى عمل ست سنوات بجامعة السلطان قابوس بمسقط فى الفترة من 1986 حتى 1991, فإن مصر لم تكن بعيدة عن الشأن العمانى عبر التاريخ , وثمة دراسات تاريخية عديدة سواء فى التاريخ القديم ,أو التاريخ الحديث تشير الى اهتمام مصر وعنايتها بنمو وتطوير هذه العلاقات ,وحصل تماس بين البلدين فى زنجبار وعلى صعيد الجهود التى كانت تبذلها مصر فى شرق إفريقيا ,الى مستوى إبرام بروتوكول تعاون بين سلطان برقش فى زنجبار وخديو مصر فى ذلك الوقت الخديو اسماعيل ,غير أن بريطانيا سعت بقوة الى إجهاض وإفشال محاولات التعاون بين الجانبين فى هذه الحقبة التاريخية السحيقة . علاقات خاصة وعبر التاريخ – يضيف الدكتورعرب كانت عمان ترتبط بعلاقات خاصة مع مصر التى كانت بدورها تتطلع دوما اليها صداقة ومحبة وبناء لأسس تعاون بناء ,وصولا الى المرحلة الأكثر إيجابية على هذا الصعيد ,بعد تولى السلطان قابوس مقاليد الأمور فى السلطنة فى الثالث والعشرين من يوليو 1970والتى شهدت تطورا متناميا , ولقد عاصرت جيلا من المعلمين المصريين الذين ذهبوا لعمان وكانوا يدرسون لطلابهم وتلاميذهم تحت الشجر , وذلك بعد أن أطلق السلطان شرارة النهوض بالتعليم ,دون الانتظار من الانتهاء من البنية التحتية المطلوبة , فقد كان يتم إنشاء فصول تحت الأشجار أو فى المبانى العمومية , ثم تطور الأمر الى إنشاء مدارس تضم عدة فصول , وصولا الى النهضة التعليمية الشاملة ممتدة الى مختلف أنحاء السلطنة ومستوعبة كل المراحل , الى جانب المرحلة الجامعية ,وقد ارتبطت بصداقات مع عدد من هؤلاء المعلمين الأوائل وبعضهم كان من أساتذتى ,وسمعت منهم كلاما إيجابيا وكيف أن المرء منهم كان يشعر بالتفانى فى سبيل القيام بهذه المهمة المقدسة التى تتمثل فى التدريس بالسلطنة مواقف عمانية ويضيف : لاشك أن الموقف الذى اتخذته السلطنة فى نهاية حقبة سبعينيات القرن الفائت ,عندما رفضت قطع العلاقات مع مصر فى أعقاب قرار قمة بغداد ,قطع العلاقات الدبلوماسية فى 1979 إثر توقيعها اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل فى زمن الرئيس المصرى الراحل أنور السادات , أسس لخصوصية استثنائية فى العلاقات المصرية العمانية ,على نحو ما زالت تجلياته مستمرة حتى هذه اللحظة. الاستمرار والتغيير ووفقا للباحث والدبلوماسى العمانى «سالم بن سيف الحربى» فى أطروحة الدكتوراة التى حصل عليها العام المنصرم , من قسم العلوم السياسية والإدارة العامة بكلية التجارة بجامعة بور سعيد بمصر تحت عنوان تطور العلاقات العمانية المصرية فى الفترة من 1970 حتى 2011 بين الاستمرارية والتغير وتأثيرها على قضايا الأمن الإقليمى ,فإن العلاقات العمانية المصرية، اتسمت ولازالت، بالخصوصية القائمة على الاحترام والتقدير المتبادل بين البلدين , مما أسهم فى الارتقاء بها نحو الآفاق وإضاءة الطريق لتوسيع نطاق التفاعل بينهما من أجل تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى والعمل على صيانة ودعم العمل العربى المشترك. ويشير الباحث والدبلوماسى العمانى الى أن من بين تجليات الخصوصية فى العلاقات بين القاهرةومسقط ,هذا القدر الكبير من التوافق والمواقف المشتركة للدولتين حيال قضايا الأمن فى منطقة الخليج العربى ,ابتداء من الثورة الإيرانية (90/1991) وأزمة الخليج الاولى والثانية ثم أزمة الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003 ,وأخيرًا أزمة الملف النووى الإيرانى وما لحقها من تطورات وتداعيات وأخيرا تلك الرؤية المشتركة لكلتا الدولتين فى علاقة الأمن القطرى بالأمن القومى العربى وتداخلهما وترابطهما ,وأنهما ذواتا علاقة عضوية بحيث يصعب فصل إحداهما عن الأخرى. ولذلك جاءت المواقف متقاربة إلى حد التطابق، ومشتركة دون خلافات.