بعد ما يقارب العام ونصف العام علي اندلاع الثورة السورية, وبعد مقتل عشرات الآلاف وجرح مثلهم ونزوح الملايين, ما زال النظام السوري يسير في منهجه القمعي والدموي ويراهن علي قمع ثورة شعبه لكنه يقوده بلاده إلي الهاوية. فنظام بشار لم يتعلم الدرس جيدا من تجارب ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن, والتي تراوحت بين السلمية ونجاح الثورة نظرا لانحياز الجيش إلي الشعب, كما حدث في تونس ومصر, وبين التدمير والقتل نتيجة لانحياز الجيش إلي النظام لكنه سقط في نهاية المطاف بصورة مأساوية كما حدث في ليبيا, وبين نموذج الخروج الآمن كما حدث في اليمن, لكنه أصر علي الانحياز إلي خيار القمع وتوظيف آلته العسكرية الكبيرة لوأد الثورة الشعبية التي بدأت سلمية وانتشرت في كل المدن مثل حمص وحماة وحلب وريف دمشق والرستن وتلبيسة ودير الزور وغيرها, بل ودفعها إلي أن تسير في اتجاه العسكرة مع إنشاء الجيش السوري الحر, الذي تكون في البداية من العسكريين المنشقين عن الجيش النظامي وبدأ في الدفاع عن المدنيين ضد عمليات القتل المنظم ثم تطور إلي مرحلة المبادرة وتحرير مناطق عديدة في البلاد كان آخرها تحرير أحياء كاملة في مدينة حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد. وتشير تجربة الثورة السورية حتي الآن إلي أن النظام مازال يتوهم أنه قادر علي قمع الثورة التي يصر علي أنها معارضة مسلحة إرهابية تخدم أجندات خارجية, ويستقوي بالموقف الروسي الذي تحكمه مصالحه الاقتصادية والعسكرية عبر دعم النظام واستخدام الفيتو أكثر من مرة في مجلس الأمن ضد استصدار قرار يفرض عقوبات اقتصادية علي سوريا مما يعني إدخالها تحت الفصل السابع وإجازة استخدام القوة المسلحة كما حدث في ليبيا, وذلك في محاولة لإثبات دور روسيا في النظام الدولي وتحدي السيطرة الغربية التي تقودها الولاياتالمتحدة. ولاشك أن الموقفين الصيني والروسي الداعمين لنظام بشار قد شجعا هذا النظام علي المضي قدما في سياسته الأمنية في التعاطي مع الثورة. كما أن الموقف الإسرائيلي حتي الآن ليس من مصلحته إسقاط النظام السوري ليس حرصا عليه وإنما استنزاف قوة الجيش السوري بما يخل بمعادلة التوازن الاستراتيجي بين البلدين, والولاياتالمتحدة يتنازعها دورها في التدخل لاعتبارات إنسانية ووقف عمليات القتل ضد المدنيين, وبين مصلحتها في إسقاط هذا النظام لكن دون أن يخلفه نظام إسلامي متشدد معاد لها ولإسرائيل. وبالتالي فإن خطورة النهج القمعي لنظام بشار أنه يقود سوريا إلي حرب اهلية وصراع مسلح بين الجيشين النظامي والحر, وإذا كانت موازين القوي العسكرية مازالت حتي الآن في صالح النظام إلا أن استمرار عمليات الانشقاق وزيادة المساعدات العسكرية الخارجية للمعارضة من الخارج خاصة من الولاياتالمتحدة, واستمرار نزيف الدم الذي بدوره يمثل وقودا مشتعلا لاستمرار الثورة, يشي أن سوريا ذاهبة إلي حرب شاملة سوف ينجم عنها مزيد من الدمار والقتل. والسؤال هل يصلح الحل السياسي للخروج من المأزق السوري؟ الواقع أن المبادرات الإقليمية والدولية التي طرحت حتي الآن, سواء التي قدمتها الجامعة العربية أو تضمنتها خطة المبعوث الدولي كوفي عنان أو اتفاقات جنيف والقاهرة واسطنبول وغيرها, ترتكز علي الحل السياسي الذي يقوم علي تشكيل حكومة وحدة وطنية من المعارضة وبعض عناصر النظام عبر مرحلة انتقالية ووقف القتال تمهيدا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة, لكن هذا الحل يعني إبعاد الرئيس بشار والعناصر القريبة منه وهو ما ترفضه روسيا, كما أن الجيش الحر يرفض هذا الخيار باعتبار أنه لا مفاوضة مع هذا النظام الدموي, إضافة لذلك فإن المعارضة السورية ما زالت متفرقة وغير مجمعة علي رؤية موحدة لمرحلة ما بعد الأسد, بل إن النظام السوري نفسه قد اخترق هذه المعارضة وهو ما تسبب في فشلها في التوصل إلي هذه الرؤية, كما أن اعتماد النظام علي المناورة والإصلاحات السياسية الشكلية مع استمرار آلة القتل والدمار قد دفع بالعلاقة بينه وبين المعارضة والثوار إلي نقطة اللاعودة, ولم يعد هناك خيار آخر سوي أن يقضي كل منهما علي الآخر, خاصة مع النجاحات التي أحرزها الجيش الحر وآخرها الضربة الموجعة للنظام بعد تفجير دمشق الذي راح ضحيته العناصر المؤثرة في إدارة الأزمة وزيرا الدفاع والداخلية ورئيس الاستخبارات آصف شوكت وهو أيضا صهر بشار. ولذا فإن المخرج الوحيد الآن لوقف عمليات القتل والتدمير هو رحيل نظام بشار وتسليم السلطة إلي عناصر وطنية مخلصة تسعي لتحقيق الديمقراطية وتطلعات الشعب السوري المشروعة والحفاظ علي وحدة البلاد ومنع التدخل الخارجي, فهذا النظام فقد شرعيته بعد كل هذه الدماء, كما أنه فقد أهليته لإدارة البلاد, وهو لن يوقف عجلة التاريخ في انتصار الشعوب في نهاية المطاف, واستمراره في نهجه الأمني الدموي لن يقود سوريا إلا إلي الخراب والدمار وخدمة الخارج وبالتحديد إسرائيل, لكنه سيندحر مثل كل الطغاة في التاريخ وحينها ستكون سوريا قد دمرت معه. المزيد من مقالات احمد سيد احمد