حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل الأمانة المركزية للطاقة والتعدين    وفد قبطي من الكنيسة الأرثوذكسية يلتقي بابا الڤاتيكان الجديد    جيه إل إل تصدر تقرير عن أداء سوق العقارات في 2025    محافظ أسيوط: لجان متابعة ترصد بدقة أداء الجمعيات الأهلية    بابا الفاتيكان يؤكد ل أمين حكماء المسلمين حرصه على استمرار التعاون لبناء جسور التواصل (صور)    برايتون يهزم ليفربول 3-2 بمشاركة محمد صلاح فى الدورى الإنجليزى.. فيديو    الشرط الجزائي على عامين.. مانشستر يونايتد يقترب من ضم كونيا    مواصلة التحريات لكشف ملابسات سرقة نوال الدجوى ورفع البصمات    محافظة الجيزة: رفع 1100 حالة إشغال للمقاهي والمطاعم بحدائق الأهرام    الصور الأولى للفنانة نهى صالح بفستان الزفاف    بعد ضغوط واتهامات حادة.. إسرائيل توافق على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة    قدميها لأبنائك قبل وخلال الامتحانات، أطعمة تعزز الطاقة والنشاط للطلاب    سرعة الانتهاء من الأعمال.. محافظ القليوبية يتفقد أعمال تطوير مستشفى النيل    ريفيرو لم يحسم تشكيل الجهاز المعاون للأهلي.. ولم يقود التدريبات حتى الآن    ياسمين صبري تكشف كواليس مشاركتها في «المشروع X» مع كريم عبدالعزيز    ميلونى: ترامب وزيلينسكي والأوروبيون يرحبون بعرض البابا استضافة المحادثات    الغزالي حرب: محمد سلماوي مازال محتفظا بروحه الناصرية النبيلة    خروج 7 عربات قطار بضائع عن القضبان بالدقهلية    حوافز غير مسبوقة بالبرنامج الوطني لتطوير صناعة السيارات    وزيرة التنمية المحلية: تطوير الهياكل التنظيمية والوظيفية بدواوين المحافظات أولوية قصوى    متخصص بالشأن الليبي: استقرار طرابلس «خداع بصري» وغياب المؤسسات أغرق الدولة في فوضى الميليشيات    نيكوشور دان رئيسًا لرومانيا... فمن هو؟    جولة للأطفال بقصر محمد علي ضمن احتفالات قصور الثقافة باليوم العالمي للمتاحف    هل يجوز للمرأة أداء فريضة الحج عن زوجها أو شقيقها؟.. أمينة الفتوى: هناك شروط    مدحت بركات يزور مجلس الشيوخ بدعوة من تحالف الأحزاب المصرية    ألمانيا تلمح إلى التخلي عن معارضتها للطاقة النووية وتقربها من الموقف الفرنسي    «للرجال 5 أطعمة تحميك من سرطان البروستاتا».. تعرف عليهم واحرص على تناولهم    خالد الجندي: الحجاب لم يُفرض إلا لحماية المرأة وتكريمها    ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها؟.. أمين الفتوى يجيب    قصور.. ثقافة!    إيرادات الأحد.. "سيكو سيكو" الأول و"نجوم الساحل في المركز الثاني    محمد صلاح.. والكرة الذهبية    مزارع الدواجن آمنة إعلامى الوزراء: لم نرصد أى متحورات أو فيروسات    خلال لقائه البابا تواضروس.. الرئيس اللبناني: مصر بكل ما فيها قريبة من قلب شعبنا    ب"طعنة في القلب".. إعدام قهوجي قتل شابًا أمام مقهى بالجيزة    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    مباحث الجيزة تكشف ملابسات فيديو "خناقة المنيب"    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يطلق خطة تحويل «القاهرة» إلى مدينة خضراء    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    رسوم ترامب الجمركية تلقي بظلال سلبية على توقعات نمو الاقتصاد الأوروبي    الموساد يكشف عن 2500 وثيقة وصورة وممتلكات للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين    على نفقته الخاصة.. الملك سلمان يوجه باستضافة 1000 حاج وحاجة من الفلسطينيين    الإسراع بتعظيم الإنتاجية.. وزارة البترول تكشف معدلات إنتاج حقول بدر الدين    مع أبطال العالم وأمل الأولمبياد: نوران جوهر وزياد السيسي ينضمّان لنجوم روابط.. رسميا    رسميا.. تحديد موعد حفل الكرة الذهبية 2025    قتلى وجرحى بانفجار في جنوب غرب باكستان    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    تعرف على حالة الطقس اليوم الإثنين 19-5-2025 فى الإسماعيلية.. فيديو    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
نيران الفراق!
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 01 - 2018

تريثت كثيرا قبل أن أبعث إليك بمشكلتى، أملا فى أن أجد لها حلا عن طريق الأهل والمعارف، والحقيقة أنهم بذلوا جهودا مضنية لمساعدتى، ولكن هيهات أن يلين موقف زوجتى العنيدة، فقررت أن أعرض عليك حكايتى عسى أن ترشدنى إلى وسيلة للخلاص مما أعانيه من ألم وعذاب، وأرجو ألا تتسرع فى الحكم علىّ، أو أن تتصور أن الأمر بسيط، وأنه ربما يكون سوء تفاهم من الممكن علاجه بقليل من الحكمة، إذ أين هى الحكمة مع زوجة يسيطر عليها الشيطان منذ فترة طويلة ولا تستجيب لنداء العقل ولا تسمع غير نفسها وأهوائها؟! فأنا رجل فى سن السبعين، تزوجت منذ سبعة وأربعين عاما ابنة خالتى، وربطتنى بها قصة حب، وعملت فى وظيفة اقتصادية مهمة، كما التحقت هى بجهة كبرى، ومضت أمورنا على ما يرام، وظلل الحب حياتنا، ورزقنا الله بثلاثة أولاد «ولد وبنتين»، وكرست كل وقتى وجهدى لتربيتهم، ولم يحدث أى خلاف بيننا سوى بعض «المناوشات البسيطة» ثم سرعان ما يصفو قلبانا، وتعود الابتسامة إلى وجه زوجتى.
ومرت السنوات، وكبر الأبناء، وصار الأكبر مهندسا وشقيقته التى تليه طبيبة، أما الصغرى فقد تخرجت فى كلية التجارة، وعملت محاسبة، والتحقوا جميعا بوظائف كبرى، وحرصت على تنشئتهم على الأخلاق الحسنة، والتقوى، والورع، وعاملتهم معاملة واحدة دون أن أدلل الولد على حساب البنتين، من منطلق أن الولد الوحيد دائما يكون محل تدليل زائد يضره فى النهاية، ولا يكون فى مصلحته بأى حال من الأحوال، لكن زوجتى كان لها موقف آخر، إذ دللته بصورة مبالغ فيها، فاختلق المشكلات معى، وأصبح يثور ضدى فى كل مناقشة بيننا، ولا يستجيب لما أشير به عليه، ويلجأ إلى أمه فيعلو صوتها وتنصره علىّ، وشيئا فشيئا فقدت السيطرة عليه، فراح يفعل ما يحلو له دون أن يلقى بالا لما أقوله له أو أشير به عليه، ثم حدثت تغيرات مفاجئة لزوجتى، فتركت عملها، وانتابتها وساوس كثيرة، أثرت على حياتنا وعلى علاقتى بها، ومع ذلك تحاملت على نفسى، وساعدنى فى ذلك أن والدتها وهى خالتى سيدة طيبة، وتحاول دائما رأب الصدع الذى يحدث بيننا، وكان ابنى يأتينى بعد أن تهدأ أعصابه ويعتذر لى، ويحاول تبرير تصرفاته وأفعاله بأنه يفكر بطريقة مختلفة عنى، ويقول أن صوته العالى يكون رغما عنه، وفى كل مرة أقبل اعتذاره، وتسير بنا عجلة الحياة فى أمان، وتزوج أبنائى الثلاثة، وصارت لهم بيوت مستقلة، وتربطنا صلة قوية بزوجّى ابنتينا، ولم ينغص حياتنا سوى تمرد وعناد زوجتى، وذات يوم تحدث ابنى معى بطريقة غير لائقة، فلم أرد عليه، وخرجت من البيت قاصدا القرية التى نشانا فيها، وتقطن بها عائلتى لحضور عقد قران ابنة أخى المتوفى، والتى وكلتنى عنها فى توقيع العقد بصفتى عمها الأكبر، وبعد عودتى فوجئت بأن زوجتى وابننا أخذا نصف منقولات المنزل، ونقلاه إلى فيللا تملكها شقيقته الكبرى فى إحدى المدن الجديدة، ولما استفسرت منها عن سبب صنيعها هذا، قالت إنها تريد الانفصال عنى، وأنها لم تعد تتحمل المعيشة معى بسبب المشاجرات الدائمة مع ابنى، ولم تفلح محاولاتى لإثنائها عن موقفها، ولم أجد صدرا رحبا لدى أبنائى لإقناع أمهم بالعودة إلى بيتنا، فلقد عشنا معا سبعة وأربعين عاما على «الحلوة والمرة»، ولم يدر بخلدى أن أتزوج بأخرى أو أن أنفصل عنها، برغم أن لدىّ أسبابى الكثيرة لذلك منها بعدها الجسدى عنى منذ سنوات، وحالة «الوسوسة» المرضية التى لم تشف منها برغم أننى عرضتها على كثيرين من الأطباء، وأصبحت على يقين من أن «مسا شيطانيا» قد ألَّم بها، ويجعلها لا تسمع سوى صوتها، وما تحدثها به نفسها.
والغريب أن أحدا من أبنائنا لا يريد العيش معها، فإبنى الأكبر الذى تقف فى صفه على طول الخط «عمَّال على بطَّال» لا يجرؤ على دعوتها للإقامة معه فى شقته، لأن زوجته ترفض وجودها معها تحت سقف واحد، والفيللا التى انتقلت إليها ملك زوج ابنتنا الكبرى، ولا يعيشان فيها، وإنما يقطنان بشقة واسعة فى حى آخر قريب من مدارس أبنائهما، أما ابنتنا الصغرى، فتعيش مع زوجها بإحدى دول الخليج، وقد عرضت عليها أن تؤجر لها شقة بجوار فيللا أختها، وتزودها بكل ما يلزمها من أثاث ومفروشات وأدوات كهربائية، أى أنهم جميعا عرضوا عليها المساعدة فى الإقامة بعيدا عنهم ولم يستضفها أحد منهم فى بيته، واستقر بها المقام فى فيللا «إبنتنا الكبرى»، وتعيش فيها بمفردها، فألححت عليهم أن يقنعوها بإعادة المياه إلى مجاريها بيننا، فأبلغونى أنها لن تعود إلى الإقامة معى بأى حال من الأحوال، وأننى إذا أردت الزواج بأخرى فلى ذلك، وأنها تخيرنى بعد أن تظل على ذمتى، أو أن أطلقها إذا كان ذلك حائلا دون زواجى!
وتنتابنى حيرة شديدة فى أمرها، فلقد قضينا معا عمرا طويلا، ووصلنا إلى سن الجلال والإحترام، حيث تصغرنى بحوالى أربع سنوات فقط.. أى أنها تعدت سن الخامسة والستين، وقد حججنا بيت الله الحرام، وأدينا العمرة مرات عديدة، ولدينا ما يكفينا من نعم ربنا الكثير، ولا ينقصنا شىء والحمد لله، ولا أدرى لماذا تتركنى ونحن على مشارف النهاية؟، فلقد تحملنا بعضنا، وكنت أمرّضها وأسهر إلى جوارها عندما تنتابها أى متاعب، وأحمل فى قلبى حبا كبيرا لها، ومنذ فراقها لى والنيران مشتعلة داخلى، ولا يكابد آلامها غيرى،.. لقد زرتها منذ شهرين وحاولت إقناعها بالعدول عن موقفها، ولكن هيهات أن يتحرك قلبها، ومازلت على موقفى منها إذ أرسل إليها الأدوية والمصروف الشهرى بانتظام، لكنها لم تكبر لأحد، ولا حتى لأمها التى مازالت على قيد الحياة، ولا تعجبها تصرفاتها معى.
إننى طرقت كل الأبواب لإثنائها عن موقفها المتعنت، واستعنت ب «عقلاء العائلة»، فأجمعوا على أن أبناءنا هم الذين يشجعونها على ذلك، بطرحهم بدائل للمعيشة بمفردها، مثل المعيشة فى الفيللا أو الانتقال إلى شقة أخرى خاصة بها مع توفير كل متطلباتها، ولم يحاول أحدهم استمالتها للعودة إلى بيتنا، وأكاد أجزم بأنها أصبحت أسيرة «الشيطان»، وأنه هو الذى يحول بينى وبينها، وكانت تتغلب عليه من قبل، أما اليوم فقد استغنت عنى تماما، ونسيت حبنا وعشرتنا معا عشرات السنين، ومر على غيابها عنى أكثر من ستة أشهر، وطوال هذه المدة لم يسأل أبنائى عنى، ولم يفكر أحدهم ولو فى مجرد الاتصال بى، فربما أكون قد غادرت الحياة بمفردى، نعم يا سيدى فهذا ما أخشاه، ولا أريد سوى زوجة من «باب الإيناس»، وقد فكرت فى ذلك كثيرا، لكن كلما اعتزمت الزواج بأخرى أتراجع خوفا من المجهول!
هذا هو الواقع الذى أعيشه، ولا أعرف كيف أتصرف، ولا كيف ستمضى بى الأيام الباقية من عمرى، فبماذا تشير علىّ؟

ولكاتب هذه الرسالة أقول:
من الواضح أن علاقة أبنائك بك ليست كعلاقتهم بأمهم، وربما يكون ذلك لأسباب لم تذكرها تتعلق بأنك كنت تقضى معظم الوقت فى عملك، ومن ثم اعتمدوا عليها فى تدبير الأمور، وتسيير عجلة الحياة، لدرجة أنك تلجأ إلى زوجتك شاكيا تصرفات ابنكما الوحيد الذى نال تدليلا زائدا عن الحد، ولم توازن بين متطلبات عملك، واحتياجات أولادك، فالتربية لا تنحصر فى توفير المتطلبات المادية والمعيشية، وإنما تتطلب أيضا وجودا مؤثرا للأب، بحيث يحتوى أبناءه، ويناقش معهم مشكلاتهم، ولا يكون حضوره بينهم شكليا، ولا فى علاقة الزوج بزوجته، ويجب أن يحاول كل منهما أن يقلل بقدر الإمكان من الابتعاد أو الفراق الذى قد يحصل بينهما لأى سبب، فعندما تكون الحياة الأسرية على المحك، يصبح من الضرورى إعادة النظر فى أمر البعد، فهو قسوة، وكلما طالت المدة، تعوَّد الطرفان على ذلك، وقسى قلباهما، وكما يقول المثل «البعيد عن العين بعيد عن القلب»، ولذلك فإن على زوجتك وأنتما فى سن متقدمة أن تعيد النظر فى ابتعادها عنك، إذ حرص الإسلام على تقوية أواصر المحبة، وتجنب الأمور الجالبة للخلاف والفراق بين الزوجين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضى بآخر»، وعلى أولادك أن يسعوا إلى تقريب وجهات نظركما، وعليها ألا تستجيب لما يحاك فى صدرها تجاهك، وأن تدرك أن ذلك من وسوسة الشيطان، فالإفساد بين الزوجين جرم عظيم من كبائر الذنوب، وهو من جنس عمل الساحر، لقوله تعالى «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (البقرة 102)، والتفريق بين الزوجين من أعظم ما يفرح به إبليس عند بعثه سراياه كما أخبر به صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه مسلم حيث قال «إن الشيطان يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه فى الناس فأقربهم عنده منزلة، أعظمهم عنده فتنة، ثم يجىء أحدهم فيقول مازلت بفلان حتى تركته، وهو يقول كذا وكذا، فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئا، ويجىء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، قال فيقربه ويدنيه ويلتزمه، ويقول: نعم أنت».. فلتحاول زوجتك أن تصد وساوس الشيطان لها، وأن تدرك أنها ترتكب إثما عظيما، ببعدها عنك، فمهما تكن ظروف الزوجين متعسرة، وأحوالهما متكدرة من تقصير الزوج أو ظلمه، أو نشوز الزوجة أو تفريطها فى حقه، فإن الأصلح لهما بقاء الزوجية ودوام العشرة، فالبيوت قد تخلو من المحبة، ومع ذلك تقوم على المروءة ومكارم الأخلاق، وهذا أصل عظيم دلّ عليه الشرع والواقع، ففى الحديث الشريف: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
ولو فكرت زوجتك قليلا بعد هذه العشرة الطويلة لأدركت ان الرضا هو أساس السعادة الزوجية، فعندما تزوجتما، كانت فتاة أحلامك، وكنت فتى أحلامها، لكنها تغيرت الآن، وهذا يتنافى مع الطبيعة البشرية السوية، فالإنسان فى هذه الحياة يسير فى طريق طويل نهايته الموت، وطوال الطريق يشاهد كل ما هو مكتوب له من أقدار ومصاعب وأفراح وأحزان، وعليه أن يرضى بقدر الله حتى يكون سعيدا على الدوام.
وربما يكون حب زوجتك الوحدة والانعزال عن الآخرين مرتبط ب «الوسوسة»، ولذلك عليها أن تجاهد نفسها، وأن تحاول الاندماج معك من جديد، ف»الوسوسة» تكون تارة من النفس، وتارة من الشيطان، إذ يقول تعالى «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (ق 16)، ويقول أيضا «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إله النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ «(سورة الناس)، والوسوسة تكون من الداخل ومن خارج الجسد، ولكن الشيطان إذا اقترن بالإنسان تكون وسوسته أقوى تأثيرا، فيجعل المصروع فى شرود ذهنى مستمر، ولا يستطيع التركيز ولا التفكير ولا الخشوع ولا الصلاة، بل قد يجعله يشك فى تصرفاته وأقواله وأفعاله، وفى تصرفات الآخرين أيضا، وقد يجعل الشيطان الإنسان موقنا بأن ما يحسه واقع، وليس مجرد «وسوسة»، خصوصا فى حالات «سحر التفريق»، وهذا ما أرى أن زوجتك وقعت أسيرة له، ولذلك لابد أن يكون التعامل معها برفق، وأن يوقن أبناؤك بأن موقفهم السلبى سوف تترتب عليه أضرار وخيمة على ترابطكم الأسرى والعائلى، وعليهم أن يلينوا قلب أمهم، ولعل انتقالكما إلى سكن جديد يغريها بالعودة إليك.. جرب هذا الحل، فربما يجد تجاوبا منها، فتجديد المكان قد ينعكس عليها بشكل إيجابى، ولا تحمّلها فوق طاقتها أو تشكو إليها من أبنائك، وليتحملوا هم مسئوليتهم تجاهكما، وباستطاعتهم تقريب المسافات بينكما، ولكن إذا فشلت فى كل مساعيك، فمن حقك الزواج بمن تأنس بها، وتعينك على أمر دنياك، وتختتم معك رحلة الحياة، وأرجو أن يعلم أبناؤك أنهم ببعدهم عنك سوف يغضب الله عليهم، ويجب أن يتذكروا أن الإحسان إلى الوالدين أمر إلهى لقوله عز وجل «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا» (الإسراء 23، 24)، أسأل الله لزوجتك ولأبنائك الهداية، ولك التوفيق، إنه على كل شىء قدير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.