يعد مصطلح الشعبوية من أكثر المصطلحات استخداما خلال الآونة الأخيرة، ومع أنه من الناحية النظرية ليس جديدا، حيث ظهر منذ نهايات القرن التاسع عشر كحركة احتجاجية على استعلاء النخبة أو سطوة رأس المال، فإن التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى القرن العشرين وبدايات الألفية الثالثة، أعطت للمصطلح زخما جديدا، بعد أن أصبحت الشعبوية قوة سياسية واجتماعية، فلا يخلو نقاش سياسى أو عملية انتخابية من ذكر الشعبوية التى اختلف الكثيرون حول تعريفها، وإن اتفقوا على أنها تعنى الخطاب السياسى الذى يستهدف عواطف الجماهير وينتقد النظام القائم والمسئولين والنخب. وهنا يشير المحللون الى وجود سمات واضحة لأنصار هذا التيار، فالشعبويون يصورون أنفسهم دائما على أنهم وحدهم يمثلون إرادة الشعب الحقيقية، وهم مستهدفون دائما من المؤسسات القائمة وهى مؤسسات فاسدة أثبتت فشلها فى مواجهة التحديات القائمة. وهنا يوضح البعض انه اذا تكلم السياسى بلغة بسيطة أو أعلن مناهضته الولاياتالمتحدة والعولمة أو انتقد الاتحاد الأوروبى أو رفض تدفق اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين،وأجاد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى التى لا تضع سقفا لخطاب الكراهية،يعتبر شعبويا ولا يهم هنا أن يكون يساريا أو يمينيا متطرفا،وهذا هو السبب فى أن تضم الشعبوية طيفا واسعا من التيارات اليمينية واليسارية على حد السواء طالما انطبقت عليها هذه المعايير. ولعل أبرز نماذج هذا التيار الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب""ونايجل فاراج" زعيم حزب الاستقلال البريطانى السابق "وجيرت فيلدرز" السياسى الهولندى وحزب البديل من أجل ألمانيا، وكذلك حركة الفجر الذهبى فى اليونان، جنبا الى جنب مع حزب سيريزا اليسارى اليونانى وحزب بوديموس اليسارى الإسبانى، فضلا عن بعض حكومات دول أمريكا اللاتينية. وهناك العديد من التفسيرات لصعود الشعبوية، أهمها حالة الاحباط والاستياء وفقدان الثقة فى النخب التى فشلت فى التعامل مع مشكلات المجتمع، وهو ما هذا التيار الذى اكتسب دفعة هائلة بعد استفتاء البريكست، فأنعش آماله فى فرنساوهولندا والنمسا والمانيا، ثم تعزز هذا التفاؤل بعد فوز ترامب. ورغم أن البعض اعتبر الشعبوية ليست سوى حركة تمرد وأن أداءها فى مقاعد المعارضة أنجح من أدائها فى الحكم، فإن أحداث العالم المتلاحقة زادت التكهنات حول مستقبلها فى مواجهة النخب السياسية التقليدية. ومع ذلك، فإن السؤال المطروح هو لماذا فشلت فى اعتلاء المشهد السياسى؟ والاجابة تكمن فى تعقيدات الواقع. فسلوك ترامب وصراعه مع مؤسسات الدولة، فضلا عن الأزمة التى تعيشها بريطانيا بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبى على الصعيد السياسى والاقتصادى تسبب فى انكشاف هذا التيار الذى تعرض لكثير من الانتقادات. ثم جاء فوز ماكرون فى الانتخابات الفرنسية بعد معركته الشرسة مع مارين لوبان ليجهض تطلعات الشعبويين، فيتراجع فى هولندا والنمسا وألمانيا، لتترسخ فكرة أن الشعبوية قد تنجح كخطاب سياسى حماسي، ولكنها تحمل فى طياتها عوامل فشلها.