تعلو حاليًا نغمة ما يعرف باسم "الشعبوية" أو "الشعبويين"، التي صعد أصحابها إلى سدة الحكم في عدة بلدان حول العالم، وبات المصطلح يتردد على الألسنة وتلتقطه الآذان مع كل عملية اقتراع جديدة، إذا يحمل المصطلح دلالة معينة، وكانت له ظروف قديمة نشأ فيها ومن ثم انتشر. كان من هؤلاء الشعبويين الذين أحدثوا صدمة للعالم، الجمهوري "دونالد ترامب"، الذي أضحى رئيسًا لأمريكا، يوصف وقتها ب"الوحش السياسي" و"البطل الشعبوي" إذا وعد بإعادة أمريكا إلى أمجادها السالفة. وفي ألمانيا، فقد حقق حزب "البديل" الشعبوي رغم صغر سنه، انتصارات انتخابية متتالية على الحزب الأقوى "المسيحي الديمقراطي"، إذا ساعده فيها السخط الشعبي علي سياسة المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل". كما يسيطر الشعبويين علي الأغلبية التمثيلية النيابية البرلمانية في ست دول أوروبية، وهي اليونان وإيطاليا وسلوفاكيا وسويسرا وبولندا، وأيضًا المجر التي تسيطر الأحزاب الشعبوية علي الحكومة عبر حزب "فيدس، وعلي المعارضة من خلال حزب "جوبيك". "ما هي الشعبوية؟" بداية.. يُعرف مصطلح الشعبوية بإنه مشتق من كلمة الشعب، إذا أنها إيديولوجية وفلسفة سياسية وأقرب إلى نوع من الخطاب السياسي، الذي يُستخدم من أجل اللعب على وتر عواطف الجماهير لكسب تأييد الناس والمجتمعات لما ينفذونه أو يعلنونه من السياسات. ويعتبرها البعض نوعًا من التضليل للجماهير، وقد يلجأ الشعبوي إلى الكذب؛ من الحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطيهم مصداقية وشرعية، وعكس الشعبوية هو تقديم المعلومات، الأرقام والبيانات بمخاطبة عقل الناخب لا عواطفه. وذهب البعض إلي اعتبار الشعبوية "سيكولوجيا" أي تعتمد على النفس والمشاعر، قبل أن تكون "أيديولوجيا" فكرية، أو أنها تجمع بين الإثنين "أيديولوجيا السيكولوجيا"، فهي تخاطب العواطف قبل الفكر وتؤجج النعرات النفسية وتغذّي روحها. ومن أكبر النتائج الكارثية للشعبوية، التي حددتها دراسات مختلفة، هو قدرتها على إقناع عدد كبير من الشعب وغالبًا ما يشكلون الأكثرية للقبول بالسلطة المطلقة للفرد أو لمجموعة من الزعماء. واكتسب المصطلح تعريفات عدة اختفت حسب البلاد المختلفة، إذا تعتبرها أمريكا أنها إشارة على الحركات اليسارية، فيما تراها أوروبا تعني ة حركات اليمين أو اليمين المتطرف، وفي فرنسا فإن الشعبوي هو من يتلاعب بأفكار الناس لغايات سياسية، ويميل المصطلح فيها إلي فكرة تقديس الشعب، واعتباره مستودع الحقيقة المطلقة. "متى ظهرت الشعبوية؟" بداية ظهور ذلك المصطلح كان في روسيا وقت الثورة "البلشفية" ومن ثم أمريكا خلال آواخر القرن 19، على يد الحركات الزراعية، وبتعاون وإيحاء اشتراكي لتحرير الفلاحين الروس عام 1870، وفي الفترة ذاتها، انطلقت حركة احتجاجات في الريف الأمريكي موجهة ضد البنوك وشركات السكك الحديد. واكتسب هذا المصطلح صفات جديدة منتصف القرن ال20 في أمريكا اللاتينية مع الزعيم الأرجنتيني "خوان بيرون"، والبرازيلي "جيتوليو فارجاس" اللذين جسدا حركات شعبية بإيحاءات وطنية واجتماعية في بعض الأحيان. وفي أثينا ظهرت الشعبيون مبكرًا، فمعروف أن الأثينيين مولعين بالاستماع إلي الخطب واللعب على العواطف، واعتبر كثيرون وقتها أن ظهور الشعبوية سببًا في انتكاسة ديمقراطية أثينا، أما الإمبرطورية الرومانية فقد شهدت الأخري صعود أباطرة شعبويين لهم قدرات في تحريك الشعب عاطفيًا وإلهاب المشاعر؛ للوصول إلي مآربهم في الاستبداد. ويُقال أن مصر ظهر فيها الشعبوية، على يد الزعيم "جمال عبدالناصر"، الذي يعد من أبرز الزعماء الشعبويين العرب، لأنه الرجل الأسمر الريفي الطويل صاحب الدعابة والكلام المعسول الذي يناسب مزاج المصريين عامة. "أسس الخطاب الشعبوي" الخطاب الشعبوي يختلف من زعيم إلى الآخر، إذا أنه يتراوح بين الرومانسية الثورية والسياسية التبسيطية، ويتفق الجميع في استخدام لغة الشعب، والزعم بإنهم صوت وصدى وضمير الأمم. ويتركز خطابهم على العاطفة، يفتقر للرؤى الواضحة، بل يميل إلى إثارة الحماس وإلهاب المشاعر، ليتماشى مع المزاج السائد، دون أن يفيد في حل لالمشلاكت والقضايا الواقعية، كما يعتمد على وردية الحلم وتبسيط الأمور في شكلٍ مسرحي.