رغم أن الوجبة المدرسية لها أهمية خاصة، وكان مقررا توزيعها مع بداية العام الدراسي الذى أوشك نصفه الأول على الانتهاء، فقد أجلت وزارة التربية والتعليم توزيعها لتحرم نحو 11 مليون طالب من وجبة أساسية ضرورية لأبناء الأسر الفقيرة،بدعوى تغيير نظم التعاقد مع الموردين ل«منع تسمم الطلاب»، ليبدأ توزيعها فى صورة البسكويت والباتيه والفطيرة المدرسية مع وضع الاحتياطيات اللازمة لسلامة الوجبة واستبعاد الوجبة الجافة ومنع تخزينها وتوريدها فى يوم التصنيع نفسه، والالتزام بالمواصفات الصحية والغذائية المطبقة من هيئة سلامة الغذاء. بداية، يؤكد الدكتور وجيه المالكي، أستاذ التغذية بهيئة البحوث الدوائية، أن إعلان الوزارة توزيع الوجبة للطلاب تأخر هذا العام لأول مرة، مع أن هناك إدارة متفرغة لهذا العمل وكان بإمكانها أن تنتهى من الدراسات والاستعدادات فى فترة الاجازة الصيفية وليس مع انتظام العام الدراسي، لأن ذلك أضر بالطلاب ولم يحقق الهدف من الوجبة الغذائية التى تعد أساسية لأبناء المناطق شديدة الفقر فهى التى تشجعهم على الحضور بدلا من الانصراف عن التعليم، وتم ذلك بسبب فحص الوزارة لمصانع الموردة للوجبة بإشراف هيئة سلامة الغذاء والتعاقد مركزيا من خلال الوزارة، والتعاملات فى التوريد والتخزين والتوزيع، مع إدخال وجبة «الباتيه» ضمن التغذية المدرسية. ونبه بأن هذه الوجبة لا تؤدى الغرض منها فى توفير غذاء متكامل، وأنه ينقصها العناصر الأساسية التى تعوض احتياجات الطفل البدنية لشدة احتياجه للعناصر الغذائية المختلفة، خصوصا فى المناطق الفقيرة أو محدودة الدخل، فالوزارة استبعدت البيض والجبن المطبوخ (المثلثات) لسرعة فساده في مراحل التصنيع والنقل والتخزين، ولكن يجب فى الوقت نفسه أن يكون هناك تدعيم للبسكويت والفطائر والباتيه، بإضافة دقيق الحمص والعجوة واللبن الفرز المجفف أو الجبن القريش كمصدر للبروتين الحيوانى الذى يحتاجه الطلاب، لأن الوجبات المقترحة خالية منه ويمكن أيضا توزيع ثمرة من فاكهة الموسم مثل الموز والبرتقال واليوسفي، لما فيها من فيتامينات ومعادن، لأن الوجبة المقترحة اكثرها كربوهيدرات وأرى وضع الحلاوة الطحينية كقطع مغلفة حتى يسهل توزيعها وحمايتها من التلوث، أما العجوة فيمكن وضعها كحشو للبسكويت والفطائر، فالوجبة المتكاملة تساعد على رفع تركيز التلميذ فى أثناء الدراسة، وتجذبه للتعليم وتقلل التسرب من المدرسة، وكانت لنا تجربة منذ سنوات فى هيئة البحوث الدوائية قسم الأغذية بالتعاون مع معهد التغذية فى مشروع لإنتاج أغذية المدارس حرصنا فيها على أن تكون رخيصة الثمن ومرتفعة القيمة الغذائية وتحتوى على وجبة مقسمة بنسب متكاملة للغذاء 20% بروتينات، و30%حبوب، و10%فواكة، و40% خضراوات، بالإضافة إلى الألبان ممثلة فى كوب زبادى أو كوب من اللبن. بتمويل من أكاديمية البحث العلمى وعرضناها على رئيس معهد التغذية وقتها وعلى وزير التعليم حينذاك، لكن المشروع توقف . شبه وجبة الدكتور يسرى عبد الدايم أستاذ الأغذية وصناعة المخبوزات بزراعة عين شمس وصف الوجبة التى أعلنت عنها الوزارة بأنها «مؤقتة » فهى عبارة عن بسكوت 50 جراما لتلاميذ رياض الأطفال، و80 جراما لطلاب المرحلة الابتدائية، أو قطعة «باتيه سادة»، و«باتيه بالعجوة» وقطعة حلاوة طحينية، وفطيرة بالعجوة، وهى شبه وجبة لا تعطى الطفل احتياجاته الجسمية من التغذية ولا تمثل أكثر من 15% من احتياجاته الغذائية فهو يتناولها فى منتصف اليوم الدراسي، وبالتالى فلا تحل مكان الإفطار أو الغداء، وأنها موجهة لأطفال الطبقات شديدة الفقر بالقرى والمناطق الشعبية، وهى سبب أساسى لجذبهم للتعليم، وفى الوقت نفسه لا تعتبر وجبة مجزية صحيا من حيث تركيبها الغذائى حيث تركز بنسبة كبيرة على الكربوهيدرات لأن الطالب سيأخذ أحد هذه الخيارات من الأطعمة مع نقص واضح فى عنصر البروتين، لذلك من الأفضل أن تقترن بتوزيع عبوة لبن سعة 200 جرام لسد النقص الشديد فى هذه الوجبة، مع ضرورة إضافة عنصر الحديد على الوجبة بالخلط ويستحسن أن يحصل التلميذ علي وجبتين كحد أدني، وليس واحدة باعتبار أن تلاميذ هذه المدارس يعانون فقر الدم المنتشر بينهم نتيجة سوء التغذية، ونلاحظ أن الوجبة المدرسية فى الدول المتقدمة تكون على مرحلتين، الأولى فى الصباح وأخرى عند الانصراف من المدرسة ليمكن للطالب تناولها فى منزله، لضمان بناء جسمه ليكون فاعلا ومنتجا للبلد وليس مريضا طوال حياته، وهذا لا يتأتى إلا بتكوين وجبات كاملة العناصر تشمل الدهون والكربوهيدرات والبروتينات والمعادن مثل الكالسيوم والحديد. منظومة واضحة الدكتور عاصم أبو عرب رئيس قسم تلوث الأغذية بالمركز القومى للبحوث، نبه بأن التغذية تحتاج اهتماما خاصا ومنظومة واضحة لتوفيرها للتلاميذ، ويفضل أن تكون مغلفة حتى لا تعبث الأيدي بها، خاصة من جانب عمال النقل والتوزيع الذين قد ينقلون الملوثات والبكتيريا إليها، وبالتالى يحدث تسمم غذائي، لذلك فإن هناك ضرورة لتوريد عينات الأغذية لمعامل الأغذية والصحة لتحليلها قبل توزيعها على المدارس والتأكد من تاريخ الانتاج وانتهاء الصلاحية، ومع ذلك فإن التلوث قد يكون مع التصنيع أو التغليف أو التعبئة وليس التخزين فقط، وتكون النتيجة إصابة الوجبة بسموم الفطريات والبكتيريا، وكذلك التزنخ لسوء النظافة خلال التعامل مع خامات التصنيع وعدم الرقابة الكافية، كما قد ينتقل الملوث أو البكتيريا من حشرات فى التخزين أو بسبب غياب التخزين الصحي، وتعرض الغذاء للفطريات المسببة للأمراض والسموم أشهرها الأفلاتوكسينات نتيجة التعرض لارتفاع الحرارة والرطوبة اللتين يزيدان توالد الفطريات السامة، فإذا كان الغذاء معرضا للإصابة لأنواع البكتيريا يكون خطرا لأنها تتكاثر بسرعة وتنتج سموما، كما حدث فى العام الماضى بمدارس الإسماعيلية ، واتضح أنها بسبب تداول وتخزين وجبات تغذية ملوثة بميكروب السالمونيلا الذى يسهل انتشاره بالنقل والتعامل بسهولة بين الناس والحيوانات فى إحدى مراحل التصنيع والتخزين، خاصة الأغذية المحتوية علي نسبة عالية من الزيوت أو الدهن الحيواني، حيث يحدث تأكسد لها قبل أو بعد التصنيع. الدكتور محمد صالح الإمام، وكيل أول وزارة التربية والتعليم السابق، طالب بوضع ضوابط ومعايير حاكمة فى كل مراحل الوجبة، ومنع توزيع الأغذية المخزنة والراكدة لدى التجار، حتى لا تكون الوجبة المدرسية سببا للسطو على حقوق الفقراء، بعد الكشف عن أن 80% من اعتمادات الوجبة المدرسية تضيع فى النقل ورواتب العاملين بالتغذية.