تعرض تيار الاسلام السياسي لنكبات كبيرة واضطهاد شديد من جانب النظم الحاكمة في مصر والعالم العربي, وهو ما زاده رسوخا وأوجد تعاطفا معه ممثلا في رصيد مجتمعي متزايد غير متآكل, لكن هذا الرصيد المجتمعي والفكري يواجه معركة جديدة عقب الربيع العربي التي هبت رياحه لتعصف بالمجتمعات العربية وتوقظها من نومها بعد سبات عده البعض مماتا. تلك المعركة الجديدة هي المشاركة في بنية النظام السياسي الجديدة قيد التشكيل بصعوبة بما يمثله من نقلة نوعية لتيار الاسلام السياسي بكل تبعاتها واشكالاتها. مما استدعي أن ينتقل تيار الاسلام السياسي من الخطابة بما تستتبعه من حماسة وبلاغة الي الخطاب بما يستتبعه من منطق وبرنامج ورؤية اكثر تحديدا. وقد قطع شوطا في هذا السياق وإن كان الطريق مازال طويلا. فقد انتقل تيار الاسلام السياسي الي مستوي جديد من التحليل مخالف لما كان في السابق, إنه مستوي البحث والتنقيب في البرامج والخطط والأهداف ويفتش عن قيم الديمقراطية والمواطنة والدولة الحديثة. وكان ذلك يتطلب ظهور خطاب وآليات عمل بل ووجوه جديدة. وهو ماحدث لكن بدرجة لاتتناسب بشكل واضح مع الطفرة التي أحدثها الربيع العربي. الأمر الذي أدي إلي نشوء فجوة بينه وبين المجتمع السياسي الذي يعيش حالة فوران ثوري. فبات تيار الاسلام السياسي يواجه اختبارات فكرية, ليس لمجرد البقاء في المشهد السياسي بل للنمو والتطوير المتناغم مع الثورة باستحقاقاتها التي فرضتها علي الجميع من قيم وحقوق مسئوليات. مع التأكيد علي أن تيار الاسلام السياسي هو جزء أصيل من الربيع العربي. أهم تلك الاختبارات هي الصعود بالاسلام كدين شامل إلي مكانته العليا والسامية الواجبة, فلا يكون خصما مع مذاهب وأفكار سياسية هي نتاج الفكر البشري الذي يستلهم القاعدة الاسلامية أنتم أعلم بشئون دنياكم, فكافة المذاهب السياسية وأساليب الحكم وغيرها هي منتج انساني متطور ومتغير لتنظيم شئون المجتمعات, وهي بطبيعتها بل يجب أن تكون قابلة للتغيير والتطوير والاضافة من جانب كل المجتمعات دون أن توضع في مقابلة مع الاسلام. وهو هنا الدور المنوط به تيار الاسلام السياسي ليقوم به الآن وعقب الربيع العربي لينزع صداما ظل ردحا من الزمن بين الاسلام بشموله وسماويته ومنتجات انسانية. وهي مقابلة خلقت بونا شاسعا بين المنتمين لتيار الاسلام السياسي والمنتمين للتيارات الاخري وهو أمر بات واجب التعديل والتطوير لفض الاشتباك المزعوم, خاصة ذلك الاشتباك المزعوم بوجود تناقض بين الديمقراطية وحقوق الانسان من ناحية وبين الإسلام من ناحية أخري, أو اختزال الشريعة الاسلامية في مصطلح الحدود, وتجاهل الأهم وهو مقاصد الشريعة. إن جهدا فكريا كبيرا يجب أن يبذله التيار الاسلامي للاجتهاد داخل أفراده وبنيته التنظيمية اولا ليمرر مدي مشروعية الديمقراطية وحقوق الانسان والمواطنة لدي افراده قبل أن يردد أنها محل احترام وتقدير داخل ذلك التيار. لايعني ذلك أن التيار الاسلامي بمجمله لم يكن له اجتهادات. فالانشقاقات داخل التيار الاسلامي هي في جانب منها اجتهادات فكرية قبل أن تكون انشقاقات تنظيمية.