اتهم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الدول الغربية التي كانت تقوم بدعم الأنظمة الاستبدادية، بأنها تقوم بمد أنصارها في دول "الربيع العربي" بكل الإمكانات المادية والمعنوية من أجل "وضع حد وتقزيم لدور التيار الإسلامي"، عبر فرض أطراف بعينها في السلطة وإقصاء التيار الإسلامي. وقال إنه في الوقت الذي لا يتمتع فيه المدعومون من الغرب بالشعبية، والذي اعتبرهم يمثلان "بقايا نافذة لمنظومة الاستبداد السابقة أو من عناصر النخبة التي كانت بشكل أو بآخر مستفيدة من النظم التي كانت قائمة، فاستولت على مؤسسات الدولة الإعلامية والثقافية وحتى جزء من السياسية"، يؤكد أن التيار الإسلامي الذي يسعى الغرب لتقزيمه يحظى "بجماهيرية ظاهرة وبارزة لكل ذي بصيرة". وأضاف إن "هناك من رؤساء لدول غربية ذات تاريخ عريق في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، يريد أن يفرض أطرافا بعينها لتحكم البلاد، وتقصي التيار الإسلامي، الذي ساهم مساهمة فعالة في إزاحة وإسقاط النظام الاستبدادي السابق"، وحذر من أن "هذا من شأنه أن يزيد في احتقان الأوضاع بين أبناء الشعب الواحد، وقد يهدد لا قدر الله نتائج ما أفضت إليه هذه الثورات من حرية ورفع للظلم ودحر لفلول الاستبداد". وأكد الاتحاد في بيان أرسل إلى "المصريون" نسخة منها مخاطبا الذين "يحيكون المؤامرات ليلا ونهارا بالسر والعلن من أجل الالتفاف على مكتسبات هذه الثورات المباركة وعدم السماح لهذه الشعوب أن تختار وتبني مصيرها بنفسها ولاشك"، إن "هذه الشعوب التي قدمت الأرواح من أجل نجاح ثوراتها هي اليوم أكثر استعدادا للدفاع عنها والمحافظة عليها وتقديم تضحيات أخرى". وطالب البيان الذي حمل توقيع الشيخ يوسف القرضاوي رئيس "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" بضرورة ترك الأمر رهنا لإرادة الشعوب واختيارها دون تدخلات أو إملاءات خارجية، قائلا إن على هذه الجهات "أن تحترم إرادة وخيارات هذه الجماهير، فلا منزلة بين المنزلتين، فإما حرية، ودولة رشيدة، وإما استبداد وأنظمة مستبدة، تحكم شعوبها بالحديد والنار، وتكمم الأفواه وتستحوذ على ثروات البلاد، فلتترك صناديق الاقتراع تفرز حكاما شرعيين يحظون برضا شعوبهم، فيبنون دولة ديمقراطية مدنية على أساس احترام هوية الشعوب العربية الإسلامية". وأكد أن "الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها ليس فيه الخيار، وإنما فرض لازم فقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله وروسله فقد ضل ضلالا مبينا} [الأحزاب:36] ، ولكن هذه الشريعة هي شريعة الرحمة للعالمين وشريعة الكرامة والحرية فلا خوف منها إذا طبقت بمنهج وسطي سليم". وحذر الاتحاد كل الذين يقفون وراء "الاستنباطات" القانونية الملتوية والمواثيق فوق الدستورية، والعهود الجهوية، من أجل ألا تقول صناديق الاقتراع كلمتها، وتفرز من يرتضيه الشعب" قائلا إن "عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، ولا وصاية لأحد على هذه الشعوب العظيمة التي أثبتت للعالم أنها على درجة عالية من الوعي والفهم والتحضر، فهي أهل الحل والعقد، فلا سلطة بشرية فوقها، ولا شرعية لمن لا شرعية جماهرية له". وقال إنه "إذا كان بعض النخب تظن بأن وسائل الإعلام الضخمة، والدعم المالي السياسي الكبير، قادر على فرض وصاية على هذه الشعوب من جديد، فهي واهمة، وإننا ندعوهم إلى الامتثال إلى ما تفرزه الإرادة الشعبية والتوقف عن التشكيك في أهلية هذه الشعوب وقدرتها على اختيار الأفضل". ودعا الاتحاد الجميع إلى "الالتزام بالإسلام الذي أنزل الله والذي هو الرحمة للعالمين، والخير والشفاء للمسلمين وهو دين الحرية، والكرامة والعزة والإباء، لذلك لا يجوز لأحد أن يحرم الأغلبية المسلمة من تحديد هوية الدولة ومرجعيات قوانينها الدستورية مع الحفاظ التام على حقوق المواطنة بالكامل لغير المسلمين". ورأى أن "إصرار الإسلاميين على عدم علمانية الدولة، وإعلان هويتها الإسلامية، ولغتها العربية، إنما هو حق للأغلبية الساحقة من هذه الشعوب". لكنه أكد أن هذ "لا يعني بأي حال من الأحوال أن تسحق الأقلية، وتهضم حقوقها، وإن كانت أقلية "أيديولوجية" (ونعني بها هنا النخب الموغلة في التمثل والتشبه بالنموذج الغربي في حياتها الخاصة والعامة) بل على العكس من ذلك مطلوب، بل واجب على هذه الأغلبية من خلال نص الدستور أن تحفظ لهذه الأقليات حريتها كاملة بالشكل الذي لا يجعلها تشعر بالضيق أو الحرج في ممارسة قناعاتها الدينية أو الفكرية". وأوضح الاتحاد في بيانه، أن "الاسلام من أصله ليس سلطة ثيوقراطية فلا أحد يحكم باسم الله، وإنما الحكم هو مدني بطبعه، تضبطه نصوص الدستور والقوانين المنظمة للشأن العام، إذن فلا دولة دينية بالمعنى الغربي للكلمة في القاموس الإسلامي، كما تنعدم هذه الحالة حتى في أحلك فترات الحكم الإسلامي، فللعلماء والقضاة دورهم في إدارة الشأن العام للدولة من خلال مؤسسات المجتمع الأهلي (الوقف) والإفتاء والقضاء وفي الحد من السلطان المطلق للحاكم". واعتبر أن "النص على أن الشريعة هي المصدر للتشريع، لا يعني إهمال العقل والاجتهادات، حيث إن مصادر الفقه الإسلامي (أو الشريعة بمعناها العام) هي الوحي المتمثل بالكتاب والسنة اللذين أقرَّا الإجتهاد من أهله، وفي محله في أوسع أبوابه حسب القياس والمصالح، بل إن نصوص الشريعة القطعية قليلة، وبالتالي يبقى للعقل دور عظيم في الاجتهاد، ولذلك جمعت الشريعة بين الأصالة التي تحفظ الأمة من التبعية، وتحميها من الانصهار، وبين المعاصرة والتطوير وفي هذا الخير كله". وطالب الجميع بالاتفاق على مجموعة من المبادئ المتثلة في "الإيمان بالله تعالى خالق الكون، وبارئ الإنسان وواهب الحياة"، "الإيمان بمحمد رسول الله، وخاتم النبيين"، "الإيمان بالشريعة الإسلامية ومبادئها مرجعا للحياة الإسلامية"، "الترحيب بكل الأديان السماوية، والتسامح العام مع أهلها"، "الإيمان بالقيم الأخلاقية العليا للتعامل مع الجميع"، "رفض الإلحاد والشك والشرك والدعوة إلى الكفر والفسوق والعصيان".